IMLebanon

“قرض الرياض” يكشف عمق الخلاف السعودي الباكستاني

من غير المعتاد على السعودية أن تلح في استرداد قروضها، خصوصا للدول التي تربطها بها صداقات تاريخية. لكن ذلك لم يحدث مؤخرا مع باكستان التي ضغطت عليها الرياض لرد المال.. فلماذا يتغير موقف المملكة الآن من الحليف الاستراتيجي؟

واقترضت باكستان من الصين أمام الضغوط السعودية لرد المال، ، وردت مليار دولار للرياض، هي الدفعة الثانية من قرض، كان ميسرا، وبلغت قيمته ثلاثة مليارات دولار.

يقول الباحث بمركز الإنذار المبكر إسلام أبو العز إن التوتر الذي يشوب العلاقة بين الدولتين مؤخرا يأتي ضمن سلسلة من القرارات “أحادية الجانب اتخذتها الرياض بشأن إسلام آباد، وشملت ترحيل عمالة باكستانية في العامين الماضيين”.

وأضاف أبو العز، لموقع الحرة، أن الخلاف بدأ منذ خمس سنوات، تحديدا في أبريل 2015، حينما صوت البرلمان الباكستاني لصالح قرار يقضي بعدم التدخل العسكري في اليمن، في إطار عملية “عاصفة الحزم” التي تقودها السعودية ضد الحوثيين، وذلك بعد أن طلبت الرياض من إسلام آباد المساهمة في الحرب بسفن وطائرات وجنود.

واشار المحلل السياسي الباكستاني قمر تشيما الى أن السعودية تريد أن تتخلى باكستان عن نهجها الحيادي في القضايا التي تمثل تحديا للسياسة الخارجية للمملكة.

واتفق تشيما مع أبو العز في أن الرياض “لم تكن راضية عن قرار البرلمان الباكستاني بعدم المشاركة في حرب اليمن”.

وأضاف لموقع الحرة “التزمت باكستان الحياد فيما يتعلق بالأزمة الخليجية. كما أنها تريد الحفاظ على موقفها الحيادي من برنامج إيران النووي، الأمر الذي تتحفظ عليه السعودية”.

وفي نفس السياق يقول المحلل الهندي فايبهاف سينغ: “اتبعت إسلام آباد، تحت قيادة عمران خان والجنرال قمر جاويد

ورأى تشيما أن سبب التوتر الحالي هو عدم اتباع الحاكم الجديد في السعودية نفس الطريقة القديمة التي كان يتعامل بها الملوك مع باكستان، يضيف”القيادة الجديدة في السعودية تمر بتحول تحتاج باكستان لقبوله من أجل شراكة أطول لبضعة عقود أخرى”.

وأضاف “لا يمكن للسعودية التمسك بالسياسة الخارجية لمدرستها القديمة حين تتبنى خيارات سياسة خارجية غير تقليدية”.

وزار قائد الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجواه، السعودية يوم الاثنين، في محاولة لتخفيف حدة خلاف بين البلدين بشأن السياسات المتعلقة بمنطقة كشمير المتنازع عليها.

يقول الباحث في مركز الإنذار المبكر، إن عمران خان حاول إعادة هيكلة مجالات التعاون بين البلدين، على أسس جديدة.

وفيما يتعلق بالتعاون العسكري، قال: “تُرك بلا مساس، لكن باكستان تعهدت أن تظل قواتها العاملة في السعودية للحماية الداخلية فقط بدون تدخل خارجي أو المشاركة في عملية اليمن”.

كما أشار إلى الشراكات المتعددة بين باكستان وإيران وتركيا، وبينها وبين تركيا وروسيا في مجالات الغاز.

إلا أن رئيس مجلس العلاقات العربية الدولية طارق آل شيخان الشمري يرى أن السياسة القطرية وراء توتر العلاقات بين السعودية وباكستان، مضيفا “بعدما فشلت في تقسيم العرب، تلجأ الدوحة لاستخدام الدول الإسلامية وإغرائها بالمال”.

وأضاف لموقع الحرة “شعرت السعودية ودول الخليج التي لها علاقات قوية مع باكستان بالتحالف الخفي بين باكستان والمال القطري، ولهذا لجأت السعودية لطلب القرض”.

وأشار الشمري إلى قمة كوالامبور الإسلامية التي استضافتها ماليزيا برعاية قطرية تركية، العام الماضي، وقاطعتها السعودية، قائلا إنها “كانت محاولة لضرب منظمة التعاون الإسلامي التي تتخذ من السعودية مقرا. وبعد أن فشلت في هذا المؤتمر أيضا لجأت لباكستان”.

ورغم أن باكستان اختارت أن تنأى بنفسها أيضا عن القمة، اتفقت مع ماليزيا وتركيا على تأسيس مركز اتصال للتصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا.

ولفت المحلل الهندي، لموقع الحرة، الى أن السعوديين والإماراتيين اعتبروا قمة كوالالمبور الإسلامية “محاولة لتأسيس نظام جديد في العالم الإسلامي”.

ويأتي الضغط السعودي على باكستان لرد القرض، بعد أن طلبت إسلام آباد دعم الرياض بشأن انتهاكات هندية مزعومة لحقوق الإنسان في إقليم كشمير المتنازع عليه.

يقول أبو العز إنه خلال الجولة الآسيوية التي استهلها ولي عهد السعودية بباكستان، طلبت إسلام آباد دعم الرياض، “انطلاقا من مكانتها الدينية”، في قضية كشمير “لكن السعودية لم تقدم شيئا”.

وكانت باكستان عبرت عن إحباطها من موقف منظمة التعاون الإسلامي، التي كانت على مدى عقود الصوت الجماعي للعالم الإسلامي، حيال القضية، خاصة بعد قرار الحكومة الهندية إلغاء المادة 370 من الدستور التي تمنح إقليم كشمير المتنازع عليه وضعا خاصا.

المنظمة بدورها جددت دعوتها إلى تسوية النزاع، وفقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. كما أصدرت الخارجية السعودية بيانا حضت فيه “طرفي النزاع” في كشمير على المحافظة على السلام والتوصل إلى تسوية سلمية وفقا للقرارات الدولية.

 

وأضاف قرشي “إذا فشلت منظمة التعاون الإسلامي في عقد ذلك الاجتماع، فسنعقد اجتماعا خارج إطار المنظمة”.

ويرى سينغ أن “المسمار الأخير في نعش العلاقات السعودية الباكستانية المتوترة دُق عندما هدد قرشي بإنشاء هيئة بديلة لمنظمة التعاون الإسلامي، في ظل رفض السعودية إدانة إلغاء الهند للمادة 370”.

ويعتقد أن طلب السعودية لتسديد القرض الميسر “إشارة لاستيائها من باكستان” التي لا تزيد احتياطاتها الأجنبية على 13.3 مليار دولار، وستواجه أزمة في ميزان المدفوعات بعد الانتهاء من الدفعة السعودية التالية.

ويعلق الباحث في مركز الإنذار المبكر بقوله إن باكستان كانت تنتظر موقفا سعوديا مساندا بشكل واضح لقضية كشمير إلا أنه لم يحدث، وفي المقابل قال المحلل السياسي الباكستاني قمر تشيما إن نهج باكستان “غير المتسق” بشأن كشمير أربك الدول الإسلامية أيضا.

ويضيف الشمري: “أراد عمران خان أن يستغل علاقته بالسعودية، ويضر بعلاقاتها مع الهند، مقابل تحقيق مصالح شخصية وحزبية، لكن الرياض أدركت ذلك، ولم تدن الانتهاكات المزعومة في كشمير”.

ويصف موقف السعودية في قضية كشمير بـ”المتوازن”، مضيفا “أحلام عمران خان بأن يكون بطلا قوميا على حساب الرياض جعلت الأخيرة تتجنب التدخل في هذا الأزمة”.

ولفت الشمري إلى أن تأثر العلاقات “التاريخية والكبيرة” بين السعودية وباكستان سيكون مؤقتا، وسيزول بخروج خان من السلطة.

وفي هذا السياق يقول تشيما: “يجب أن يدرك عمران خان الديناميكيات السياسية المتغيرة في الدول العربية، وأن السياسة الخارجية للعرب لا تعتمد على العدسة الدينية فقط”.

وأضاف “يجب أن يفهم عمران خان حساسيات الدول العربية ويتعامل معها، وهذا الأمر يحتم على باكستان أن تصلح من نهجها الأيديولوجي والسياسي”.

ويقول المحلل الهندي فايبهاف سينغ لموقع الحرة إنه من غير المعتاد أن تطلب الرياض رد القرض من باكستان. ومع ذلك، لا ينبغي أن يكون الأمر مفاجئا في ضوء الإجراءات التي اتخذها خان.

وأضاف “بدأ كل شيء عندما تمادى خان في الإشادة برئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان”، الأمر الذي لم ينسجم مع السعوديين والإماراتيين.

كما أشار سينغ إلى إشادة خان، على حسابه بتويتر، بالمسلسل التركي أرطغرل، واقترح على جميع الباكستانيين مشاهدته على بي تي في (خدمة البث الحكومية الباكستانية) مما زاد من “القوة الناعمة” التركية بشكل كبير في باكستان.

لكن الباحث في مركز الأزمات الدولية يعتقد أن موقف خان من السعودية ليس مؤثرا في تغيير بنية العلاقات بين الدولتين، “رغم انتمائه لتيار سياسي واجتماعي يرفض تبعية القرار الباكستاني للسعودية”.

وتأتي هذه التطورات بعد زيارة وصفتها وسائل إعلام هندية بـ”التاريخية” لقائد الجيش الهندي، إم إم نارافاني، إلى كل من السعودية والإمارات، في وقت مبكر من ديسمبر الماضي.

واعتبر المحلل السياسي الباكستاني قمر تشيما أن الرياض لم تدين انتهاكات هندية مزعومة لحقوق الإنسان في إقليم كشمير لأنها تنظر إلى السوق الهندية الكبيرة.

إلا أن الباحث بمركز الأزمات الدولية يستبعد ارتباط توتر العلاقات مع باكستان بانفتاح العلاقات أو توسيعها مع الهند، مشيرا إلى أن الهند ترى السعودية “منجم أموال أو مصدرا لتصدير العمالة والتكنولوجيا والخدمات، بينما يتعامل السعوديون مع الباكستانيين وكأنهم تابعين لهم”.

ولا يعتقد أن يكون التقارب السعودي – الهندي موجه لتحالف إسلام آباد مع تركيا وقطر، قائلا: “هذا يتناقض مع التوجه السعودي الحالي للمصالحة مع قطر والتقارب مع تركيا”.