IMLebanon

مخاوف جدية من قرب سقوط لبنان من أولويات المجتمع الدولي

لا تخفي المراجع الأممية والدبلوماسية قلقها من طريقة تعاطي اركان السلطة مع مجموعة التحركات الدولية والاممية التي قررت مساعدة الشعب اللبناني على تجاوز آثار النكبة التي حلت ببيروت تزامنا مع مجموعة الأزمات السياسية والاقتصادية والنقدية والصحية التي يعيشها لبنان وما آلت اليه اوضاع اللبنانيين. وقد ربطت في هذا السياق بين مؤتمر باريس الذي دعا اليه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قبل ثلاثة ايام واطلاق خطة الاستجابة لمساعدة لبنان التي اطلقت من بيروت بالتشارك بين الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومجموعة البنك الدولي من اجل تلبية الحاجات الطارئة للمتضررين، ومواجهة التحديات المرتبطة بالحوكمة والتعافي وإعادة الإعمار بعد مرور أربعة أشهر على الانفجار الذي ضرب مرفأ بيروت.

ليس في ما سبق ما يدعو الى الكثير من البحث في خلفيات واسباب ما جرى، ولاسيما لجهة غياب المشاركة اللبنانية في كل ما جرى. فقد ظهر ذلك واضحا بالنسبة الى مراجع دبلوماسية غربية وسياسية لبنانية اجمعت عبر “المركزية” على القول ان لبنان كان مدعوا ليشهد على الدعم الدولي له في وقت لم يقدم اركان السلطة بعد اي خطوة تتجاوب وشروط المجتمع الدولي للانطلاق في ورشة اعادة بناء ما تهدم واستعادة الثقة المفقودة بالدولة ومؤسساتها من الداخل والخارج.

وظهر واضحا للمراجع الدبلوماسية ان ما جرى يوحي ببداية اعتراف دولي بانهيار كامل للسلطة في لبنان وتحديدا عندما وجدت نفسها كـ”أسرة دولية” مضطرة الى قيادة برامج المساعدات للشعب اللبناني الذي تأثر بنكبة مرفأ بيروت وتدهور الوضع الاقتصادي مباشرةً من دون العبور بالحكومة اللبنانية ومؤسساتها والتوجه مباشرة الى الشعب اللبناني لإيصال المساعدات الى اللبنانيين سواء عبر المؤسسات التمثيلية التي اقامتها الدول والمؤسسات المانحة او عبر الهيئات الفاعلة في المجتمع الأهلي والمدني، باستثناء الثقة الدولية والأممية التي لم تتزعزع يوما بالجيش اللبناني الذي قاد بفعل اعلان التعبئة العامة ما فرضته النكبة لإزالة الركام واعادة ترميم ما يمكن ترميمه بالسرعة القصوى لإيواء المشردين وتوزيع المساعدات المالية والعينية والطبية على المستشفيات والقطاعات المتضررة.

وتأسيسا على هذا المنطق لم ترصد المراجع الدبلوماسية اي حراك للحكومة المستقيلة، ولو على مستوى الوزارات المعنية بالأزمات الاجتماعية. فوزارة الشؤون الاجتماعية غائبة عن المشهد تماما ولم تهتم إلا بملف النازحين السوريين من دون الوصول الى اي خطة فاعلة. وغابت ايضا بلدية بيروت التي لم يظهر انها معنية بما جرى لولا المبادرات التي قادتها نقابة المهندسين وجمعيات كبرى هندسية وإغاثية كما فقد اي دور تقريبا للهيئة العليا للإغاثة التي لم تتحرك الا عندما وقع انفجار خزانات المازوت في الطريق الجديدة.

وتوقفت المراجع الدبلوماسية امام غياب مؤسسات الدولة التي تنازلت عن دورها إما عن عجز مطلق وإما عن خوف من ردة الفعل الشعبية تجاه كل ما يمثل السلطة وأركانها، فبقيت ساحة النكبة مسرحا للبعثات الدولية التي دشن جولاتها فيها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد ايام قليلة على الانفجار فجال بين اللبنانيين من دون الترتيبات الخاصة بجائحة كورونا ومعه عدد من الدبلوماسيين العرب والغربيين، فيما بدى ان الدولة تحصي زيارات وجولات 18 وزيرا اجنبيا عبّروا عن اهتمامهم بنتائج النكبة ومساعدة اللبنانيين.

كان المسؤولون اللبنانيون منهمكين طيلة هذه الفترة بعملية تقاسم الحقائب في الحكومة العتيدة وتبادل الاقتراحات بالاسماء التي يجب اسقاطها على التركيبة الحكومية وكأن ما جرى في لبنان من مجموعات الازمات الانسانية والاقتصادية تجري في بلد آخر بعيدا عن هموم اركان السلطة الذين تورطوا بعيدا في تبادل الاتهامات وسط رهان على القضاء الذي باشر التحقيق في ما جرى ليستغلوا “هيبتهم” في تسيير اعمال التحقيق وتوجيهه في هذا الاتجاه او ذاك تعبيرا عن الحاجة الى حماية الازلام والمحاسيب المزروعين في مواقعهم، ومنهم من اثبتت التحقيقات الأولية تورطهم عن اهمال او عن سوء تقدير لما حصل في نكبة المرفأ.

على هذه الخلفيات، تخشى المراجع الدبلوماسية من سوء النتائج المترتبة عن أداء المسؤولين. فقد شددت المراجع ومعها مجموع الموفدين الذين زاروا بيروت منذ النكبة على اهمية الاسراع في بعض الخطوات التي تحيي وجود حكومة كاملة المواصفات الدستورية والقانونية لمواجة استحقاقات المرحلة، وما أكثرها، محليا وإقليميا ودوليا قبل ان تصل البلاد الى المرحلة التي يسقط فيها ملف الأزمة في لبنان من اولويات المراجع الأممية والدولية فتسقط وتنحل الدولة ومؤسساتها ولن يبقى عندها سوى الهيكل العظمي لبلد كان يسمى يوما منارة وسويسرا الشرق.