IMLebanon

الخلوي بعد الاسترداد: “متل ما رحتي متل ما جيتي”!؟

كتبت كلير شكر في صحيفة نداء الوطن:

أمّا وقد استعادت الدولة ممثلة بوزارة الاتصالات، إدارة شركتي الخلوي بعد مماطلة استمرت نحو عشرة أشهر حاولت خلالها “أوراسكوم” و”زين” تمديد مهلة عقدي التشغيل بأكلافهما الباهظة لا بل الخيالية، وابتزاز الدولة للحصول على براءات ذمة تخرجهما من السوق اللبنانية نظيفتي الكفّ رغم اتهامات الهدر والفساد بمئات ملايين الدولارات… فإنّ السؤال الذي يطرق الأبواب في هذه اللحظة هو: هل ستستفيد الدولة من المرحلة الانتقالية، قبل اجراء مناقصة تشغيلية جديدة لتحسين القطاع وتقديمه على نحو يسمح بمشاركة شركات عالمية ولكن بتكلفة معقولة وتنافسية؟ أم أنّ حالة الفوضى التي كانت سائدة، ستتمدد وتطيح بما تبقى من مكانة القطاع ووارداته الآخذة في التراجع على نحو دراماتيكي كما أعلن وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال طلال حواط في أكثر من مناسبة؟

في الواقع، فإنّ أبرز ما يجب رصده في هذا المجال، هو آلية الإنفاق التي تعتمدها الشركتان المشغلتان بعد الاسترداد، أي “ميك 1” و”ميك 2″، للحكم على طبيعة المرحلة الانتقالية ومقاربة مدى قدرة الدولة على تسخيرها لمصلحة تطوير القطاع ووضع استراتيجية للتخفيف من أوزانه الثقيلة، التي تمثّلها مصاريف التنفيعات التي قضمت من مداخيل الخلوي ثروات طائلة ذهبت هدراً إلى جيوب بعض المنتفعين وفي سبيل الاستثمار السياسي الرخيص. واذ يتبيّن أنّ الشركتين لا تزالان تنفقان وفق الآلية التي وضعها وزيرا الاتصالات والمال والتي يفترض أنّها محصّنة بقرار مجلس الوزراء رقم 3 تاريخ 2/7/2020، وهي تقوم في مادتها الثانية على أساس أنّ “كل شركة من الشركتين تقوم في الأول من كل شهر بتحويل صافي الايرادات الشهرية بعد حسم كلفة الرواتب وكافة المصاريف التشغيلية”، ولو أنّها مطعون بقانونيتها.

إذ تنصّ المادة 36 من قانون موازنة العام 2020 على إلزام الشركات المشغّلة بتحويل الإيرادات إلى الخزينة بصورة دورية، وقد جاء في نصّها حرفياً “خلافاً لأي نصّ قانوني أو تعاقدي آخر، وباستثناء الرواتب، تلزم الشركات المشغّلة لقطاع الخلوي بتحويل الإيرادات الناتجة عن خدمات الاتصالات الخلوية المحصّلة إلى حساب الخزينة لدى مصرف لبنان يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، على أن تحدد آلية دفع المبالغ التي تتوجب على الخزينة لصالح تلك الشركات من بدل إدارة ونفقات وأعباء ومشتريات وخلافه، تتحملها الشركات في مجال عملها، بموجب قرار يصدر عن مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزيري المال والاتصالات”.

لكنّ وزيري المال والاتصالات وضعا آلية تركا فيها الشركتين تنفقان ما تريدان على المصاريف التشغيلية قبل إحالة ما تبقى من الإيرادات إلى الخزينة العامة، خلافاً لنصّ المادة 36 من قانون الموازنة العامة. وهذا ما دفع المساهم في “ميك 2” وسيم منصور، الذي يخوض أكثر من معركة قضائية في هذا المجال، إلى الطعن بالآلية أمام مجلس شورى الدولة.

وهذا ما يقود إلى وضع علامات استفهام حول سلوك الشركتين المشغلتين بعد الاسترداد خصوصاً وأنّ آلية الإنفاق لا تزال هي نفسها، وأعضاء مجلسي الإدارة هم من الموظفين أو من المجلسين السابقين (بعضهم لم ينل براءات ذمة)، بينما يفترض أن تكون المرحلة الانتقالية بمثابة فرصة متاحة أمام الدولة لإجراء نفضة في أداء القطاع، لكي لا تستغل الشركات العالمية المنتظر مشاركتها في المناقصة بعد الانتهاء من دفتر الشروط، حال الترهل الحاصل لفرض رسوم تشغيلية مرتفعة، فيتحول الخلوي من دجاجة تبيض ذهباً إلى مؤسسة جديدة لكهرباء لبنان!

بهذا المعنى يفترض أن تتسم المرحلة الانتقالية بحوكمة رشيدة خاصة بها تقوم على أساس الرقابة المسبقة على “ميك 1” و”ميك 2″، وتحديد سقوف الإنفاق ووضع معايير علمية وصارمة لضمان جودة الخدمات التي هي بالنتيجة مصدر المداخيل، خصوصاً وأن أدوات الرقابة من جانب الدولة متاحة وموجودة بشكل مباشر… أما الفوضى فستزيد من تدهور القطاع، وبالتالي من كلفته التشغيلية في المستقبل.

ويحتل البحث عن طبيعة العلاقة بين وزير الاتصالات والشركتين المشغلتين، جانباً مهماً من التساؤلات. اذ قبيل استرداد الإدارة، كانت هيئة الإشراف من قبل المالكين هي التي تتولى عملية المراقبة على الشركتين الأجنبيتين، ولما انتهى العقد، سقطت تلك الهيئة التي قام الوزير حواط بحلّها تدريجياً. وفي رأيها الصادر في الخامس من شباط الماضي، رأت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل أنّ ادارة القطاع في المرحلة الانتقالية، إلى حين اجراء مناقصة جديدة، تكون على عاتق وزير الاتصالات بواسطة المديرية العامة للصيانة والاستثمار.

لهذا يسأل المتابعون: من يتولى متابعة طلبات الشركتين من جانب الوزارة؟ فعلياً لا دور مباشراً للوزير مع الشركتين كونهما لهما طبيعة خاصة تملكهما الدولة بالإئتمان عبر مصرفين (عودة وفرنسبنك). أما المديرية العامة للصيانة والاستثمار فلا تبدو وكأنها معنية بالقطاع. ولكن وفق المتابعين، فإنّ الوزير هو الذي يدير العلاقة، فيما لا يزال لبعض المدراء السابقين تأثير غير مباشر على مجرى العمل.

ومع ذلك، لم تُسمع تلك الأسئلة في أرجاء مكتب لجنة الاعلام والاتصالات التي عقدت اجتماعاً برئاسة النائب حسين الحاج حسن، وحضور الوزير حواط، رئيس ديوان المحاسبة القاضي محمد بدران، المدعي العام للديوان القاضي فوزي خميس، القاضي عبد الرضا ناصر عن الديوان، رئيس مجلس ادارة “اوجيرو” عماد كريدية، المدير العام للبريد في وزارة الاتصالات محمد يوسف، المدير العام للاستثمار والصيانة في الوزارة باسل الايوبي، المدير العام للانشاء والتجهيز في الوزارة ناجي اندراوس، المدير العام في وزارة المال بالوكالة جورج المعراوي وممثلين لشركتي “ألفا” و”تاتش”.

في موضوع الخلوي، مسألتان علقتا في أذهان نواب شاركوا في الجلسة: أولاً، انذار ديوان المحاسبة الشركتين بأنه يشحذ سكين رقابته اللاحقة، ولو أنّها ستحصل “بعدما يكون من ضرب قد ضرب”. ثانياً، تأكيد الوزارة انجازها دفتر شروط المناقصة الجديدة، الذي هو موضوع أصلاً من أيام الوزير السابق جمال الجراح واشتغلت عليه لاحقاً لجنة وزارية أيام الوزير السابق محمد شقير… ولا يزال قيد الدرس!