IMLebanon

الحريري في “بيت الطاعة”!

كتب طوني أبي نجم في “نداء الوطن”:

من يعوّل على تشكيل حكومة جديدة يكون ساذجاً، بعيداً كلّ البعد من واقع التركيبة اللبنانية الحاكمة. فالرئيس سعد الحريري، يوم ارتضى لنفسه ما لم يرتضه لمصطفى أديب، إنما أعاد نفسه إلى “بيت الطاعة” لدى “حزب الله” ورئيس الجمهورية ورئيس “التيار الوطني الحرّ”.

أن يقول الحريري بُعيد تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة إنّه “إذا كانت مصلحة البلاد تتطلّب تفاهماً مع الجميع، فمن المفترض تغليب مصلحة البلد”، فهو إنّما كان يعني بشكل واضح أنّه إذا كان تشكيل الحكومة يتطلّب إتمام المحاصصة مع الجميع، فمن المفترض فعل ذلك تأميناً لولادة الحكومة.

وبكلّ واقعية وقراءة للأمور، وضع الحريري نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا يرفض عمليات الإبتزاز ويُبقي التكليف في جيبه، ويرفض تشكيل حكومة خاضعة لإملاءات الثنائي الشيعي والنائب جبران باسيل، وإمّا يشكّل حكومة شبيهة بحكومة الرئيس حسّان دياب مع عودة تيار “المستقبل” لنيل حصّته بمباركة “حزب الله”.

مُضحك جداً الحديث عن حكومة متخصّصين غير حزبيين، تسمّي وزراءها الطبقة الحاكمة، وكأنّ المشكلة في لبنان هي أنّ الوزراء السياسيين الحزبيين غير متخصّصين ليتمكّنوا من معالجة أزمات البلاد، أو كأنّ بعض “المتخصّصين”، الذين يتبعون للأطراف السياسية نفسها، سيتمكّنون من أن “يشيلوا الزير من البير” في لبنان!

أمّا الحقيقة فتكمن في مكان آخر وعلى 3 مستويات واضحة:

ـ المستوى الأول هو أزمة سلاح “حزب الله” الذي يؤمّن الهيمنة الإيرانية شبه الكاملة على القرارات الوطنية والسياسية والأمنية والمالية والإقتصادية في لبنان. وفي هذا الإطار، اختصر الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز هذا الواقع بالتأكيد في خطابه الأخير، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنّ “لبنان لن يعرف الإستقرار والإزدهار في ظل سلاح “حزب الله””. هذا لناحية الموقف العربي المُحجِم عن مساعدة لبنان، كما أنّ المواقف الأميركية واضحة أيضاً، بدءاً من مطالبة دول العالم بتصنيف “الحزب” ضمن المنظّمات الإرهابية، وصولاً إلى تأكيد رفض التعاون مع أي حكومة لبنانية يشارك فيها “حزب الله” بشكل مباشر أو غير مباشر.

ـ المستوى الثاني يتعلّق بما يسمّيه “حزب الله” خلافاً حول 10 في المئة من الورقة الفرنسية التي تعني الإصلاحات الموعودة. وبالتالي، فإن “الحزب” يجاهر بأنّه جاهز لتعطيل كلّ ما من شأنه المسّ بأي مزاريب هدر تضمن الحصول على مئات ملايين الدولارات على حساب الخزينة اللبنانية. وبالتالي، فإن الحديث عن تنفيذ الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي، ويشترطها الفرنسيون لتسريع أموال “سيدر” الموعودة، يصبح في خبر كان. وكلّ الخوف في هذا الإطار، أن تقتصر الإجراءات الحكومية على فرض المزيد من الضرائب على المواطنين والإقتصاد ما يعمّق من الإنهيار ويسرّعه.

ـ أما المستوى الثالث فيتعلّق بمحاربة الفساد ومحاسبة المسؤولين عنه. وفي عودة المنظومة نفسها إلى الحكم وتقاسم الحصص الحكومية، يتأكّد للجميع أنّ كل الكلام عن محاربة الفساد يصبح نكتة سمِجة، لأنّ من أصرّ على العودة إلى السلطة وإلى الحكومة إنّما يهدف في الدرجة الأولى إلى حماية مصالحه والفاسدين بين صفوفه مهما كان الثمن، وتجربة مراسيم إقالة المسؤولين عن مرفأ بيروت خير دليل على ما تقدّم.

في الخلاصة، وفي ظلّ المعادلات الواضحة التي تتحكّم بتشكيل الحكومة الجديدة بعد خضوع الحريري لمطالب “حزب الله” وحلفائه، الذين سيسمّون وزراءهم، وسيسمحون للحريري بتسمية الوزراء السُنّة حصراً، يتأكّد للجميع أنّ الرهان على الحكومة المقبلة أشبه بسراب، وأنّ كلّ ما يجري لا يعدو كونه مسرحية فاشلة، في إطار سعي الطبقة الحاكمة لإعادة استنساخ نفسها بصورة بشعة ووقحة في الحكومة، لإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 17 تشرين الأول 2019…