IMLebanon

تشكيل من خارج الدستور… على الطريقة اللبنانية

إبان كل استحقاق من استحقاقات تشكيل الحكومات في لبنان، تطفو على واجهة المشهد، جبال من العقد والعراقيل تمنع الولادة الطبيعية، فيدخل التشكيل في غيبوبة ويدور على مدى اشهر في دوامة الشروط والشروط المضادة، بانتظار “منقذ” يخرجه من عنق الزجاجة. هذه المرة ايضاً وعلى رغم سبحة المصائب والنكبات التي اصابت البلاد والشعب والمساعي الدولية لانقاذ لبنان بدءا من نقطة تشكيل حكومة مهمة، لم تختلف العادة وبقي منطق المحاصصة متسيّدا جبهة التشكيل.

أوساط سياسية مراقبة للمشهد الحكومي، توقفت عند الاساليب والطرق التي بات المسؤولون يتبعونها وتندرج كلها في خانة اللامنطق  ومن خارج الدستور والقانون ووثيقة الوفاق الوطني، حيث يستخدم البعض صيغا لحلول على الطريقة اللبنانية مثل “الضرورات تبيح المحظورات”، وتحت هذه القاعدة المستحدثة، ترتكب المخالفات ويتم تجاوز القانون بحجة لمرة واحدة فقط، ثم تصبح عرفاً كوزارة المالية للشيعة مثلاً والطاقة للتيار الوطني الحر وغيرها.، حتى بات الدستور  وجهة نظر وتخطي القوانين “امر دارج” لتمرير محاصصات او مخالفات تحت ستار الحق.

واستغربت اوساط سياسية معارضة المواقف التي أتى بها الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل، حيث كّرست المبادرة مفهوماً جديداً في التشكيل خارج النطاق الدستوري بإشراك الكتل في عملية التشكيل بعدما حصر ماكرون اجتماعاته في السفارة للتشاور معها دون سواها. ومن هذا المنطلق، تعتبر الكتل مشاركتها في التشكيل حقا لها، فعمد البعض منها الى المطالبة بأن يكون التمثيل وفق الاحجام والاوزان، مع اختيار الحقائب التي يريد.

الخبير القانوني النائب السابق صلاح حنين أوضح لـ”المركزية” “ان الرئيس المكلف يقوم بالاستشارات النيابية ليعاين النبض السياسي للكتل والاحزاب الممثلة في المجلس النيابي ليستخلص منها كيفية تركيب الحكومة، ومن ثم يقوم بالتنسيق والتواصل مع رئيس الجمهورية الذي عليه ان يكون راضياً ومتوافقاً ومتجاوباً معه، بما انه هو من سيوقع مرسوم التشكيل في نهاية المطاف. ان الشخصين المسؤولين عن تشكيل الحكومة هما رئيس الجمهورية والرئيس المكلف”.

وعن تدخل الكتل في التشكيل واختيار الحقائب والوزراء، قال: “المبدأ الاساس والديمقراطي لتشكيل اي حكومة هو ان تتضمن اكثرية حاكمة واقلية معارضة، فعندما يتوافق الرئيس المكلف مع الاكثرية حول رؤية معينة، عندها يصبح التشكيل اسهل لأنها حكماً ستنال ثقة المجلس النيابي، لكن المشكلة في لبنان اننا نريد تشكيل حكومة تضم الجميع وتوافق عليها كل الاطراف، عندها يصبح لدى كل فريق شروطه وما هي الحقيبة التي يريدها ولأي طائفة، حتى الكتل التي لا تضم اكثر من نائبين تتدخل، فتدور الطابة وتعود الى نقطة الصفر، ويدخلون انفسهم في متاهات وبازارات وتصبح شبيهة بسوق عكاظ، بدل ان تكون لدينا حكومة لديها مشروع والتزام وترابط بين اعضائها، ولهذا تستغرق وقتاً كي تصل الى خواتيمها. فإذا لم نعد الى حكم الاكثرية والمعارضة فلن نتمكن من تركيب الحكومة. فعندما يريد الجميع المشاركة والدخول في بازار كل شاردة وواردة وكل صغيرة وكبيرة، ستنعكس حتماً خلافا عند طرح اي مشروع على طاولة البحث”.

وشدد حنين على “أهمية وجود اكثرية حاكمة واقلية معارضة كي يتمكن المجلس النيابي من المحاسبة ولكن عندما نضع كل المجلس في الحكومة فستكون الحكومة متضاربة بين بعضها بدل ان تكون متجانسة ونلغي دور المجلس في المراقبة والمحاسبة”.

والحل برأي حنين للخروج من هذه الدوامة، يكمن في “تغيير جذري لكل الطاقم السياسي الذي يحكم على اساس هذه النظريات البالية والمستهترة بالمواطنين وبالحكم وبالمال العام وتقتل النظام الدستوري. اذا عدنا الى صلب دستورنا، نجده مدنيا ينص على اعتماد الكفاءة والتوازن بين المسلمين والمسيحيين ولا ينص على الطائفية والمحاصصة والفيتوات، لكنهم ادخلوه في العقد الطائفية وسوء الادارة. والمطلوب العودة الى تركيبة دستورية سليمة وحكم رصين يهتم بشؤون وشجون الناس والمصلحة الوطنية والمال العام او سنبقى مكاننا”.

وختم: “انا مؤمن ان شيئا ما سيستجد وستنهار هذه التركيبة وعندها نذهب فعلا الى حكم جديد وصالح وسليم وصادق. لبنان بلد غني والحلول موجودة ويمكن ان نستعيد عافيتنا في غضون سنة شرط تطبيق السياسات الصحيحة والجدية والرصينة ومن اجل ذلك علينا ان نتخلص من المرض الذي نعاني منه ومن التركيبات الخاطئة والسياسات العاطلة الناتجة عن الطبقة السياسية الحاكمة”.