IMLebanon

سيناريو تصنيف لبنان “دولة فاشلة”

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:

في أرشيف العام 2020، بكامله، ربما تكون العبارة الأكثر إثارة لقلق اللبنانيين، على الإطلاق، هي تلك التي أوردها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، وحرص على تكرارها: «انتبهوا. لبنان، كما هو ذاهب الآن، سيبلغ وضعية التحلُّل». فهذا التوصيف يحمل مغازيَ عميقة وشديدة الخطورة، لأنّه لا يعني احتمال سقوط المؤسسات فحسب، كما في بعض مراحل الحرب الأهلية، بل أيضاً تحلُّل لبنان كدولة أو ككيان.

الكلام الذي يُسمَع في كواليس بعض الأوساط الديبلوماسية الغربية، عن مستقبل الوضع اللبناني، يبرِّر تماماً مخاوف الفرنسيين. وتالياً، هو يفسِّر سرَّ «استقتال» باريس لفرملة الانهيار اللبناني، وتخصيص الرئيس إيمانويل ماكرون جزءاً أساسياً من جهوده، خصوصاً بعد انفجار المرفأ، لإيجاد تسوية للوضع اللبناني، وبأي ثمن.

يتردّد أنّ الفرنسيين توصلوا إلى استنتاجات، مبنية على معلومات ووقائع وتحليلات، مفادها أنّ لبنان الحالي، بصيغته التاريخية، يتعرّض للمرّة الأولى منذ 100 عام، لخطر الزوال، تحت ضغط التجاذبات والتحوّلات المقبلة على الشرق الأوسط، وبتأثير من نزاعات المحاور الإقليمية والدولية، وربما تؤدي إلى تمزيقه.

ويخشى الفرنسيون أن يكون الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي هو المدخل للانهيار الاجتماعي والأمني والسياسي، أي لانهيار الدولة الحالية (دولة الطائف) والكيان الحالي (كيان 1920) ونشوء دولة بديلة (أو دولٍ)، وكيانٍ بديل (أو كيانات).

وفي هذا السياق، يجري الحديث عن السيناريو الآتي: إذا لم تنجح المبادرة الفرنسية لإيجاد تسويةٍ ظرفية للوضع اللبناني، وإذا بقي لبنان مسحوقاً تحت ضغط المواجهة بين إيران من جهة والولايات المتحدة وحلفائها العرب وإسرائيل من جهة مقابلة، فإنّه سيذهب نحو الكارثة بلا ضوابط، وبكل المعاني.

فالفقراء الذين هم اليوم قرابة 55% من السكان، والذين يقارب نصفهم حال الجوع، ستزداد نسبتهم ويتسع الفارق بينهم وبين الأغنياء. ولن تنفع «كَراتين الإعاشة» الدولية من تخفيف حدّة الاحتقان الاجتماعي. والدليل هو تقارير قوى الأمن عن ارتفاع لافت في مستويات الجريمة العادية خلال العام 2020.

وتخشى الأوساط إيّاها، أن يكون العام 2021 استكمالاً سيئاً للعام الحالي، إذا شاءت الظروف أن يستمرّ المتنازعون إقليمياً ودولياً في تصعيدهم ومراهناتهم المتبادلة على تحسين الشروط وتحقيق الانتصارات، ما يؤجّل فرص التوافق، خصوصاً على جبهة واشنطن- طهران- ولو رحلت إدارة الرئيس دونالد ترامب- وعلى المحور الإسرائيلي.

في هذه الحال، لن تكون أمام لبنان فرصة للنجاة. والاهتراء الاجتماعي سيتسبّب بحال من عدم الاستقرار، فيما موظفو القطاع العام، بمن فيهم عناصر المؤسسات والأجهزة المعنية بالأمن، سيعانون من ذوبان رواتبهم بالكامل، ما يعوق قدرتهم على أداء الواجب كما يرام.

أما منظومة السلطة والطبقة السياسية، فعلى الأرجح ستكون غارقة في ملفات الفساد المفتوحة، تحت أعين المجتمع الدولي، وستكون في حال من العزل والحصار بسبب العقوبات الأميركية المتلاحقة، والتي تَرِدُ معلوماتٌ، عن أنّ دفعة «ثقيلة» منها قيد التحضير، وستستهدف أركان المنظومة جميعاً.

في هذه الحال من العجز الكلي والاهتراء، سيكون مطروحاً مصير الدولة والمؤسسات على بساط البحث، وستسارع القوى الإقليمية والدولية المعنية بلبنان إلى تكريس حضورها، بحيث تكون لها الغلبة في «لبنان الجديد»، أو بحيث لا تخرج مهزومة بالكامل، على الأقل.

وهنا يتحدث المتابعون عن السيناريو الآتي: في ظلّ هذا الاهتراء الشامل، ستسارع القوى الدولية إلى تصنيف لبنان دولة فاشلة، ما يستدعي وضع البلد ومقدراته كلها تحت الوصاية الدولية لفترة معينة. وخلالها يتمّ تدبير مخارج من المأزق الاقتصادي والاجتماعي وإنهاء المفاوضات مع إسرائيل حول الحدود، وإقرار عقد وطني جديد بين اللبنانيين.

وطبعاً، هذا السيناريو يلقى معارضة شديدة من «حزب الله» ويعتبره تطويقاً له، وسيواجهه بكل قوته. وثمة مَن يعتقد أنّ الاختلاف هنا ربما يقود إلى خلاف داخلي يرتدي طابعاً طائفياً ومذهبياً، ويفرض قيام مفاوضات طوائفية سريعة وإقرار صيغة وطنية جديدة.

ولكن، هناك مَن يَعتبر أنّ هذا التصوُّر متفائل جداً. فليس مضموناً أن يبقى الخلاف الداخلي «على البارد» وأن ينتهي سريعاً بسلام وتَوافق. فالاحتدام وتشابك المصالح بين المحاور الخارجية المتنازعة ربما يتحوَّل مواجهة ساخنة، قوامها الجائعون والمحبَطون والطامحون إلى الانتصار، في ظلّ انعدام أي دور للمؤسسات والأجهزة.

إذا حصل ذلك، فسيكون قمة الكارثة. وللتذكير، سيكون ذلك على أبواب سنة 2022، سنة الاستحقاقات المشكوك في إنجازها: انتخابات رئاسية ونيابية وبلدية… وحكومة تصرِّف الأعمال.

وهنا تصبح الخيارات كلها واردة، لأنّ أبواب المقايضات ستُفتَح على مصراعيها بين قوى الداخل والخارج. ولا أحد يستطيع التكهُّن: مَن سيُعطي مَن؟ وماذا؟ وأين؟ وكيف سيقبض الثمن؟ وتالياً، كيف سيكون لبنان بعد ذلك؟