IMLebanon

“الانتحاري”… سعد! (بقلم رولا حداد)

أما وقد تم تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة، فلا بدّ من رصد الواقع السياسي بدقة شديدة لمعرفة إلى أين تتجه الأمور في الصورة الإقليمية والدولية المعقدة وانعكاساتها الخطرة على الداخل اللبناني.

أسوأ ما يمكن أن يحصل للبنان أن يظن أي طرف أنه قادر على إنقاذ البلد مالياً واقتصادياً واجتماعياً بالشراكة مع “حزب الله” في مؤسساته، مع العلم أن كلمة “شراكة” تبدو في غير موقعها حين نتحدث عن الحزب لأن الشراكة الحقيقية تتطلب ندية في التعامل، وهذا غير موجود بين أي طرف داخلي و”حزب الله” نظراً للفوارق الهائلة في معادلات القوة والنفوذ. سقطت الندية في التعامل مع الحزب يوم تفرّقت قوى 14 آذار سابقاً، ولم يعد بإمكان أي منهم التعامل بشكل منفرد مع الحزب من موقع القوة أو الندية، إذ نجح الحزب في تفرقتهم بعدما عجز عن إلحاق الهزيمة بهم يوم كانوا مجتمعين.

فشلت كل مساعي سعد الحريري منذ اتفاق الدوحة بتحقيق أي إنجاز داخلي في الحكومات التي امتلك فيها “حزب الله” الثلث المعطل وبالتالي حق الفيتو أو أكثر من ذلك كما في حكومات العهد العوني. وما فشل فيه الحريري طوال أكثر من 12 عاماً لن ينجح في تحقيقه اليوم.

أقسى ما يمكن لسعد الحريري أن يفعله اليوم هو أن يغسل يديه ويرفع شعار “ما خلّوني” الذي رفعه قبيل استقالته في تشرين الأول 2019. ولكن هذه المرة اختلفت المعادلات بشكل كامل لأن لبنان لم يعد يملك ترف الوقت، وما يجري اليوم في هذا التوقيت مريب بكل معنى الكلمة. ما يجري اليوم أن ثمة محاولة يائسة لحماية “حزب الله” وإنقاذه بهدف محاولة حماية بعض المكتسبات داخل أورقة السلطة في مواجهة الرفض الشعبي العارم لكل الطبقة السياسية الحاكمة، واقتناع تحالف السلاح والفساد بأن هذا الرفض الشعبي إذا استمرّ قائماً يمكن أن يهدد عروش المتربعين على عرش الحكم مباشرة ومواربة.

صحيح أن الرئيس سعد الحريري نال التكليف بموجب تسمية 65 نائباً، لكن الصحيح أيضاً أنه من المستحيل أن يكون مكلّفاً شعبياً بتأمين الغطاء لـ”حزب الله” ومشروعه داخلياً وإقليمياً، بحيث ظهر الحريري أقرب إلى انتحاري في مهمة إعادة تعويم الحزب الذي فشل فشلاً ذريعاً سواء في الحكم داخلياً عبر حكومة حسان دياب، وسواء في المواجهة الإقليمية والدولية التي يخوضها إلى جانب إيران ضد الولايات المتحدة والدول العربية!

يدرك الرئيس سعد الحريري، أو يجب أن يدرك، أن ليس بمقدوره اجتراح المعجزات، وأن ليس بالإمكان إنقاذ لبنان من “جهنّم” بملياري دولار بغطاء فرنسي، أو بمحاولة محكومة بالفشل للتعاون مع صندوق النقد الدولي.

صحيح أن حلّ قضية سلاح “حزب الله” أكثر تعقيداً من أن تجد لها حلاً داخلياً لبنانياً، ولكن حلّ أزمة السلاح التي تشكل أساس الأزمات اللبنانية لا يمكن أن يتم في حال أصرّ البعض في الداخل على توفير الغطاء اللازم لهذا السلاح وتحميل لبنان كدولة وحكومة المسؤولية عن أفعاله وارتكاباته داخلياً وخارجياً.

قبل أكثر من 3 أعوام كتبت في هذه الزاوية مقالة حملت عنوان “فليحكم حزب الله”، وكم يكون مفيداً لو يعيد البعض قراءتها، لأن أسوأ ما حصل للبنان في هذه المرحلة إصرار البعض على شراكة غير متوازنة على الإطلاق مع الحزب، بحيث أن هذه الشراكة تمت وفق معادلة: كرسي رئاسة الحكومة للحريري والأمرة في القرارات الحكومية لـ”حزب الله” وحلفائه!

قد يكون مفيداً للحريري أن يدرك أن الزمن ليس للعمليات الانتحارية بل زمن العقوبات التي غيّرت مفاهيم الحروب والتي لن ينجو منها كل من يساعد الحزب عن قصد أو عن غير قصد…