IMLebanon

تركيا “تتغلغل” لبنانيًا.. استعطاف رأي عام أم تسليح؟

كتب الكثير وقيل اكثر عن توسع النفوذ التركي في لبنان من ضمن دائرة طموحات الرئيس رجب طيب أردوغان لاستعادة الزمن الغابر وإعادة إحياء أمجاد الامبراطورية العثمانية. التوسع هذا قد لا يكون بالضرورة باستخدام عصا العسكر بل بتقديم وجه آخر لاستعطاف اللبنانيين وتحديدا المسلمين السنّة لاسيما في طرابلس وبلدات القضاء، حيث البيئة خصبة تغذيها مجموعة عوامل تبدأ بالفقر والعوز الشديد ولا تنتهي بدغدغة الوتر الطائفي والمذهبي والدعم التربوي التركي حيث تستقطب اسطنبول عددا لا بأس به من الطلاب من ابناء الشمال وعكار الذين يتلقون العلم في جامعاتها ويعودون الى لبنان.

فهل تسعى تركيا الى توفير موطئ قدم استراتيجيًا من بوابة عكار والشمال ليكون جغرافيا سياسية تركية داخل الاراضي اللبنانية ام ان هذا الدور يقتصر على تقديم المساعدة للبنان عموما وابناء الطائفة السنية خصوصا، وقد تبدّى ذلك بوضوح بعد انفجار المرفأ بالحضور التركي القوي على ساحة المساعدات الدولية للبنان بتقديم مستشفيات ميدانية، وعلاج المصابين في تركيا، والمساهمة في رفع الأنقاض، وابداء الاستعداد للمشاركة في لجنة التحقيق الدولية حول أسباب الانفجار الغامضة حتى اللحظة، ، وكيف تنظر الاجهزة الامنية اللبنانية الى الحضور التركي في لبنان؟

تؤكد مصادر معنية تتابع ملف الوجود التركي في الميدان اللبناني لـ”المركزية” ان الاجهزة الامنية على تنوعها تضع هذا الملف تحت المجهر وتتقصى الحقائق، غير ان اي دليل قاطع لم يتوافر حتى اللحظة حول دور امني تركي في لبنان عموما ومناطق الشمال خصوصا. وكل ما يتردد عن عمليات تسلّح ونقل سلاح عبر مرفأ طرابلس لا أساس له من الصحة ولا يعدو كونه توظيفا واستغلالا لغايات ومآرب سياسية.

وتفنّد اسباب بروز نجم اردوغان على الساحة اللبنانية بالقول “إن الساحة السنيّة في لبنان كانت حتى سنوات خلت تحت العين الخليجية وتحديدا السعودية، اهتماما ورعاية وعونة ومساعدات، ما اسهم في توفير ولاء سني تام للخليج، وتوازيا كان حضور قوي للزعماء السنّة في لبنان عموما وفي الشمال في شكل خاص. الصوت السعودي لم يعد يُسمع لجملة عوامل تتصل بتوتر العلاقات مع العهد بسبب “حزب الله” وانشغال المملكة بالحرب اليمنية والملفات الداخلية، فيما تراجع في شكل فاقع الدور القيادي السني في السنوات الاخيرة مخليا الساحة من اي ادارة وعناية على المستوى الذي تتطلبه هذه المرحلة، في ظل تنامي الدور الشيعي وتعاظم قدرات “حزب الله” الى درجة احكام سيطرته على الدولة ومؤسساتها مقابل تنازلات متتالية من جانب المسؤولين السنّة تحت شعار حماية الوطن والتضحية من أجله.

وجاء الحكم الصادر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاه من مواقف من نجله الرئيس سعد الحريري ومن ثم عودته الى النادي الحكومي بعد “تجرعه كأس السم الشيعي” بالتنازل عن حقيبة المال لمصلحة الثنائي الشيعي، ليسدد الضربة القاضية للبيئة السنية التي لم تعد تقبل التنازلات. هذا الواقع خلق بيئة مناسبة للتعاطف السني مع خطاب اردوغان المتشدد في لحظة بالغة الحراجة والحساسية على المستوى الدولي مع الحوادث العنصرية الطائفية في فرنسا وافتتاحه المعركة مع خصومه وتحديدا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من البوابة اللبنانية، معتبرا في كلمة القاها في العاصمة أنقرة ان “ما يريده ماكرون وفريقه هو عودة النظام الاستعماري في لبنان، أما نحن فلا يهمنا التهافت لتُلتقط لنا الصور، أو نستعرض أمام الكاميرات. خطاب اردوغان دغدغ مشاعر السنّة الناقمين على قياداتهم فتلقفه حزب التحرير- ولاية لبنان، ليحشد انصاره وينظم تظاهرته الشهيرة امام السفارة الفرنسية في بيروت، ويوظف الظرف لتوسيع شبكته العنكبوتية شمالا.

ولكن، تشدد المصادر على ان ما حصل هو مجرد تقاطع مصالح لا يرقى الى تخطيط امني ولا الى مشاريع عسكرية تركية توسعية في لبنان، هو حتى الساعة، توجيه رأي عام، يبقى تحت الرصد والمتابعة اللبنانية لقطع الطريق على اي اجندات لمحاولة اختراق المجتمع اللبناني بمغازلة هذا الزعيم الطموح او ذاك المتطلع الى موطئ قدم في بيروت، سُنة لبنان خدمة لاحلام شخصية.