IMLebanon

إكتئاب على مستوى الوطن!

كتبت ساسيليا دومط في “الجمهورية”:

«ما كنّا مفكرين في أسوأ وأصعب من إيام الحرب، طلع في كورونا وأزمة إقتصادية وهَم الدولار وتدهور العملة حدّث ولا حرج»، تقول لورا لشقيقتها متحسّرة، وهي تحتسي قهوتها الصباحية، بينما تغرق جليستها في صمت عميق، شاردة بهموم الحياة اليومية، بعد أن صُرفَت من الشركة التي عملت فيها لمدة 20 عاماً.

يلفّ الشعور بالعجز معظم اللبنانيين في الظروف القاهرة التي لم يسبق أن مروا بها، فقد أصبح من شبه المستحيل التعايش مع الصعوبات والعراقيل، وبات ما يزيد عن نصف السكان تحت خط الفقر، بحسب الإحصاءات العملية. أضف إلى ذلك الخوف والقلق الشديد من عدم التمكن من تأمين لقمة العيش، خاصة بالنسبة لمَن فقد مصدر عيشه وأصبح يعيش مع أفراد عائلته على ما يجود به عليه الآخرون، من مأكل ومسكن وملبس.

أما الأنشطة والخروج من المنزل، فقد أضحت في خبر كان، بوجود خطر فيروس كورونا من جهة، وما يتعلق به من حجر منزلي وإقفال، والانهيار الاقتصادي من جهة أخرى، فيبقى التزام البيت والعائلة الصغيرة الحل الأنسب. هذا إذا لم نتطرّق إلى الأشخاص الذين يسكنون لوحدهم ويحادثون خيالات من يحبون والأثاث والصور، فيعيشون عزلة مفروضة عليهم.

ننتقل إلى حاجة أساسية لدى الإنسان، وهي الشعور بالأمان والاستقرار، ما ينعكس راحة داخلية وتوازناً نفسياً؛ ونحن نعيش في أعلى سلّم اللاإستقرار واللاأمان، إن من الناحية الصحية أو الأمنية، في ظل تفلّت أمني، وجرائم قتل وسلب ونهب في جميع أرجاء الوطن. ينهض فريد عدة مرات في الليلة ليتأكد من أنّ سيارته لا زالت متوقفة أمام المبنى الذي يسكنه ولم تتعرض للسرقة.

أما العلاقات الودية والإحترام المتبادل بين الأزواج وأفراد العائلة فأصبحت من الشعارات، كلّ فرد جاهز للانفجار في وجه الآخر، وينعكس غياب الاستقرار والأزمات والقلق في الوطن على العائلات الصغيرة، المُشتتة مرضاً وموتاً وسفراً وصراعات لا تنتهي.

تغيّرت عادات النوم لدى معظمنا، إذ لا حاجة للنهوض باكراً في حال الحجر الصحي القسري، أو في حال فقدان الوظيفة، فبتنا ننام نصف النهار، ونسهر ليلاً مُسمّرين أمام الشاشات، لمشاهدة فيلم أو سلسلة برامج أو لاهثين وراء أخبار سياسية واقتصادية من محطة إلى أخرى.

وللمزاج العكر والإحباط المستمر حكاية في هذه الفترة من حياة اللبنانيين، فالبيوت مليئة بأشخاص لا يتحاورون بل يتصارعون، وتكاد الإنتاجية بشكل عام لا تكفي الحاجات الأساسية. بالإضافة إلى أننا ما عدنا نهتم بمظهرنا الخارجي، فسيلفا المعروفة باهتمامها بالموضة، ولا تقبل أن يبدأ نهارها من دون وضع الماكياج والحلي، أسَرّت إلى صديقتها قائلة: «تركتُ ملابسي الشتوية في الخزائن العليا، ولم أضع للاستعمال اليومي سوى بعض البيجامات وملابس الرياضة، ما إلي نفَس زَبِّط حالي وإتزَيَّن بًقا».

نحاول من خلال ما كتبنا أن نستعرض واقع الحال، إذا، لا تسلية وترفيهاً، ليس هناك من خروج، ولا عمل، ولا مدارس، الأوضاع الإقتصادية متردية، بالإضافة إلى اضطراب في النوم ومشاكل وصراعات علائقية، وميل شديد إلى العزلة، فهل يعيش اللبنانيون اكتئاباً جماعياً على مستوى الوطن؟ اكتئاباً يلفّ جميع الشرائح العمرية حتى الأطفال؟ ماذا ينتظرنا بعد انحسار وباء كورونا؟ كيف سيعيش من لا يستطيع للهجرة سبيلاً، بعد الاعتراف بالعجز عن سَد حاجات الحياة الأساسية؟