IMLebanon

جديد في التأليف قد ينقذ العهد

كتب وليد شقير في صحيفة “نداء الوطن”:

 

ليس معروفاً عن معظم أقطاب السياسة اللبنانية تعفّفهم عن خوض غمار المحاصصة في تركيب الحكومات والحصول على مواقع تمكنهم من إثبات وجودهم في السلطة، سواء أمام جمهورهم أو في العلاقات بين مختلف القوى السياسية.

ولذلك، باتت المطالب التوزيرية مرتبطة بغريزة المحاصصة لدى هؤلاء، إلى درجة أن طوق السرية المضروب على المداولات الجارية بين رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، بإصرار من الثاني، لا يقنع بعض الأوساط السياسية والإعلامية، فأطلقت العنان للتكهنات عن مطالب هذا الفريق أو ذاك، كأنها أمر واقع سيتم تثبيته في التشكيلة الحكومية الآتية.

قد تكون السرية التي تحيط بالمداولات حول سبل ترجمة المعايير المعلنة للحكومة العتيدة عنصراً مفاجئاً لبعض الأقطاب اللبنانيين ولنواب وسياسيين ملحقين بهم، ليسوا معتادين على حصر البحث بين رئيسي الجمهورية والحكومة في رسم ملامح تركيبة الصيغة النهائية، بالإضافة إلى فتحهما قنوات التشاور البعيد من الأضواء مع فرقاء آخرين، إذا لزم الأمر.

والأرجح أن ما سبق من تواصل بين الحريري والثنائي الشيعي سهل الطريق لحصر الأمور بينه وبين رئيس الجمهورية وفق ما ينص عليه الدستور. وهذا قد يفتح مجالاً للعودة إلى أصول في التأليف تختلف عن سوق عكاظ في تشكيل الحكومات السابقة، حيث كان توزيع الحقائب وطرح الأسماء يملأ وسائل الإعلام الذي كان يشهد المبارزات بين المتناحرين على المواقع والحقائب فكانت النتيجة تأتي محبِطة. والدليل ما آلت إليه أوضاع البلد خصوصاً في عهد “الإصلاح والتغيير” والعهد “القوي” الذي تراجعت شعبيته وتياره إلى أقصى الحدود. ولولا الركاكة والضحالة والاستعلاء الممزوج بتجاهل آثار ربط البلد بالمحور الإيراني، في التعاطي مع بوادر الأزمة الاقتصادية والمالية منذ 2016 ثم بعدها في 2018 (مؤتمر سيدر)، لما سقط البلد في الحفرة، ولما قامت ثورة اللبنانيين في 17 تشرين على الطبقة السياسية التي باتت ملعونة في نظر شرائح لا يستهان بها.

حين يردد أقطاب السياسة اللبنانية أنها الفرصة الأخيرة أمام لبنان كي يسلك مسار تخفيف أضرار مأزقه المالي تمهيداً لوضع برنامج تعافٍ بالتعاون مع المجتمع الدولي، فإن غلبة الجانب الاقتصادي والمالي تحت عنوان الإصلاحات، على الجانب السياسي في مهمة الحكومة، حجة كافية من أجل إفساح المجال أمام حكومة الاختصاصيين المستقلين. ومقابل الذريعة القائلةإن لا قيام لحكومة من دون سياسة في لبنان، في ظل تطورات المنطقة الدراماتيكية المتعلقة بالتطبيع والمفاوضات على ترسيم الحدود ومصير الصراع الأميركي الإيراني، فإن الصحيح أيضاً هو أن كافة هذه العناوين السياسية بما فيها الانتظار الإيراني لنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، تحتاج إلى أشهر قبل اتضاح وجهتها. وبإمكان لبنان أن يأخذ لنفسه وقتاً مستقطعاً من السياسة لمحاولة وقف انهياره الكامل.

هل اقتنع “حزب الله” أن إلباس الحريري حكومة شبيهة بحكومة حسان دياب سيعمق الحفرة التي سقط فيها لبنان، بعدما خاض التجربة خلافاً لنصيحة حليفه نبيه بري، وأضاع على البلد سنة كاملة؟ أم أن عون وبعض محيطه اقتنعا أن فرصة إنقاذ السنتين الباقيتين من العهد مستحيلة، من دون حكومة بالمعايير التي يطرحها الحريري لعلها تجلب دعماً دولياً يجنبه السقوط؟ الفرصة مقترنة بإنقاذ البلد، فإذا سقط هوى العهد معه.

الجواب على السؤالين تحمله تركيبة الحكومة. فإذا جاء إيجابياً تتوسع قاعدتها السياسية. وإذا جاء سلبياً يضمر مؤيدوها.