IMLebanon

المنظومة الفاشلة والمتآمرة (بقلم رولا حداد)

لم يعد خافياً على أحد أن كل المنظومة الحاكمة في لبنان لا تسعى إلى تشكيل حكومة لإنقاذ البلد من الانهيار، بل تنتظر التطورات الخارجية، وتحديداً المفاوضات الأميركية- الإيرانية المنتظرة بعد دخول الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض.

نعم، “كلّن يعني كلّن” ينتظرون الاتفاق الأميركي- الإيراني الجديد ليبنوا على الشيء مقتضاه. قسم منهم يراهن على “انتصار” إيراني يكرّس سيطرتهم على مفاصل السلطة، والقسم الآخر يراهن على استمرار الضغط الأميركي لإجبار إيران وحلفائها على التراجع، في حين أننا لا نملك ترف الوقت والانتظار في لبنان!

ماذا لو لم تنطلق أي مفاوضات جديدة بين واشنطن وطهران قبل صيف الـ2021؟ أي مصير ينتظر لبنان واللبنانيين خلال هذه الأشهر؟ وهل يمكن لأي مفاوضات أن تنتج حلاً بشكل سحري أم أنها ستحتاج إلى أشهر إضافية؟

المصيبة الكبرى أن أطراف المنظومة الحاكمة تقارب الملفات العالقة، بدءًا بملف تشكيل الحكومة وليس انتهاء بملف التحقيقات في جريمة انفجار مرفأ بيروت، كلّ منها وفق مصالحها السياسية والنفعية الضيقة وتتلطى خلف العصبيات الطائفية والمذهبية والحزبية!

وكارثة اللبنانيين أنهم محكومون من منظومة تتذرّع بالتدخلات الخارجية على اختلافها لكي تقف مكتوفة الأيدي، وتتناسى المنظومة أن هذه التدخلات كانت لتكون مستحيلة لو لم تجد أرضاً خصبة في الطبقة الحاكمة. فصحيح أن للدول الخارجية، من إيران إلى الولايات المتحدة مروراً بأوروبا ومن دون أن ننسى بقايا النظام السوري وحتى الدول العربية، مصالحها وحساباتها الخاصة، لكن هذه الحسابات لم تكن لتنجح في لبنان لولا فشل المنظومة الحاكمة فيه!

وفي هذا السياق كان لافتاً نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم الذي أكد أنه إذا اتفق اللبنانيون فيما بينهم فسيكون الخارج مجبراً على احترام اتفاقهم، لكن فات قاسم أن المطلوب اتفاق اللبنانيين على المصالح الوطنية العليا للبنان وليس مطلوباً منهم الخضوع لـ”حزب الله” تأمينا للمصالح الإيرانية!

على اللبنانيين أن يضعوا مصالح لبنان واللبنانيين في أول سلّم أولوياتهم، وبهذا المعنى فإن لا أولوية تعلو على القيام بعملية إنقاذية عاجلة من الانهيار والإفلاس الواقعين، وهذا يسلتزم أولاً وبسرعة قياسية تشكيل حكومة من المتخصصين المستقلين التي توحي بالثقة للمجتمعين العربي والدولي وللشعب اللبناني لتباشر بكل الإصلاحات المطلوبة من دون استثناء. وهذا يتطلب أيضاً حياد لبنان فوراً عن كل صراعات المنطقة وممارسة النأي بالنفس فعلاً لا قولاً، بما يعني خروج “حزب الله” من كل حروب المنطقة والعودة إلى لبنان والانخراط في الدولة اللبنانية وحصر السلاح فيها، وخضوع جميع اللبنانيين لمنطق الدستور والقوانين المرعية الإجراء، والذهاب بعدها إلى انتخابات نيابية تفرز طبقة سياسية جديدة تحترم الإرادة الشعبية، بما يحتّم أيضاً على ثورة 17 تشرين أن تتنازل عن أنانيات مجموعاتها لتنتج وجوها قيادية وبرنامجاً برؤية جديدة ومتطورة عوض الغرق في التجاذبات الداخلية من دون تقديم أي بديل مقنع أو الغرق في العبثية الهدّامة!

في اختصار، أثبتت المنظومة الحاكمة فشلاً غير مسبوق يصل إلى حدّ التآمر على الوطن، ولن تتمكن هذه المنظومة بمختلف أطرافها من انتشال لبنان من الانهيار بمنطق النكايات والسعي لتأمين مصالحها الضيقة والارتهان للخارج وانتظار التطورات الإقليمية والدولية، ولذلك فإن أي إنقاذ يبدو مستحيلاً من دون تحقيق تغيير شامل… فهل بتنا أمام “المهمة المستحيلة”؟!