IMLebanon

وحِّدوا لبنان باللامركزية

كتب عبود يعقوب بوغوص في “الجمهورية”:

لقد أضرَّ النظام المركزي بـ«لبنان الموحَّد». قسَّمه، شرذمه، أفقره، أوصل اقتصاده إلى الدرك الأسفل وباعد بين أبنائه المحبّين المخلصين الشرفاء.

منذ البداية توزعت السلطة المركزية بمحاصصة بغيضة أفسدت بعض القيادات. وفي كل مرحلة كانت هناك طائفة تتحكّم بالسلطة وأخرى مغبونة، وثالثة تتبع جهة خارجية، فكان لبنان غير حيادي، مسلوب الإرادة والسيادة.

إنّ الأهم من ذلك، أنّ النظام المركزي باعد الشعب الطيب بعضه عن بعض روحياً وثقافياً ووجدانياً، بعدما وسَّعَ الشرخ بين المواطنين، فكانت النتيجة بعد مئة عام، أن تجزّأ لبنان وتباعدت النفوس. كل ذلك تحت عنوان «لبنان الموحَّد».

فإن كانت المركزية هي التي جلبت كل هذه الشرور على لبنان؛ فلمَ لا تكون اللامركزية هي البديل، وقد أوصى بها مؤتمر الطائف؟. حين يُجمِع مهندسو الإدارة السياسية العالميون على حتمية نجاح اللامركزية الإدارية في تبسيط الإدارة وتحسين الخدمات، وسهولة المراقبة والمحاسبة، وتلاشي الفساد، وإرساء السلم الأهلي، وانتفاء التناحر السياسي، وتنافس المناطق في الإزدهار الصناعي والزراعي والتجاري والسياحي والخدماتي، والتماسك الوطني، وانتعاش الديموقراطية وتداول السلطة وقوة الانتماء للوطن.

إنّ هؤلاء الخبراء يذكرون كل ذلك عموماً، ولكنهم -لأنّ لبنان حالة خاصة فريدة- لا يتطرقون إلى الأهم، وهي الحرية الفكرية والروحية، التي ستكون التفاحة الكبرى بين تلك الثمار. هذه الحرية هي انعتاقهم من السلطة السياسية الطائفية، فيصبحون طلقاء، ولا تكون مراكزهم عرضةً للاهتزاز في حال طعّموا ثقافتهم بثقافات لبنانية أخرى، لأنّ النزاهة والكفاية هما فقط المطلوبان حينذاك.

لا خلاص للبنان من دون اللامركزية، فهي في شقها الإنمائي والإداري والديموقراطي من جهة، وشقها الثقافي والروحي من جهة أخرى، ستضع لبنان على الطريق السوي في اللاطائفية والسلم الأهلي والمواطنة الصحيحة، وتؤسس لبنان الجديد على عدم ارتهان أي من أبنائه لأي كيان خارجي وبالتالي على الحياد الإيجابي إزاء العالم.

فإذا أضفنا المقومات الأخرى الأساسية التي يتمتع بها لبنان، من الطقس الجميل جبلاً وسهلاً وبحراً الذي يتميز به عن العالم، إلى جانب طاقاته البشرية في الداخل والمهجر، وكونه مركزاً للثقافة والفن في العالم وذو تاريخٍ حضاري وأثري وفني في ماضيه وحاضره، بطوائفه الـ19 التي تجعله محجاً سياحياً لجميع ابناء تلك الطوائف في العالم؛ كل ذلك سيدعونا الى أن نسأل حينذاك؛ أين دبي وسويسرا وموناكو من لبنان درّة الأرض؟ ويقول أبناؤنا وأحفادنا لكل العالم: «أبواب الجحيم لن تقوى عليه».

إنطلاقاً من كل ذلك، ننادي: «وحِّدوا لبنان باللامركزية»، معوِّلين على أكثرية شعب لبنان وزعمائه المحبّين المخلصين الشرفاء.