IMLebanon

لبنان يتهيّب “تسونامي” اجتماعي وعضّ الأصابع يشتدّ سياسياً

 

… كأنه «مسْربٌ» جديدٌ لهدْرِ وقتٍ صار يُسرَق من «الأسابيع المعدودة» قبل التجرّد من كل «أحزمة الأمان» في رحلةِ السقوط «القاتِل»، أقلّه لوجهٍ عَرَفَه العالم عن لبنان… «كان يا ما كان».

هكذا قاربتْ أوساطٌ مطلعة الفترةَ الفاصلة عن الزيارة التي أكد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في افتتاح «مؤتمر دعم الشعب اللبناني» الذي استضافتْه باريس «عن بُعد» أنه سيقوم بها هذا الشهر (على الأرجح بين عيديْ الميلاد ورأس السنة) «للضغط على الطبقة السياسية» التي خاطَبَها المجتمعُ الدولي بـ «صوتٍ واحدٍ» داعياً إياها لتشكيل حكومة بأسرع وقت تكون «ذات صدقية وقادرة على العمل على أساس خريطة الطريق في 1 سبتمبر 2020 (حدّدتها المبادرة الفرنسية)»، مع ربْط حصول بيروت على مساعداتٍ دولية للخروج من «الإفلاس المالي» وترجمة نتائج مؤتمر «سيدر» وآفاق الدعم الهيكلي الإضافي على المدى الطويل بأن تنفّذ الحكومة العتيدة «بشكل عاجل كل الإصلاحات التي يتوقعها السكان والمجتمع الدولي».

ورغم «النية الحسنة» التي ينطوي عليها حرص فرنسا ومن خلفها المجتمع الدولي على الإبقاء على ديناميةِ حثٍّ للطبقة السياسية في لبنان على «مساعدة أنفسكم كي نساعدكم» وهذا ما حُدِّد له مدخلٌ بالخط العريض عنوانه حكومة اختصاصيين غير حزبيين وبلا ولاءاتٍ سياسية تصوّب البوصلة المالية – الاقتصادية وتقفل «مغاور» الفساد وتُعْطي في الوقت نفسه إشارة تخفيف قبضة «حزب الله» عن مفاصل القرار، فإن الطريق إلى المحطةَ الثالثة المرتقبة لماكرون في بيروت (بعد زيارتيْن في أغسطس وسبتمبر) تشي بأن تتحوّل وقتاً إضافياً جديداً يملأه الأطراف الوازنون في الداخل بالمزيد من فصول لعبة «عضّ الأصابع» التي لم يعُد ممكناً فصْلها عن تطورات المنطقة.

ولم تترك وقائع مؤتمر الدعم أي التباساتٍ حيال تكريسِ التزام المجتمع الدولي بالمحافظة على «الجسرِ الإنساني» الرامي إلى تجنيب الشعب اللبناني «تسونامي» الجوع الآتي ومعالجة تداعيات الانفجار الهيروشيمي في مرفأ بيروت (4 أغسطس)، مع إشاراتٍ صريحة إلى انعدام الثقة بالطبقة السياسية وحصْر أي دعمٍ مالي للبنان بحكومة المهمة وفق المبادرة الفرنسية، مع عدم بلورة آليات تمويل وتوقيت انطلاق عمل «الصندوق الائتماني المتعدد المانحين الذي أعدّه البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لتقديم المساعدات الإنسانية للبنان».

وأعطتْ كلمة مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل في المؤتمر، البُعد السياسي للأزمة وآفاق حلولها عبر دعوته المجتمع الدولي إلى «إعلان حزب الله منظمة إرهابية»، معلناً «أن تأثير الحزب ونفوذه زادا عدم الاستقرار في لبنان».

وفي حين لم تمرّ حتى كلمة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، من دون إشارات معبّرة بتأكيده «أن المؤتمر رسالة إلى السياسيين اللبنانيين مفادها بأن العالم مستعد لمساعدة لبنان عندما يتم تأليف حكومة من التكنوقراط والاختصاصيين بعيداً عن الاصطفاف السياسي»، تعزّزت المخاوف من المرحلة القاتمة التي يدخلها لبنان مع تحذير وزير شؤون الشرق الأوسط البريطاني جايمس كليفرلي، الذي يزور بيروت، من «الخطر الأكثر إلحاحاً والمتعلق بالأمن الغذائي: فلبنان على شفير عدم استطاعته إطعام نفسه»، متحدثاً «عن تسونامي صامت»، ومؤكداً «أن من حق الناس في لبنان أن يعيشوا حياةً أفضل. والبديل ستكون له عواقب مروعة».

وفي موازاة «أجراس الإنذار» الدولية، كان الداخل على تمتْرسه خلف التعقيدات التي جمّدت ملف تأليف الحكومة والتي لم تغب عن كلمة الرئيس ميشال عون أمام مؤتمر الدعم، حين أكد «أنّ أولويّتنا اليوم هي تشكيل حكومة عبر اعتماد معايير واحدة تُطبّق على جميع القوى السياسية»، وسط إشاراتٍ لمعارك جانبية مستعادة أو جديدة عبّر عنها انفجارُ سجالٍ بين رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط وفريق الرئيس المكلف سعد الحريري، بعد انتقاد الأول عبر «سكاي نيوز عربية» ما أسماه «لعب الأولاد في التحاصص بين عون والحريري، وأعتقد بالقليل الذي نسمعه أن العرقلة هي بينهما»، مشيرا إلى أن «عون وفريقه أخذوا الداخلية والطاقة والدفاع والعدل، أي تقريباً أخذوا مفاصل الدولة جميعها».

وبينما كان القيادي في «تيار المستقبل» مصطفى علوش، يردّ على جنبلاط، واصفاً إياه بأنه «ملك المحاصصة»، برز موقف حمّال أوجه من رئيس البرلمان نبيه بري خلال استقباله المنسق الخاص للأمين العام للامم المتحدة يان كوبيتش في معرض الحديث عن قرار مجلس النواب الذي أيّد التدقيق الجنائي على أن يطول كل الوزارات والمؤسسات، إذ قال «لا مجال للمزايدات والنكايات والانتقاء بل السير بالتوازي كما نص القرار من دون تدخلات مع القضاء، إذ بهذا وحده يتبيّن المرتكب من البريء وليس بالاستعراضات الإعلامية والغوغائية والغرف السوداء».

في هذه الأثناء، كان المجلس الأعلى للدفاع الذي التأم برئاسة عون يعطي إشارات إلى نية توسيع إطار تصريف الأعمال للحكومة المستقيلة وسط معلومات عن أن المجلس اطّلع من الأجهزة الأمنية على معلومات تحذّر من تهديدات أمنية جديدة طلب بإزائها اتخاذ أعلى مستوى من الجهوزية.