IMLebanon

أدوية الأمراض المستعصية: أسماء وهمية ومغتربون وأموات!

كتبت هديل فرفور في جريدة الأخبار:

«جيبوه لهون». هكذا خاطبت الموظّفة في مركز توزيع الأدوية للأمراض المستعصية في الكرنتينا (يستفيد منه نحو 25 ألف مريض يتلقّون علاجهم على نفقة وزارة الصحة)، قريبة مريض يعاني من مرض مزمن حادّ وخضع لجراحة زرع إحدى كليتيه. الهدف من «إحضار» المريض شخصياً إلى المركز، هو التأكّد من أن الدواء الذي توزعه الوزارة مجاناً يعود إليه شخصياً.

عشرات ممن تكبّدوا الأربعاء مشقّة الطريق في الطقس العاصف للوصول إلى المركز «المتداعي» نتيجة انفجار مرفأ بيروت، للحصول على أدوية لمرضاهم، عادوا خالي الوفاض. إذ أن أحداً لم يبلغهم بالقرار الجديد لوزارة الصحة، منذ نحو عشرة أيام، بضرورة حضور المريض شخصياً لتسلّم بعض الأدوية. لا رسائل وصلت ولا إعلان عُمم. أما خيار الاتصال بالمركز فغير وارد لأن أحداً لن يجيب للتأكد من توفر الدواء. لذلك، يبقى «الخيار الأنسب» الحضور والرهان على «الحظ».

المعاملات التي تتطلبها آلية الحصول على الدواء ليست سهلة. إذ يحتاج المريض، أولاً، إلى الحصول على موافقة من اللجنة الطبية التابعة للوزارة قبل أن يستحصل شهرياً على وصفة طبية تؤكد حاجته إلى الدواء. ومن يحضر لتسلّم الدواء فعليه أن يقدم صورة عن هويته تثبت صلة قرابته بالمريض، ما يطرح تساؤلات حول «معنى» أن يُطلب من مرضى كبار في السن أو يعانون عوارض حادة تترافق حكماً مع الأمراض المستعصية الحضور شخصياً؟

قد يبدو هذا الإجراء عادياً لكثيرين، إلا لمن يرى عجوزاً يتكئ على عصاه مرتجفاً من البرد، وهو ينتظر دوره للحصول على دوائه.

وزير الصحة حمد حسن أكد لـ «الأخبار» أن هدف القرار «تحرير كمية من الأدوية التي تذهب إلى غير مستحقيها وضمان وصولها إلى الفئة المُستحقّة، خصوصاً أن عدد المرضى الذين يحصلون على أدويتهم من المركز زاد بعد إقفال كثير من المؤسسات أبوابها وفقدان هؤلاء للجهات الضامنة»، لافتاً إلى أنه «ليس كل قرار تأخذه الوزارة يكون هدفه زيادة ألم المريض أو معاقبته. ونسعى مع مصلحة التفتيش الصيدلي إلى تفعيل نظام تتبّع الأدوية من المستودعات إلى المريض لحفظ حقّه بالحصول على علاجه».

مصدر في وزارة الصحة العامة أوضح لـ «الأخبار» أنّ الإجراء جاء بعد اكتشاف عمليات تلاعب، إذ «تشير تحقيقات أولية إلى إقدام بعض أقارب مرضى متوفين على استغلال الأمر وبيع الأدوية في السوق السوداء، وبعض هذه الأدوية ضُبط في المطار أثناء محاولة تهريبه».

وأشار إلى أنه تم «اكتشاف استفادة أحد المرضى من حصة توازي حاجة 12 مريضاً»، ومنذ وُضع القرار موضع التنفيذ «تبيّن أن هناك نحو 150 مريضاً يقيمون خارج لبنان ، يحصل أقاربهم على أدويتهم ويرسلونها إليهم في أماكن إقاماتهم». ولفت إلى «معطيات عن تنفيذ وصفات طبية موحّدة وهمية يستعملها البعض للحصول على أدوية لمرضى ليسوا بحاجة إليها»، ما يطرح تساؤلات حول مسؤولية بعض الأطباء في هذا الملف، فضلاً عن مسؤولية بعض المُستشفيات التي «تبين أنها تبيع أدوية مرضاها الذين يُعالجون على نفقة الوزارة بعد موتهم»!

لكن، هل يُعقل أن يكون الحل بالضغط على المرضى للحضور شخصياً خصوصاً القادمين من المناطق النائية، بدل تفعيل آليات الرقابة؟

أكّد المصدر أن حسن سيعقد اجتماعاً مع دائرة التجهيز والصيادلة «لوضع آلية تحفظ للمريض حقه بتحصيل الدواء من دون عناء إضافي مع مكافحة كل عمليات التلاعب»، لافتاً إلى أنه سيجري البحث في بعض التسهيلات كإلزامية الحضور مرة كل ثلاثة أشهر أو مرة شهرياً حسب مواعيد تسليم الجرعات، «لكنّ الوزارة لا تستطيع ترك الأمور فلتانة».