IMLebanon

لبنان يراوح فوق فوهة المنطقة

بات الواقعُ السياسي في لبنان أسيرَ معادلةٍ قاتمةٍ مزدوجةٍ قوامُها «لا قدرة على التقدّم ولا على التراجع» لبعض الأطراف الوازنة في الداخل، وعدم ممانعةِ لاعبين رئيسيين الذهابَ بالبلاد إلى آخِر «طريق جهنّم» في سياق استخدامه كجبهةٍ باردة أو ساخنة من ضمن مسار الإعداد للمرحلة الجديدة في المنطقة التي تبدأ مع تسلُّم جو بايدن الرئاسة في الولايات المتحدة (20 يناير) وما قد يسبقها من تطوّرات في «مَلاعب النار» المعتادة أو خلف «الخطوط الحمر».

ولم تُعد كل أساليب التأنيب ولا التحفيز الدولي تُجْدي أمام «الاستسلام» الداخلي للأزمة الأعتى التي تعصف بلبنان الذي يبدو وكأنه يحمل بين يديه قنبلةَ سُحبت حلقة الأمان منها، مكوّناتها الانهيارُ المالي – الاقتصادي وفوضى دستورية مع استمرار تعثُّر تأليف الحكومة الجديدة، وواقعٌ سياسي يَمْضي في «تنويم» الأبعاد العميقة للسقوط المريع لـ «بلاد الأرز» والتي تتمثّل في انزلاقها إلى المحور الإيراني وتحوُّلها مرتكزاً رئيسياً لقوس نفوذ طهران، في موازاة عملية «إيقاظٍ» متعمّدة، أو هي في إطار التعمية عن أصْل المشكلات في بيروت، لملفاتٍ في غير مكانها وزمانها تنذر باستقطاباتٍ طائفية حادة.

ويشكّل قانون الانتخابات النيابية ‏الذي تبحثه اللجان النيابية المشتركة اليوم أحد أبرز هذه الملفات التي أُقْحِمت في الأجندة الداخلية وسط خشية بعض الأوساط من أن يكون إصرارُ رئيس البرلمان نبيه بري على طرْح هذه المسألة في المرحلة الراهنة على طريقة «الجهاد الأكبر» الذي كان أعلنه في الطريق إلى انتزاع النسبية على تخوم إقرار القانون الذي جرت على أساسه انتخابات 2018، وهذه المرة في سياق التمهيد لـ «معركةٍ حقيقية» ستخاض حتى النهاية للوصول إلى قانونٍ (بري يريده وفق اقتراح لبنان دائرة واحدة مع النسبية) يتوّج مع «متمماته» عمليةَ القضم الممنهجة التي تعرّض لها النظام وتوازناته في الأعوام الـ 15 الأخيرة.

وفي حين تتجه الأنظار إلى المناخ الذي سيسود جلسة اللجان اليوم في ظل تقاطُع «موْضعي» بين «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) و«القوات اللبنانية» على الارتيابِ من خلفيات إثارة مسألة قانون الانتخاب راهناً ورفْضهما طروحاتٍ ترهن التمثيلَ للعبة العدد، على وقع تكرار رئيس «القوات» سمير جعجع أمس «أن ما يحصل في موضوع قانون الانتخاب مؤامرة كبرى وبأي منطق يطرح هذا الأمر اليوم في عزّ الأزمة التي نعيشها والانقسام السياسي الحاد؟»، رأتْ أوساطٌ سياسية أن الرسالة التي وجّهها عون إلى مجلس النواب حول التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، في ضوء انسحاب شركة «الفاريس اند مارسال»، عكستْ تجاذباتٍ إضافيةً على خطّ الرئاستين الأولى والثانية، رغم الاقتناع السائد في بيروت بأن مسؤولية «وأد» مهمة التدقيق الجنائي في مهدها تتحمّلها أطراف عدة، كلّ لاعتباراتها التي قفزت فوق محورية هذه المسألة بوصْفها حجرَ زاوية في المبادرة الفرنسية للدفْع نحو حكومة إصلاحية من اختصاصيين غير حزبيين ولا ولاءات سياسية لهم تفتح الطريق أمام تلقي لبنان الدعم المالي على منصة اتفاقٍ مع صندوق النقد الدولي.

وسارع بري وفق ما ينص عليه الدستور إلى تحديد موعد لجلسة عامة بعد غد لمناقشة مضمون رسالة عون واتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب، علماً أن رئيس الجمهورية دعا فيها النواب إلى «التعاون مع السلطة الإجرائية من أجل تمكين الدولة من إجراء التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وانسحاب هذا التدقيق بمعاييره الدولية كافة، إلى سائر مرافق الدولة (…) كي لا يصبح لبنان، لا سمح الله، في عداد الدول المارقة أو الفاشلة في نظر المجتمع الدولي»، لافتا إلى «ضرورة التعاون مع السلطة الإجرائية التي لا يحول تصريف الأعمال دون اتخاذها القرارات الملائمة عند الضرورة العاجلة». كما عرض أبرز العراقيل التي حالت دون مباشرة «الفاريز اند مارسال» مهمتها، لا سيما موضوع السرية المصرفية والتمنع من تسليم المستندات والمعلومات المطلوبة بالرغم من الحماية القانونية التي توافرت لهذا التسليم.

وفي حين كان ملف تأليف الحكومة عالقاً «بين ناريْ» التحمية الإقليمية والمطبات الداخلية ذات الصلة بالأحجام وبحساباتِ الأوزان وثقلها في استحقاقات مقبلة، وهو ما جعل الرئيس المكلف سعد الحريري يُدْرك أثمان أي تراجعاتٍ نحو حكومةٍ غير قابلة للحياة دولياً وأكلافِ أي تقدُّم نحو تشكيلةِ مواجهةٍ على طريقة الأمر الواقع محكومة بالرفض داخلياً، تزدادُ في لبنان القلاقل الأمنية التي سرعان ما تتحوّل كرة ثلج من حساسياتٍ متعدّدة البُعد، وهو ما عبّرت عنه الجريمة التي وقعت أول من أمس في منطقة بشري (الشمال) حيث قضى المواطن جوزف طوق برصاص عامل سوري (ناطور بناية) سلّم نفسه إلى القوى الأمنية.

ودعا مجلس البلدية «جميع السوريين الموجودين في المدينة بشكل غير شرعي إلى مغادرتها فوراً»، فيما طالب رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بإجراء التحقيقات بأسرع وقت ممكن، مؤكداً انه «بحسب ما تبين أن اللاجئين السوريين يمتلكون الأسلحة ومن الضروري إقامة الأجهزة الأمنية بمسح شامل في المنطقة».