IMLebanon

من الناقورة إلى واشنطن! (بقلم رولا حداد)

لم يُخطئ الحدس الشعبي في اعتبار رضوخ “حزب الله” للمطلب الأميركي- الإسرائيلي بترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وإسرائيل مدخلاً محتملاً للتطبيع بين لبنان وإسرائيل في زمن التوجه العربي نحو التطبيع والسلام مع إسرائيل.

لن تنفع الشعارات الكبرى ولا بيانات غسل الأيدي بعيد منتصف الليل في إخفاء الصورة الحقيقية لما يجري، تماماً كما لن تنفع تصاريح التبرير الإسرائيلية لإراحة “حزب الله” إعلامياً بأن ما يجري ليس تطبيعاً ولا سلاماً.

من الواضح أن ما يجري أبعد بكثير من الحدود الجنوبية للبنان، فهو يتجه شرقاً حيث تتولّى إيران عبر “حزب الله” وبتكليف للمدير العام للأمن العام عباس ابراهيم إخراج رهائن أميركيين محتجزين في سوريا منذ أعوام، وتصل إيران في “النوايا الحسنة” إلى قلب اليمن حيث تجري عمليات واسعة لتبادل الأسرى بين الحكومة اليمنية والحوثيين، وهكذا نفهم كيف أن ترسيم الحدود “بين حكومة لبنان وحكومة إسرائيل”، والتعبير للرئيس نبيه بري بما يتضمّن من اعتراف كامل بدولة إسرائيل، يصبح بمثابة “تحصيل الحاصل” كجزء من الصورة الإقليمية الكبرى في زمن الخضوع الإيراني نتيجة العقوبات الأميركية والضربات الإسرائيلية!

ليس تفصيلاً أن يخرج أحد ركني الثنائي الشيعي في لبنان، رئيس مجلس النواب نبيه بري، ليعلن إنجاز “الاتفاق- الإطار” للمفاوضات مع إسرائيل. ومضحك بيان الثنائي الليلي لغسل الأيدي والاعتراض الشكلي على الوفد اللبناني الحاصل على بركة المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية. وليس تفصيلاً على الإطلاق أن تتم دعوة اللواء عباس ابراهيم إلى واشنطن حيث يتم استقباله بحفاوة بالغة متعمّدة.

هل يكمل مسلسل الصور المتناثرة من هنا وهناك “بازل” الصورة الشاملة لاستلحاق إيران ومحور الممانعة ككل أنفسهم ويحجزوا لهم مكاناً في “صفقة القرن” التي انطلقت؟ قد يكون من المبكر حسم الإجابة عن هذا السؤال الحساس، وخصوصاً قبل حوالى أسبوعين على الانتخابات الرئاسية الأميركية، لكن الثابت أن قطار الصفقة انطلق ولا يمكن لشيء أو لأحد أن يوقفه، وخصوصاً أن كل الخطوط الحمر سقطت إلى حدٍ باتت معه الضربات “الغامضة” في العمق الإيراني مسموحة وطبيعية!

وإذا كان التوجه العام في المنطق بات واضحاً، إنما كالعادة الشيطان يكمن في التفاصيل، ولذلك لا بدّ من طرح أن من سؤال:

ـ ما هي حدود التنازلات التي ستقدمها إيران في المنطقة العربية من اليمن والعراق إلى سوريا ولبنان؟ وما ستكون المكاسب المقابلة؟ أي تسوية سنشهدها في اليمن؟ ماذا عن العصي في دواليب حكومة مصطفى الكاظمي في العراق؟ وماذا عن الانسحاب الإيراني الكامل من سوريا قبيل انخراط نظام بشار الأسد في السلام مع إسرائيل؟

ـ أما في لبنان فثمة من يطرح أسئلة كثيرة تبدأ من حصة الشيعة في النظام الجديد المرتقب ولا تنتهي في ملف “وراثة” رئاسة مجلس النواب الجديد بين اللواءين المتقاعد جميل السيد والحالي عباس ابراهيم، مع ترجيح كفة ابراهيم أميركياً وغربياً بشكل واضح بما يوحي بطبيعة صورة ممثل الشيعة في النظام التي يفضلها الغرب!

الثابت والأكيد أنه يخطئ من يظن أن مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل ستنتهي في الناقورة لأنها لم تبدأ هناك أساساً…