IMLebanon

غجر بعد البستاني: استمرار لنهج المراوغة

كتب غسان بيضون في صحيفة الجمهورية:

ما كدت أنتهي من التعليق على تصريح للوزير ريمون غجر حول استعداداته لمواجهة العتمة المقبلة، حتى أطلقت الوزيرة بستاني تغريدة عادت فيها إلى نغمة العرقلة السياسية، بعدما كانت أعلنت عن انتفاء هذه العوائق أمام «الخطة» وحصرتها بـ«مافيا المولدات»، لتجدّد اتهامها نفس الأفرقاء السياسيين الذين منعوا إجراء مناقصة جديدة خلال الثماني سنوات الماضية، وإنما بالتمييع عن طريق إدارة المناقصات هذه المرة. وتستكمل «اتهامات أبي خليل الجرمية» باعتبارها الاستمرار بملف الفيول المغشوش «جرماً متمادياً»!

ومن باب الإجابة أولاً عن الوارد أخيراً من بضاعة هذه الجماعة، أذكّر السيدة بستاني، بأنّ الأفرقاء السياسيين لم يتوقفوا يوماً عن منحكم الموافقة تلو الأخرى على مسلسل خططكم «المتمادية» في مخالفة القوانين، وعن تغطية فشلكم. فمدّدوا للبواخر ولمقدّمي الخدمات وأعفوهم من التقيّد بمؤشرات الأداء وحرّروا توقيفاتهم، وشكّلوا لكم اللجان الوزارية لتجاوز ملاحظات إدارة المناقصات ومحاصرتها. ووافقوا لكم مسبقاً على دفاتر شروطكم وسمحوا بإشراك «فريق الوزارة الفني» بتقييم عروض معامل الإنتاج، وعلى مناقصة تلزيم الطاقة من الرياح، ألم يتمّ تسهيلها لكم مع وزير المالية في مجلس الوزراء؟. وعن رئيس الحكومة سعد الحريري، ألم يعلن عن ندمه عن تجاوبه مع رغباتكم وعن حماسه لبواخركم الإضافية؟

حتى الحكومة المستقيلة، ألم توافق لكم على تعيين مجلس إدارة «ناقص» لكهرباء لبنان، ليستمر رئيس مجلس إدارتها القديم رأس حربة للفساد فيها، وماذا عن استملاكات سلعاتا والـ 200 مليون دولار التي طلبتم ثم تراجعتم بعد الكشف عن استملاكات قديمة تمّ استرداد بعض عقاراتها من دون الاعتراف بمصير التعويضات المستردة على الأسعار الجديدة الرائجة؟

حتى مجلس النواب لم يقصّر، ونسأل، ألم يقرّ لكم القانون 129 /2019 لإتاحة تجاوز بعض أحكام القوانين في مناقصات معامل الإنتاج بالشراكة مع القطاع الخاص، ويصدر القانون 107 /2018 المبني على غش حول ملكية مولدات كهرباء زحلة، ليجيز استمرارها بالإنتاج تحت ذريعة تسيير المرفق العام، وتوقيع عقد تشغيلي مع كهرباء لبنان مدته سنتان انقضتا من دون تركيب العدادات «الذكية» لتمييز مقطوعية المشتركين، ومن دون الالتزام ببنوده المالية والمحاسبية، الأمر الذي انتهى بالاتجاه نحو إجراء مصالحة؟ وها أنتم على أبواب تكرار لعبة الأمر الواقع نفسها. وأي قوى سياسية هي التي أقرّت لكم سلف الخزينة السخية، لتسديد كامل ثمن المحروقات لزوم كهرباء لبنان وتجاوز سقف هذه السلفة المحدّدة في قوانين موازنة 2018 و 2019، بغض نظر من وزير المالية من الأساس؟ أولستم من أجاز لكهرباء لبنان بيع بعض هذا الفيول و»قبض ثمنه نقداً كما جرت العادة»، وأن «تعير القاديشا» كميات منه، لتتحول قيوداً على لوح ثلج في فوضى العلاقة المالية بين الطرفين؟ وبأي حق قرّرتم مصادرة كفالة «غرانت ثورنتون» المكلّف بتدقيق حسابات المنشآت، بعدما تبين له وأبلغكم عن عدم وجود حسابات يدققها، لتبقى المنشآت حديقة خلفية لكم للتوظيف السياسي وصندوقاً أسود يغطي فساداً برائحة المحروقات الممزوجة بالمعادن والزيوت المحروقة؟

وبعد التذكير بأنّ مجلس الوزراء طلب إجراء استدراجات عروض لاستطلاع إمكانية الحصول على أسعار وشروط أفضل من أسعار وشروط «سوناطراك»، نسأل، أين أصبحت مفاوضات دير عمار بناءً على موافقة مجلس الوزراء وإعلانها عن المباشرة بالتنفيذ؟ وماذا عن مصير الـ100 ألف طلب اشتراك جديد وخفض الهدر وتحسن الجباية، الذي تجاوز التوقعات، ورفع التعرفة التدريجي؟ نسأل، أي قوى سياسية تقصدين، التي منحتكم كل تلك الموافقات على مدى أكثر من عشر سنوات، أم غيرها من خارج الكوكب؟

وتعليقاً على ما صدر عن وزير الطاقة الحالي نضيف، أنّه دليل على استمرار ذلك النهج العقيم، والعبث بشؤون الطاقة منذ عشر سنوات ولمّا يزل. ويبدو أنّ هذا الوزير لم يتمكن بعد من التحرّر منه والتمايز عنه، لممارسة قناعاته وأسلوبه العلمي الخاص في إدارة شؤون الوزارة. أما توسعه في مروحة الاحتمالات والحلول المتاحة لمعالجة أزمة المحروقات الآتية حتماً وبدرجة عالية من الحدّة، فتبدو الغاية منها أقرب إلى تحميل إدارة المناقصات المسؤولية عن التقصير والتأخير وتجاوزهم للأصول، لا سيما وأنّ حملة التهويل والتهديد انطلقت منذ فترة للتغطية على مخالفات دفاتر شروط مناقصة المحروقات وهندستها.

إنّ السر هو في الإعلان عن إرادة فخامة الرئيس بعدم السماح بحصول أزمة، إذ لا تفسير لذلك سوى النية باللجوء إلى بدعة «الموافقات الاستثنائية» بين القصرين، التي تختصر السلطة الإجرائية بطلب يوجّهه الوزير إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال بمباركة فخامة الرئيس، و»يفيد» أمين عام مجلس الوزراء عن نتائجها!

معالي الوزير، إنّ القرار الجيد والمسؤول هو ذلك الذي يصدر عن السلطة الصالحة في الوقت المناسب، ويُبنى على معلومات دقيقة، موثوقة وأكيدة. والمهم، ليس مجرد توقيع دفتر الشروط، وإنما هو أن يكون إرساله بقصد الإعلان عن إطلاق المناقصة، وليس لجسّ النبض واستكشاف النوايا، وأن تكون أحكامه منطبقة على القواعد والأسس القانونية للمناقصات، وأهمها احترام ملاحظات الإدارة الرقابية المختصة، لتأمين المنافسة الواسعة من دون تقييد المشاركة بشروط تعجيزية، ومصادرة نتائج المناقصة سلفاً، عن طريق توزيع الطلبية على غير الفائز من العارضين وبأسعار أعلى من سعره، في حال كان سعره هو الأقل في مختلف أنواع المحروقات المطلوبة. يُضاف إلى ذلك، أن يتمّ توقيع دفتر الشروط في توقيت ملائم من قِبل المرجع الصالح لعقد النفقة. وهو في هذه الحالة وزير الطاقة وليس المدير العام للنفط، لاسيما وأنّ تمويل الصفقة يتمّ من خزينة الدولة، وبصيغة سلفة خزينة تُعطى بموجب قانون الموازنة العامة وتُدفع مباشرة من حساب الخزينة في مصرف لبنان، مع العلم أنّ مجلس الوزراء هو الذي يرعى منذ سنوات تأمين هذه المحروقات.

وبالنسبة لرصيد العقد مع «سوناطراك»، فنسأل وزير الطاقة، ماذا ينتظر للتواصل مع الشركة للتحقق من استعدادها فعلاً للاستمرار بتأمين هذا الرصيد، فيبني اطمئنانه وطمأنته للبنانيين على واقع أكيد، يعلن عنه صراحة وبالأرقام؟ وأستغرب أن يغفل الوزير مسألة توفير التمويل اللازم لفتح الاعتمادات، وسبب التأخّر في استصدار قانون لإعطاء سلفة خزينة لتغطية شراء المحروقات؟

ولماذا لم يباشر اتصالاته بدولة العراق لاستطلاع إمكانية وحدود المساعدات التي يمكن تقديمها للبنان؟ ولماذا لا يعلن الوزير عن كمية المحروقات المتوفرة لدى المؤسسة في خزاناتها اليوم؟.

إنّ الإعلان عن هذه المروحة الواسعة من حلول «النفس المطمئنة» تخفي محاولة خبيثة لإظهار إدارة الطاقة بصورة إيجابية والتشكيك بدور إدارة المناقصات، وكأنّها هي من ينتهج أسلوب المراوغة والتحايل والمماطلة والإصرار على مخالفة القوانين والأنظمة المرعية الإجراء، التي تؤدي إلى فشل المعالجة في الوقت المناسب، فيما موقف إدارة المناقصات هو مجرد اعتراض على تحيّز دفاتر الشروط وتفصيلها على القياس، وصدورها عن غير المرجع الصالح، لعقد النفقة، أي الوزير وليس المديرية العامة للنفط!

وأخيراً، نسأل عن مصير التحقيقات في ملف الفيول المغشوش، وما إذا تمّت لفلفته؟ ومن أضاع فرص إصلاح قطاع الكهرباء ليستمر الهدر المالي وصولاً إلى الانهيار المالي ونتائجه الكارثية التي نعيشها اليوم؟!

ما أجرأكم على الباطل!