IMLebanon

هل تنجح حرب “الجيل الخامس” في إضعاف “حزب الله”؟

تتبع إسرائيل مع «حزب الله» اللبناني حرباً مختلفة جديدة – قديمة في فنّ الحروب ولكنها غير ظاهرة للعلن. تتكوّن من مجموعة حروب بما في ذلك استخدام القدرات التقليدية والتكتيكات والتشكيلات غير النظامية والعقوبات الأميركية وحرب المنصات الإلكترونية والحروب الإعلامية والبروباغندا وتغذية الانقسامات وسياسة الحصار وإشغال «العدو» من الداخل لإضعافه قبل الانقضاض عليه. إنها حرب الجيل الخامس… على «حزب الله».

سلّمتْ الأمم المتحدة رسالةً إلى «حزب الله» مفادها بأن قتْل أي جندي أو ضابط إسرائيلي سيدفع الدولة العبرية إلى ضرْب عشرة أهداف ومراكز للحزب في مناطق مختلفة من لبنان. وزوّدت إسرائيل خرائط وأماكن المكاتب التي تريد استهدافها مع رسالتها، بحسب ما قال مصدر قيادي مطلع. وكان ردّ «حزب الله» على الرسالة بأن قصف 10 أهداف في لبنان سيتم الرد الفوري عليه بـ 10 أهداف عسكرية ومراكز قيادة وسيطرة وأخرى تابعة للحكومة الإسرائيلية بصواريخ دقيقة من دون إنذار مُسْبَق.

ولم يعد قادة إسرائيل يلوّحون بإعادة لبنان إلى العصر الحجري بقصفهم للبنية التحتية وتدميرها. وهذا سببه أن تَوازُن الردع قد تحقق، ولكنها لم تتخلّ عن مشروع إضعاف «حزب الله» أو إنزال الهزيمة به.

وهذا ما دفع الحلف الإستراتيجي (أميركا وإسرائيل) للتحوّل إلى «الحرب الناعمة» أو الحرب الهجينة إلى حين تتهيأ الفرصة لتوجيه الضربة العسكرية إلى الحزب لإنهائه. إلا أن الحرب الإلكترونية لم تتوقف بتدابير وتدابير مضادة.

ولهذا أخذت الحرب الهجينة منحى آخر أكثر فعالية لضرب الحزب. فلنأخذ مثلاً ما عرضه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو العام 2018 وقبل أيام عدة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن وجود صواريخ للحزب قرب مطار بيروت وأخرى في منطقة الجناح. وفي المحاولة الأولى، خرج لنتنياهو، وزير الخارجية حينها جبران باسيل ودعا سفراء الدول لزيارة المكان.

وفي الحالة الثانية دعا «حزب الله» الصحافة المحلية والدولية لزيارة المكان لتكذيب نتنياهو. لكن هل فعلاً خسر نتنياهو الجولتين ضد «حزب الله» أم العكس؟ في سؤالي لأحد القادة في لبنان، كم تعتقد من أصل 194 ممثل دولة في الأمم المتحدة شاهدوا ردّ لبنان والسيد نصرالله ليكذّبوا نتنياهو؟ لربما واحد أو اثنين أو عدد قليل جداً.

وتالياً فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي ربح الحرب التضليلية وساعدَه اللوبي الصهيوني القوي في الإعلام الدولي لنشْر صوره الملوّنة وإخراجه الفولكلوري والتغاضي عن وجهة نظر «حزب الله».

ومن غير المستبعد أن نتنياهو هدف في حربه الإعلامية لتقليب الرأي العام الدولي والمحلي ضدّ الحزب. ففي أوروبا، يرفض قادة القارة العجوز اعتبار الحزب كتنظيم إرهابي.

وفي داخل لبنان هناك قول معروف: «لنا قوم لو أسقيناهم العسل المصفى ما ازدادوا فينا إلا بغضاً ولنا قوم لو قطعناهم إرباً ما ازدادوا فينا إلا حباً».

إذاً فإن المجتمع اللبناني منقسم على نفسه، ومَن يدعم الحزب عقائدياً يبقى على موقفه ولا يتزحزح أبداً. أما مَن يؤيّد الحزب ظَرْفياً فقد انقلب بعض هؤلاء كما هو ظاهر على مواقع التواصل الاجتماعي ليأخذوا وبالأخص في الشارع المسيحي منحى بدأ بانتقاد «حزب الله» لأسباب عدة، أهمها عدم وقوف الحزب ضدّ جميع المُتَّهَمين بالفساد وحمايته لأشخاص سياسيين معروفين دون آخَرين، من دون الالتفات إلى الصورة الأكبر التي تحاك ضد لبنان و«حزب الله» وبيئته الحاضنة وحلفائه.

ولم ولن تتخلى أبداً إسرائيل وأميركا عن هدف هزيمة الحزب لأن من غير المقبول أن يصبح تنظيماً أقوى من الدولة وأقوى من جيوش عدة في الشرق الأوسط. وما زاد الطين بلة هو الحصار المالي على لبنان ليستسلم. فخرج «حزب الله» بقرار الإبقاء على دفع الحقوق (المعاش الشهري) بالدولار ليدفع أميركا وإسرائيل لتعديل وتطوير الحروب الهجينة عليه.

وها هو لبنان يقترب من الفوضى لأن الحكومة التي تصرّف الأعمال لم يَعُد لديها ما يكفي لدعم سعر الدواء والنفط والخبز.

وهذا ما سيدفع البلاد نحو فوضى أكبر بكثير مما هي عليه اليوم إلا إذا قابَلها الطرف الآخَر بخطة مضادة تحصّنه داخلياً وتمنع أن يصل لبنان إلى مستوى الدولة الفاشلة. ومن المؤكد أن «حزب الله» لا يملك منظومة إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي ولا يملك الدعم الكافي ليقف أمام الهجوم القوي الذي يقوم به خصومُه.

ومجتمع «حزب الله» لا يستطيع التقاط أنفاسه لأنه في موقع المُدافِع دائماً لكثرة الأعداء والادعاءات. وقد أصبح الحزب وحيداً في الساحة اللبنانية وخصوصاً بعدما قَبِل، بالاتفاق مع حلفائه، بأن يأخذ على نفسه مسؤولية فشل المبادرة الفرنسية ليجنّبهم العقوبات الأميركية المقبلة ليفاوض هو الذي لا يخشى العقوبات ويحافظ على مكتسباته وطلباته.

وهذا ما زاد الحِمْل والاتهامات بوجهه داخلياً. ومن الواضح أن المجموعة الدولية تريد دفْع «حزب الله» للسيطرة على لبنان عسكرياً وخصوصاً أنه يستطيع فعل ذلك ولا قوة تستطيع ردْعه.

إلا أن هكذا قرار لن يُتخذ أبداً لأن من شأنه التسبّب بحصار مثلما حلّ لمنظمة «حماس» في غزة وأكثر من ذلك ليفقد كل الدعم الداخلي إلا من بيئته الحاضنة.

إنها حرب الجيل الخامس التي تجمع الحرب الكلاسيكية عن طريق الطائرات المسيّرة والاستخبارات وحرب «البروباغندا» لإضعاف «حزب الله». فهل تنجح إسرائيل وأميركا؟