IMLebanon

لبنان فوق فوهة الانتظار… لما بعد بعد الانتخابات الأميركية؟

 

ليست المرة الأولى «تهربُ» السلطةُ إلى «غرفة الانتظار» التي باتتْ الاسمَ الحَرَكي لعجْزِ الطبقةِ السياسيةِ عن معالجةِ أزمات لبنان بعدما تحوّل «النظام التشغيلي» للحُكْم رهينةَ لعبةِ مصالح فئوية وحزبية واقتياد البلد إلى فم المواجهة الكبرى في المنطقة. لكن الركونَ إلى «تلة الانتظار» في هذه المرحلة التي صار معها لبنان في قبضة «العاصفة الكاملة» يعمّق المخاوف المتطايرة من الداخل والخارج من أن الطريق إلى آخِر النَفَق الحالِك مزروعٌ بما هو أدهى من الشر المستطير، مع استحضارِ «شياطين» الصراعات الإقليمية – الدولية إلى «جهنّم» اللبناني المفروش أصلاً… بالنيات السيئة.

وبعد انتظارٍ استمرّ 25 يوماً لرحلة تأليف حكومةِ مَهمةٍ قادها الرئيس المكلف مصطفى أديب بقوةِ دفْعٍ فرنسية وانتهتْ السبت، إلى اعتذاره، ثم انتظارٍ لمواقف عرّاب المبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (الأحد)، بعد انهيار مسعاه بضربات محلية ولكن بقفازات إقليمية (إيرانية)، انتقل الانتظارُ أمس، داخلياً لإطلالة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله (مساءً)، التي ردّ فيها «بما يلْزم» على مضبطةِ الاتهام الأقسى لسيّد الاليزيه بحق الحزب وأدواره الحربية و«الترهيبية والإرهابية»، في موازاة تكريس وضعية انتظارٍ بالأسابيع لمآل السباق الرئاسي الأميركي وربما ما بعد بعده، ولمحاولةٍ روسية خجولة لتَلَمُّس طريقٍ وسط في الأزمة اللبنانية (بين باريس وطهران) – بحضٍّ فرنسي -تخوضها موسكو بإيقاعٍ «سلحفاتي»، يعبّر عنه انتظار نهاية أكتوبر موعداً لزيارة مرتقبة لوزير الخارجية سيرغي لافروف لبيروت. وفيما كانت مواقف نصر الله تعكس وقوعَ لبنان بالكامل في شِباك الاشتباك الأميركي – الإيراني وفقدان ماكرون هامش التمايُز (عن واشنطن) الذي لم يشْفع له أساساً في «المحاولة الأولى» من مبادرته الرامية إلى تأليف «حكومة انتقالية» تنأى بلبنان عن حافة الجحيم الذي يكمن للبلاد، مالياً واقتصادياً وربما في وجوده، عبر تشكيلةِ «تقطيعِ الوقت» من اختصاصيين لا تسميهم القوى السياسية بما يتيح للبلاد «التقاط الأنفاس» قبل «أن تلفظ أنفاسَها»، فإن دوائر ديبلوماسية وسياسية تَلاقت عند أن ترْك الواقع اللبناني لـ«لعبة الموت» مُنتظراً مقايضاتٍ إقليمية أو فصولاً أشدّ شراسة من «المضايقات الموجعة» التي بدأت هوامشها تضيق وصارت وكأنها تدور في فوهة المدفع، سيجعل بيروت تَمْضي في رحلة السقوط المُريع نحو القعر المميت، بالجوع أو المرض أو باهتزاز الاستقرار الأمني باستهدافاتٍ حمّالة أوجه و… أهداف.

 

وتشير هذه الدوائر إلى أن الواقعَ المالي الذي بات معلَّقاً على «آخِر فلْس» في مصرف لبنان قابِلٍ للاستخدام لتمويل استيراد السلع الاستراتيجية بالدولار المدعوم، اقترب من لحظةِ «الكابوس» الذي بدأت طلائعه مع تعدُّد أسباب التأخّر في فتح الاعتمادات لاستيراد المشتقات النفطية فيما النتيجة واحدة: طوابير من السيارات للحصول على مادتيْ البنزين والمازوت اللتين يتسرّب قسم منهما تهريباً إلى سورية، فيما لاحت أول مؤشرات فقدانِ بعض الأدوية وسط معاندة القطاع الصحي أن يصْرعه فيروس كورونا المستجد، الذي يشهد طفرةً متوحّشة بأرقام «ألفية» يومية يزيد من وقعها المُرْعب أن نسبة الحالات الإيجابية لعدد الفحوص المحلية بلغت مثلاً (الاثنين) 21 في المئة، في موازاة اقتراب نسبة إشغال أسرّة العناية الفائقة من 92 في المئة ومع تسجيل حالات وفيات في صفوف فئات عمرية شابة آخرها للبنانية في الـ25 لم تكن تعاني أمراضاً مُزْمِنة.

وقبيل كلمة نصر الله ليلاً، بدت بيروت مستسلمة لـ«الحال الفراغية» التي تسود منذ اعتذار أديب و«قصْف» ماكرون الطبقة السياسية برمّتها، وإن مع تصويب مركّز على «حزب الله» والرئيس نبيه بري، في ظلّ شبه تسليمٍ بالا جدوى من أيّ حِراك داخلي لمحاولة كسْر المأزق واستيلاد «حكومة المجتمع الدولي» قبل تبلْور صورة التحولات في المنطقة.

وحدهما موقفان لكل من حركة «أمل» التي يتزعّمها بري ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وحملا رداً متأخّراً على ماكرون الذي وزّع المسؤوليات عن إحباط مهمة أديب، طبَعا المشهد السياسي «الصامت» حتى إشعار آخَر. فـ«أمل» وفي معرض توضيح موقف بري الذي تَمسّك مع «حزب الله» بحقيبة المال وبتسمية الوزراء الشيعة، أشارت إلى «أن موقفها في تكليف مصطفى أديب تشكيل الحكومة كان واضحاً في دعم قيام حكومة قادرة وقوية تضم أفضل الكفاءات والاختصاصيين، وتلتزم برنامج الإصلاح، وموقفها خلال مفاوضات التشكيل كان منسجماً والأصول الديموقراطية التي تحترم مواقف الكتل السياسية، ولا تتنكّر لنتائج الانتخابات البرلمانية»، معتبرة أن «هذا ما حاول مَن صادر عملية التأليف من الرئيس المكلف تَجاوُزه ووضع شروط وقواعد تتعلق بالمداورة وتوزيع الحقائب والتسميات لمَصالحه متجاوزاً حقيقة المبادرة الفرنسية ومسخراً لها لإرساء أسلوب جديد في تشكيل الحكومات». وأضافت: «أن الحركة مع احترامها للدور الذي لعبه الرئيس ماكرون، تستغرب ما ورد على لسانه من اتهامات وتحميل المسؤوليات خصوصاً للثنائي الوطني (حركة أمل وحزب الله)، بعيداً من الحقائق ووقائع النقاشات مع الرئيس المكلف».

أما باسيل فقال في تغريداتٍ لفت فيها إلى تفاديه أي إشارة دفاعية عن حليفه «حزب الله»: «لو تأخّر تعليقنا، حديث الرئيس الفرنسي الأخير بنّاء وواقعي وموضوعي وفيه حرص على لبنان، ما عدا تعميم مسؤولية الفشل على الجميع»، مشيراً إلى أن «هذا الأمر يمكن أن يُفهم و(بتقطع بالسياسة)على الرغم من أنها ليست عادلة، بس يلّي ما بيقطع معنا، هو تعميم انو الكل قبضوا».

وأضاف: «يجب أن يعرف الرئيس ماكرون من الإدارة الفرنسية وأرشيفها أنه في لبنان، ومنذ أيام الطائف تحديداً، هناك ناس بتقبض وناس ما بتقبض، وما زلنا نرفع التحدي بوجه الجميع وبوجه أجهزة المخابرات الدولية والنظام المصرفي العالمي. ونحن نتحدّث من حرصنا على استمرار المبادرة الفرنسية ونجاحها».