IMLebanon

رسالة ماكرون إلى عون: باريس لن تبقى مكتوفة اليدين!

كتب محمد شقير في صحيفة “الشرق الأوسط”:

فوجئ الوسط السياسي بما احتوته رسالة التهنئة التي بعث بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى رئيس الجمهورية ميشال عون بمناسبة الذكرى السابعة والسبعين لاستقلال لبنان من مضامين سياسية لم تكن مألوفة في تبادل الرسائل في مثل هذه المناسبات، لأنها خرجت -كما تقول مصادر في المعارضة- عن الأصول البروتوكولية في التخاطب بين الرؤساء، وعكست ارتفاع منسوب الاستياء الفرنسي حيال اصطدام مشاورات تأليف الحكومة الجديدة بحائط مسدود أدى إلى انقطاع التواصل بين عون والرئيس المكلف بتشكيلها الرئيس سعد الحريري الذي يصر على أن يبقى المعيار الوحيد للتأليف تحت سقف المبادرة الفرنسية، وعدم تجاوزه، لئلا يخسر لبنان آخر فرصة لإنقاذه، ووقف تدهوره الاقتصادي والمالي.

فالرئيس ماكرون، بحسب تأكيد المصادر في المعارضة لـ«الشرق الأوسط»، أراد من خلال رسالته تذكير من يعنيهم الأمر، وأولهم الرئيس عون، بضرورة التزام الأطراف المعنية بتأليف الحكومة بالتزاماتهم بخريطة الطريق، وضرورة تنفيذها، بالإسراع في تشكيلها وعدم التردُّد، شرط التقيُّد بالمواصفات المطلوبة لتأمين ولادة طبيعية لحكومة مهمة.

ولفتت المصادر نفسها إلى أن مخاطبة ماكرون في رسالته لعون لم تكن عادية، إذ دعاه إلى تحمُّل واجبه، والاستجابة لمطلب الشعب اللبناني في انتفاضته منذ أكثر من عام. وكشفت عن أن الرئيس الفرنسي، أو من ينتدبه من فريق عمله المولج بمتابعة الملف اللبناني، لم ينقطعا عن التواصل مع القيادات اللبنانية المعنية بتأليف الحكومة.
وعدت أن ما حملته رسالة ماكرون إلى عون من مضامين سياسية تأتي في سياق الضغط للخروج من التأزُّم، وصولاً إلى إزالة العوائق التي ما زالت تؤخر ولادة الحكومة، على قاعدة الالتزام بالمبادرة الفرنسية، وقالت إن رسالته تتلازم مع انكباب الإدارة الفرنسية على تقويم الوضع في لبنان، انطلاقاً من تقديرها أن هناك من قرر الانقلاب على المبادرة الفرنسية، وهذا ما يظهر جلياً من خلال محاصرتها، بدلاً من أن يصار إلى توظيفها لإنقاذ البلد.

ورأت المصادر في المعارضة أن الإدارة الفرنسية تتحرك على خطين: الأول داخلي في لبنان لجلاء الأسباب التي ما زالت تعطّل وضع مبادرة ماكرون على طريق التنفيذ العملي، بعيداً عن الالتزامات الإعلامية التي باتت مكشوفة، ولن تساعد في إحداث نقلة في الأزمة اللبنانية باتجاه الشروع في إنقاذ البلد، فيما الخط الثاني الذي هو على تقاطع مباشر مع الخط الأول يتعلق بمواصلة الاتصالات الفرنسية مع دول إقليمية وأخرى فاعلة في المجتمع الدولي، في ضوء عدم استعداد طهران حتى إشعار آخر إلى التدخُّل لتسهيل ولادة الحكومة، رغم أن حليفها «حزب الله» يدعم المبادرة الفرنسية، لكنه ليس على استعداد للضغط على حليفه عون وتياره السياسي المتمثل بـ«التيار الوطني الحر».

وأكدت أن باريس لن تبقى مكتوفة اليدين إلى ما لا نهاية، وستضطر لإعلان موقفها في الوقت المناسب، وهذا ما يدفع بالحريري إلى التريُّث في تحديد طبيعة خطوته اللاحقة، في حال استمرار تعطيل تأليف الحكومة، إلى حين تبيان ما ستقرره باريس، لأنه يحرص على التقيُّد بمبادرتها، وعدم إعطاء الذرائع لمن يريد إحباط الجهود الفرنسية لإنقاذ لبنان.
وقالت إن قوى المعارضة باتت على قناعة بأن عون يقف وراء افتعال المعارك الجانبية لدفع الحريري إلى الاعتذار لأنه لا يريد التعاون معه، وهذا ما لا يستطيع تحقيقه، لأن الحريري باقٍ على موقفه. ورأت أن تأخير تشكيل الحكومة لا يعود إلى إصرار الحريري على تسمية الوزراء المسيحيين، مؤكدة أن عون يتذرّع بذلك، وهو يمارس الحكم الآن في ظل وجود حكومة مستقيلة، وبالتالي لا مانع لديه من أن تستمر في تصريف الأعمال.

واتهمت هذه المصادر عون بأنه يريد أن يحكم بمفرده البلد، ويصر على التصرف حيال معظم القضايا الشائكة كما كان يتصرف في أثناء توليه رئاسة الحكومة العسكرية، فور انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل. وقالت إنه يستعيد سياسياً حروب التحرير والإلغاء، وإن موافقته على تسهيل مهمة الحريري تقوم أولاً وأخيراً على أن تتشكل الحكومة من 20 وزيراً، يكون له فيها الثلث المعطل الذي يتيح للنائب جبران باسيل التحكُّم بقواعد المعادلة السياسية لمواجهة أي طارئ سياسي ليس في الحسبان الآن.

وتوقفت أمام فحوى الرسالة التي بعث بها المحقق العدلي القاضي فادي صوّان في جريمة انفجار مرفأ بيروت إلى المجلس النيابي، التي كادت أن تُقحم البلد في معارك سياسية مجانية يمكن أن تغطي على الجمود المسيطر على تأليف الحكومة، لو لم يبادر الرئيس نبيه بري إلى تعطيلها وإبطال مفاعيلها، وردّها إلى مرسلها.
وعلمت «الشرق الأوسط» بأن القاضي صوّان لم يتبع الأصول، من وجهة نظر بري، في توجيهه الرسالة إلى المجلس النيابي، وكان يُفترض في الشكل أولاً أن يبعث بها من خلال وزارة العدل، إضافة إلى أنه لم يضمّنها المستندات والوثائق المطلوبة، بما فيها مجريات التحقيقات التي أجراها لتبرير رسالته هذه، مع أنه أشار فيها إلى وجود شبهة إهمال، وطلب من البرلمان القيام بما هو مناسب.

وكشفت المصادر عن أن جواب بري على الرسالة ينطلق من أمرين: الأول أنه من غير الجائز أن يرمي المسؤولية على البرلمان، وثانياً: إذا كانت لديه معطيات أولية توصّل إليها من خلال التحقيقات، فعليه أن يعلنها من دون العودة إلى البرلمان، خصوصاً أنه أوحى بوجود شبهة في حصول إهمال. ناهيك من أن الرسالة حصرت الشبهة بوزراء الأشغال والعدل والمالية، من سابقين وحاليين، ما عدته المصادر مجتزأ، وإلا لماذا استثنى وزراء الدفاع والداخلية السابقين، وقادة بعض الأجهزة الأمنية والقضاة الذين كانوا على علم بوجود المواد المتفجرة في المرفأ؟

لذلك، قرر بري أن يرد على الرسالة بنبرة عالية، ويعيدها إلى مرسلها، لا سيما أن هناك من لمح إلى أنه تطرّق في رسالته بصورة غير مباشرة إلى 4 رؤساء حكومة، من دون أن يسميهم، وهم: نجيب ميقاتي وتمام سلام وحسان دياب (كان استمع إلى أقواله) وسعد الحريري، ما اضطر المصادر في المعارضة إلى التعامل مع هذه الرسالة من زاوية سياسية بامتياز، لأن هناك من كان يراهن على استغلالها في عملية تشكيل الحكومة.