IMLebanon

عذراً سعد الحريري… (بقلم رولا حداد)

بكل صراحة ووضوح لم نفهم كثيراً منطق الرئيس سعد الحريري في إطلالته التلفزيونية الأخيرة. ولعلنا نحتاج فعلا أن نفهم من عرقل المبادرة الفرنسية؟ هل كانت “القوات اللبنانية”؟ أم الحزب التقدمي الاشتراكي؟ أم رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر”؟ أم بكل وضوح الثنائي الشيعي بقيادة “حزب الله”؟

نسأل هذا السؤال لأننا اليوم أمام الفرصة الأخيرة باعتراف الجميع وهي المبادرة الفرنسية.

لا يهّمنا من سمّى الرئيس سعد الحريري في المرتين السابقتين ومن لم يسمّه، وليس الوقت الآن لجردة حسابات ونحن في قعر جهنم. السؤال البسيط والوحيد هو: من عرقل ولا يزال يعرقل المبادرة الفرنسية؟ وما هو جوهر هذه المبادرة التي باتت كقميص عثمان؟ وهل هي لتأليف حكومة وحدة وطنية فيبقى القديم على قدمه أم لحكومة من المستقلين عن الأحزاب والتكنوقراط للقيام بالإصلاحات؟ ولماذا هذا الإبهام والغموض حول هذه المبادرة التي يفسّرها الحريري والثنائي الشيعي كلّ على هواه ويتمسكان بها كل انطلاقاً من حساباته في حين أن الرئيس إيمانويل ماكرون حمّل الثنائي الشيعي والحريري تحديداً مسؤولية إفشالها؟!

والأهم أن ننتقل من هذا السؤال إلى مجموعة من الأسئلة، وكم نتمنى لو يحمل الشيخ سعد الأجوبة اللازمة عنها:

ـ ماذا يبقى من المبادرة الفرنسية، وفق منطق الحريري، إذا نال الثنائي الشيعي ما يريده، وعلى الأقل بتسمية وزير المالية وجميع الوزراء الشيعة؟ ماذا سيفعل عندها كل الآخرين؟ ألن تكون مطالبتهم بتسمية وزرائهم محقة بدءًا برئيس الجمهورية ورئيس “التيار الوطني الحر” مروراً بتيار المردة والطاشناق وحتى النائب طلال أرسلان؟ وهذا إذا افترضنا أن الحزب التقدمي الاشتراكي و”القوات” لا يريدان المشاركة…

ـ ماذا يبقى من المبادرة الفرنسية إذا نال الثنائي الشيعي وزارة المالية؟ وهل يضمن عندها الرئيس سعد الحريري ألا تتم عرقلة كل المشاريع الإصلاحية التي تمسّ بمصالح هذا الثنائي من بوابة توقيع وزير المالية؟ ماذا يبقى عندها من أحلام مؤتمر “سيدر” وقروضه؟ وخصوصاً أن السيد حسن نصرالله كان واضحاً برفض أي شروط أو قيود يفرضها صندوق النقد الدولي وغيرها على لبنان تحت شعار أنها “تمسّ بالسيادة اللبنانية”… وإذا سمّى الثنائي الشيعي وزير المالية، مباشرة أو مواربة، ألن يطالب جبران باسيل بوزارة الطاقة مجدداً وبتسمية وزيرها الجديد؟

ـ إذا خضع سعد الحريري لشروط الثنائي الشيعي في تشكيل الحكومة ألن يخضع في كل الملفات أيضاً؟ ولماذا يريد إجراءات مشاورات مع كل الأطراف تسبق التكليف وهو كان منع عملياً الرئيس المكلف سابقاً مصطفى أديب من إجراء مشاورات مع كل الأطراف بعد تكليفه؟

لعل الرئيس الحريري لم يتنبّه إلى واقع أُعيد تكريسه بعد مقابلته والردود المباشرة وغير المباشرة عليها، وهو أن لا شيء تغيّر في التعاطي الداخلي رغم الانهيار الشامل ورغم انفجار مرفأ بيروت ورغم المبادرة الفرنسية. لا شيء تغيّر بدءًا من طريقة مقاربته للأمور وصولاً للردود عليه. الحريري تعاطى وفقاً لحساسياته الشخصية ليس أكثر فبدا حاقداً على “القوات اللبنانية” وعلى جبران باسيل في مقابل إبدائه الليونة في التعاطي مع الثنائي الشيعي كما دائماً وان اتهمهما بعرقلة المبادرة الفرنسية.

في المقابل يتعاطى معه الثنائي الشيعي على قاعدة ضرورة عودة القديم إلى قدمه بحكومة سياسية “تحترم نتائج الانتخابات النيابية ورفض أن يسمي أحد وزراءنا”، كما يتعاطى معه باسيل على قاعدة “رفض أي حكومة يكون فيها الحريري السياسي الوحيد وأن يسمي الوزراء من الموظفين لديه”!

عذرا شيخ سعد،

نعم لا شيء تغيّر، ويبدو أن الثنائي الشيعي وباسيل يراهنون كما في كل مرة على استماتتك للعودة الى السراي، وبأن من أدمن التنازلات سيكمل في المسار عينه!

أخيراً لا بدّ من الإشارة إلى أن تخوّف الرئيس الحريري من الحرب الأهلية ليس في محله على الإطلاق، أولاً لأن طرفاً واحداً يهددنا بالحرب، وثانياً لأن ما يعيشه اللبنانيون اليوم أسوأ من حرب أهلية. ففي عزّ الحرب لم تصل نسبة الشباب الذين يفكرون في الهجرة إلى 77% كما هي الحال اليوم، وفي الحرب المشؤومة لم يلجأ اللبنانيون إلى عبارات الموت ولم تصل عملتهم الوطنية إلى هذا الدرك، كما أن في الحرب لم يستطع حزب واحد، أو ميليشيا واحدة تابعة لمحور إقليمي، من أن تفرض مشيئتها على جميع اللبنانيين…