IMLebanon

المشاكل العائلية والصحة النفسية عند المراهق

كتب أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:

يمكن أن يؤثر سلوك الوالدين الخاطىء على شخصية طفلهما المراهق وعلى نظرته للحياة، علماً أنّ الإضطرابات في العائلة تؤدي، ليس فقط على التطوير النفسي عند المراهق ولكن أيضاً على المستوى الجسدي، إذ قد تظهر لديه اضطرابات جسدية إلى جانب النفسية منها.

يمكن أن تؤدّي نزاعات الوالدين إلى تباطؤ عملية شفاء المراهق من الأمراض، ويصبح هذا الأخير بحاجة إلى وقت أطول لاستعادة عافيته وسلامته لأنّ جهازه الدفاعي يتأثر أيضاً بالمشاحنات العائلية. بالمقابل، يتّسِم المراهقون الذين يَنتمون إلى أسَر مستقرة على الصعيد النفسي وعلى الصعيد العلائقي، بقابلية أكثر للتمتع باستقرار صحي ونفسي. فكيف يمكن لكنف العائلة أن يؤثر على حياة المراهق وصحته النفسية؟ وما هو دور الأب والأم في هذا المضمار؟

العائلة هي مصدر الأبناء الأساسي للحب والدعم والتشجيع، فلا أروع من التمتع بالدفء الأسَري الذي يخلق استقراراً نفسياً عند الطفل، وبالتالي يخلق شخصية متوازنة ومتّزنة نفسياً عند المراهق. وذلك لا يعني بأنّ أفراد العائلة الواحدة يجب ألّا يتخاصموا فيما بينهم.

دور العائلة لصحة نفسية أفضل

العائلة هي أكثر من مشاركة بيت وكروموزومات، هي التوافق والاهتمام بين مختلف أفراد الأسرة. وفي العائلة نفسها، هناك التلاقي والاختلاف.

فالاختلاف سِمة في البشر، وكثيراً ما تحدث الخلافات بين أفراد الأسرة الواحدة، سواء بين الأبوين أو بين الأبناء. ولكن لا يكون هذا الإختلاف جوهرياً ولا يؤدي إلى مشاكل لا متناهية، فكلّ فرد من أفراد العائلة الواحدة له تكوين شخصي خاص به، وبذلك يختلف الفكر ووجهات النظر من شخص إلى آخر.

ولكن في بعض الأحيان، تظهر مشاكل أساسية في العائلة وأكثرها تحدث بين الزوجين، حيث يشعر الأبناء بتوتر العلاقة بين أهلهم، ما يعطيهم الشعور بعدم الأمان. وهذه المشاكل تؤثر ايضاً على سلوكياتهم، فيصبحون منغلقين على أنفسهم أو تظهر لديهم مشاكل في العلاقات مع غيرهم (العدوانية مثلاً).

وأصبح من المعلوم بأنّ الأسَر التي تتميّز بالتواصل والمشاركة بين أفرادها تحقق أعلى الدرجات من التوافق والانسجام، وتبتعد عن المشاكل العائلية. وانّ أبناءها يبحثون عن الصفات الايجابية نفسها في شريك حياتهم المستقبلي، ما يثبت أنّ الدفء الأسَري واحتواء الأبناء والاستماع الى مشكلاتهم ينتج عنه أسَر جيدة ومستقرة في المنظور القريب.

النزاعات العائلية ونتائجها؟

من النتائج السلبية للنزاعات العائلية ظهور نوع من عدم الثقة في النفس من خلال الخوف الدائم من المستقبل. فيصبح المراهق خائفاً ممّا سيحدث في الغد، لأنه يُسقِط مشاعره وأحاسيسه على المشاكل التي يراها أمامه في البيت. ويصبح عالمه، الذي يجب أن يكون عالماً مليئاً بالمحبة والإنسجام العائلي، عالماً بغيضاً فيه الكثير من المشاكل والمشاحنات. هنا تنخفض ثقته بنفسه ويصبح خائفاً من المستقبل، إذ ليس لديه صورة إيجابية في منزله. كما تؤدي المشاكل بين الوالدين إلى تحطيم معنويات المراهقين، وترتسِم في نفوسهم حالات الخوف والهلع والقلق والاضطراب في العواطف. وتظهر بعض مشاعر الاثم جرّاء نزاع الزوجين، فيشعر المراهق بأنه سَبب خلافات والديه.

ومن خلال الاختلال العائلي يظهر نوع من الاختلال في الانضباط عند المراهق، أي يختلّ أيضاً انضباطه النفسي، ما يؤدي إلى مشاكل في المدرسة ومع الاصحاب ومع إخوته. لذلك، إنّ الكثير من المراهقين الذين ينتمون إلى عائلات غير مستقرة، تتّضِح عندهم الكثير من المشاكل في الانضباط. ويمكن لعدم الاهتمام بهذا الانضباط والتعثّر فيه أن يصل إلى السلوك الإجتماعي المُنحرف، بسبب نزاع الوالدين وسلوكهما غير المتّزن وعلاقتهما غير المنسجمة… كلّ ذلك هو تمهيد لسلوك اجتماعي منحرف عند المراهق.

وتدفع المشاكل العائلية المراهق إلى تكوين شعور بعدم الأمان، وتكوين نظرة تشاؤمية للحياة، ومن الممكن أن تظهر عنده عوارض الإكتئاب. ولا يمكننا عدم ذِكر ردات فعل الجسم، ومنها:

– هزلان الجسم

– إصفرار الوجه

– مشاكل في الطعام

– مشاكل صحية…

أمّا من الناحية الدراسية، فينخفض الاستيعاب والتركيز وجودة النوم، وتكثر العدائية والبكاء وإلى ما هنالك من أعراض تجعل المراهق فريسة سهلة لظهور عوارض نفسية خطيرة.

ما العمل؟

تقع المسؤولية على عاتق الآباء والأمهات لأنهم المسؤولون عن تربية أولادهم وعن تكوين شخصياتهم. فدور الأب هو غرس القيَم السَويّة والمبادئ الاجتماعية في شخصية المراهق، كي يخرج للمجتمع فرداً قادراً على أن يكون قدوة للآخرين كما كان والده له.

أمّا الأم فهي مسؤولة عن الحفاظ على هدوء البيت وتربية الأولاد مع الأب بطريقة إيجابية تجعل من الطفل شخصاً يستطيع أن يتصدى للمشكلات والإستمرار في الحياة مهما صعبت. كما على الوالدين تأمين مناخ ودّي واستقرار نفسي لأولادهم من خلال:

1- إظهار الحب للأبناء، فمهمة الوالدين ليست فقط مقتصرة على تأمين المواد الاساسية من مأكل ومشرب…

2- الاستماع جيداً الى مطالب أولادهم النفسية.

3- الهدوء بهدف إيجاد استقرار بين افراد العائلة.

4- الاستماع الى مشكلات الطفل اليومية ومحاولة حلها معه.

5- تمثيل قدوة للأبناء. لا تخذلوهم بل كونوا مثالاً أعلى يحتذون به في كل تصرفاتهم.

6- إعطاء الطفل الاحساس بالأمان.

7- وضع قواعد يلتزم بها الطفل داخل المنزل وخارجه. فبهذه الطريقة يتعلّم المراهق الانضباط.

8- لا تتشاجروا وتظهروا توتركم أمام أطفالكم (قدر المستطاع)، وتذكروا أنكم لستم لوحدكم في المنزل بل هناك أطفال يسمعون ويفهمون ويحلّلون تصرفاتكم.