IMLebanon

أي مسار للمعارضة بعد فشل “الواقعية السياسية”؟

كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:

أثبتت الطبقة الحاكمة في لبنان منذ سنوات، في أكثر من محطّة، أنّها متجذّرة في السلطة، بنحوٍ يصعب إسقاطها عبر انتفاضة عابرة أو معارضة كلامية في بيانات وتصريحات، فتخجل وترحل أو تمارس اللعبة الديموقراطية، بإعادة القرار الى الشعب لينتخب ممثليه مجدداً.

هذه السلطة التي أفلست لبنان وأدّت الى انهيار قطاعاته الإقتصادية، الاستشفائية والتعليمية والسياحية والتجارية، وراكمت ديوناً على الدولة وبالتالي على اللبنانيين بما يقارب الـ100 مليار دولار، وطوّعت الدستور والقوانين وفق مصالحها، وفجّرت بـ»إهمالها» أقلّه مرفأ بيروت وقتلت العشرات ودمّرت أحياء بكاملها من العاصمة، لا ترى أنّها «مسؤولة» عن أيّ من ذلك، ولا عن تدهور سعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي، وبالتالي عن تراجع قيمة القدرة الشرائية لدى اللبنانيين وقدرتهم المعيشية. كذلك لا ترى أنّها مسؤولة عن ضياع أموال اللبنانيين وودائعهم. فأيٌ من هذه الجرائم، لم يُحرّك ضمير أحد من المسؤولين ويدفعه الى الاستقالة من منصبه، ولم يُحاسَب أو يُحاكَم أحد على أيّ من هذه الإرتكابات، وعن عشرات السنوات من الهدر والفساد والتوظيف العشوائي وتسخير مقدّرات الدولة للتنفيعات والزبائنية، الى حدّ لم يتبقَّ أي من مداميك الدولة.

كلّ ذلك، تردّه قوى السلطة الى «الطائفية البغيضة» التي منعت ملاحقة أحد أو محاسبته، أو تحمِّل مسؤولية ذلك بعضها لبعض، حيث يتهمّ كلّ فريق الأفرقاء الآخرين بالفساد والعرقلة والتعطيل. في المحصلة، اللبنانيون عاطلون من العمل، يجوعون، يموتون، يهاجرون، والسلطة ما زالت نفسها وما زالت متمسّكة بكراسيها. لا النقمة الخارجية على السلطة، ولا «بهدلة» المسؤولين الدوليين لـ»المسؤولين» اللبنانيين، ولا المعارضة الداخلية الشعبية والسياسية، نجحت في إسقاط السلطة المتعاقبة على الحكم منذ سنوات.

وها هي قوى السلطة تعود الى التسويات والمحاصصات والتقاسم في تأليف الحكومة، بعد عام على «ثورة 17 تشرين»، وبعد كلّ الأحداث «التراجيدية» التي حصلت في لبنان خلال هذا العام، وبعد تدخّل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصياً، مقترحاً مبادرة إنقاذية، أجهضتها هذه القوى، فتحوّلت حكومة الإختصاصيين لمهمة إجراء الإصلاحات وإنقاذ لبنان «حكومةً سياسية» بإمتياز، وإن غُلّفت بوجوه اختصاصيين.

إذاً، قوى السلطة، لم تبدّل لعبتها السياسية المعتادة. هذا، لأنّها تخوض معركة وجودية، حسب مصادر سياسية من خارج الطبقة الحاكمة، فهي «إذا رحلت الآن قد ترحل الى الأبد». أمّا، حسب قوى السلطة، فهي «تتحمّل مسؤوليتها في الإنقاذ الذي يجب أن يشارك الجميع فيه». كذلك تعتبر هذه القوى، أنّ «الدول الكبرى صاحبة مصالح في النهاية، وستتعامل معنا»، متسلّحةً بـ»الأكثرية النيابية»، معتبرةً أنّها تحكم ديموقراطياً، بعد انتخابات نيابية لم يمرّ عليها سوى عامين. وإذ يقول المسؤولون في هذه القوى إنّهم مع مطالب الناس، يقلّلون من فاعلية «الثورة» كتنظيم، ويعتبرون أنّها «من كلّ وادٍ عصا، ولو أنّها حقيقية لما بقي أحد من المسؤولين مكانه».

عدم انبثاق تنظيم من الثورة، وعدم تحوُّل غضب الناس في 17 تشرين الأوّل 2019 انتفاضةً جارفة دائمة، ساهما في عدم سقوط هذه السلطة، فضلاً عن عدم توحيد المطالب ورفض مجموعات الثورة المتنوعة والمختلفة التعاون مع أيّ من الأحزاب السياسية التقليدية، حتى تلك المعارضة. وتقول مصادر سياسية سبق أن أجرت حوارات مع مجموعات من الثورة، إنّ من أبرز مكامن الخلل لدى هذه المجموعات: «غياب الثقافة والخبرة السياسيتين، وضع الجميع في سلة واحدة بدلاً من التعاون مع المعارضة السياسية، تحييد سلاح «حزب الله» وتركيز التحركات على شتم سياسي أو طرد آخر من مقهى، بدلاً من وضع خطة واضحة وهادفة لإسقاط السلطة أو إضعافها أقلّه».

أمّا لجهة المعارضة السياسية، فتيار «المستقبل» عاد الى السلطة مع تكليف الحريري، بدوره سيشارك «الحزب التقدمي الاشتراكي» في هذه الحكومة الى جانب حركة «أمل» و»حزب الله» و»التيار الوطني الحر».. فبقي حزبا «القوات اللبنانية» و»الكتائب اللبنانية» وحدهما في المعارضة، إنّما من دون تنسيق أو تعاون للمواجهة. إذ إنّ «الكتائب» يعتبر «القوات» جزءاً من السلطة لأنّها ما زالت ممثلة في مجلس النواب. هذا، على رغم اعتبار هؤلاء الأفرقاء جميعاً، الذين كانوا يؤلفون فريق 14 آذار، أنّ «حزب الله» وسلاحه ودوره في الداخل والإقليم، سبب مشكلة لبنان وضرب علاقاته الخارجية السياسية والاقتصادية.

وتعتبر مصادر سياسية معارضة، أنّ «الواقعية السياسية التي انتهجتها قوى 14 آذار منذ عام 2005، والتي كان شعارها «إذا لم نكن قادرين على نزع سلاح «حزب الله» نجري تسوية سياسية معه، للحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي»، أثبتت فشلها، من «الاتفاق الرباعي»، الى «اتفاق الدوحة»، وصولاً الى التسوية الرئاسية عام 2016». وتسأل: «لماذا الاستمرار في اعتماد هذه السياسة بعد كلّ ما وصلنا إليه بعد 15 عاماً عليها؟ وأين الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني؟ وأيّ ثمن كنّا لندفع في حال واجهنا «حزب الله» أكثر ممّا دفعنا ومن ضياع البلد؟».

وترى هذه المصادر، أنّ «الواقعية السياسية تقتضي الآن الإعتراف بأن لا جدوى من التسويات مع «الحزب» بعد 15 عاماً من المحاولة». وتؤكّد أنّ «أي إعادة انتاج للسلطة، إن كانت نيابية أو حكومية أو رئاسية، في ظلّ وجود سلاح «حزب الله»، ستأتي بسلطة لـ»حزب الله»، مشيرةً الى أنّه «أُجري أكثر من انتخابات نيابية منذ عام 2005 وغُيّرت قوانين الانتخاب، إلّا أنّ سلطة «الحزب» تعزّزت». وبالتالي، تعتبر أنّ «أي معارك انتخابية أو سياسية لن تؤدّي الى أي تغيير في ظّل وجود سلاح «حزب الله». إذ إنّ المعارضة تكون في نظام ديموقراطي، فيما أن لا نظام ديموقراطياً الآن في لبنان في ظلّ هيمنة السلاح، والذي استُخدم أكثر من مرّة في الداخل وليس فقط في 7 أيار 2008»، مشيرةً الى أنّ «بوسطة الثورة، التي كان هدفها المرور بكلّ المناطق، وانطلقت من عكار متوجّهة الى النبطية، مُنعت من الدخول الى صيدا على أيدي عناصر من «حزب الله» ومؤيّديه، فضلاً عن الاعتداء على الثوار وتكسير خيمهم في ساحة الشهداء وساحة رياض الصلح».

وبالتالي، تعتبر المصادر المعارضة، أنّه «يجب تحرير البلد من هيمنة السلاح»، مؤكّدةً أنّ «المعارضة إذا لم تتحوّل مقاومة، فلا أمل في مواجهة السلطة وإنقاذ البلد»، مذكّرةً بأنّ شروط المجتمع الدولي، من الدول الخليجية الى الولايات المتحدة الأميركية، هي «النأي بالنفس» واعتماد الحياد عن نزاعات المنطقة لمدّ يد المساعدة والإنقاذ للبنان. وتسأل: «ماذا يفعل الثوار والمعارضون لتحقيق النأي بالنفس أقلّه؟»، معتبرةً بالتالي، أنّ «أي معارضة لا تتوجّه الى لبّ المشكلة، وتضغط في اتجاه هذا الحلّ، لا أمل منها ولا فاعلية».