IMLebanon

سيادة بسمنة وأخرى بزيت

في حزيران الماضي، استدعى وزير الخارجية آنذاك ناصيف حتي السفيرة الاميركية دوروثي شيا بعد تصريحات ادلت بها لاحدى القنوات التلفزيونية العربية حملت فيها على حزب الله، متأثرا بضغوط مارسها الفريق الممانع في البلاد الذي اعتبر كلام شيا تجاوزا للاصول الدبلوماسية، وقد قالت فيه إن بلادها “تشعر بقلق كبير حيال دور حزب الله المصنف منظمة إرهابية”، متهمة الحزب بأنّه “حال دون إجراء بعض الإصلاحات الاقتصادية التي يحتاج اليها الاقتصاد اللبناني إلى حد بعيد”. وإثر كلامها هذا، اصدر قاضي الأمور المستعجلة في صور محمد مازح قراراً، لا يُعد ملزماً، يمنع وسائل الاعلام المحلية والأجنبية في لبنان من إجراء “أي مقابلة مع السفيرة الأميركية.. لمدة سنة، تحت طائلة وقف الوسيلة الإعلامية المعنية، عن العمل لمدة مماثلة”. وفي وقت صوّب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بقوّة على موقف شيا و”وقاحتها”، وفي حين طالبت كتلة الوفاء للمقاومة “الخارجية” بالتحرك، وقد دان احد اعضائها حسن فضل الله بشدة “السلوك العدواني لهذه السفيرة” معتبراً اياه بمثابة “تجرؤ وقح على الدولة، وتحدّياً لقوانينها ولأحكام سلطتها القضائية”، معتبرا تصريحاتها “اعتداءً سافراً على سيادة بلدنا وكرامته الوطنية”، ومطالباً السلطات بـ”تحرك فوري لإلزام هذه السفيرة احترام القانون الدولي”.. كان للحزب ما أراد، فاستُدعيت شيا الى قصر بسترس.

اليوم، أطلق قائد سلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني أمير علي حاجي زاده موقفا مدويا، يتخطى، وفق ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، بمفاعيله، مواقف شيا، كونه يملك ادوات عسكرية قادرة على ترجمته على الارض. فقد اكد أن “كل الصواريخ الموجودة في غزة ولبنان تمت بدعم إيراني”، مؤكداً أنها الخط الأمامي الايراني لمواجهة إسرائيل. وقال زادة، في مقابلة مع وكالة “تسنيم” التابعة للحرس الثوري، إن “المفاوضات حول قدراتنا الصاروخية خط أحمر”، مضيفا: “لم يجبرنا أحد على تحديد مدى 2000 كيلومتر لصواريخنا”…فأين الدولة اللبنانية اليوم من هذا الكلام؟ نصرالله أكد، في كلمته مساء امس، ما أعلنه زاده، وإن حاول القول إن موقف المسؤول الايراني تعرّض للتحوير: فالصواريخ موجودة وهي بإمرة ايران، ووفق المصادر، ثمة مثل فرنسي يقول “من يعطي، يأمر”.

لبنان الرسمي لم يحرّك ساكنا. وحتى الساعة، اقتصرت ردة الفعل الرسمية على تغريدة لرئيس الجمهورية قال فيها “لا شريك للبنانيين في حفظ استقلال وطنهم وسيادته على حدوده وأرضه وحرية قراره”.. واذ ترى ان هذا الموقف يأتي من باب رفع العتب، لمحاولة إسكات الخصوم الذين سارعوا الى السؤال عن موقف الدولة من تصريحات زاده التي تخرق السيادة اللبنانية وتضربها في الصميم، تشير المصادر الى ان المطلوب استدعاء السفير الايراني في بيروت، تماما كما حصل مع السفيرة الاميركية. فالسيادة لا تُجزّأ، ولا يمكن الكيل فيها بمكيالين. فاذا خُرقت من قبل مَن يعارضون الحكم، تتصرّف الدولة، وإن انتُهكت على يد حلفاءِ الحكم، يجري السكوت عنها.

السلوك الرسمي اليوم، يشكّل امتحانا جديدا للمنظومة، تتابع المصادر. فإذا انتفضت لكرامة اللبنانيين وأحسنت الاداء، يمكن ان تترك خطوتها هذه تداعيات ايجابية على صورة لبنان – الدولة المهشّمة في نظر الدول العربية والخليجية التي ابتعدت عنه بعد ان باتت تعتبره “كانتونا” ايرانيا.. فهل تنجح السلطة في هذا الاختبار؟