IMLebanon

عهود لبنان مع رؤساء الحكومات… صراع زعامات وخيارات

كتب يوسف دياب في صحيفة الشرق الأوسط:

الخلافات التي تحكم علاقة الرئيس اللبناني ميشال عون، برئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، ليست حالة فريدة ولا سابقة في تاريخ لبنان، إذ دائماً ما كانت التباينات تطغى على تفاهمات الرئاستين الأولى والثالثة منذ الاستقلال في عام 1948 مروراً بحقبة الحرب الأهلية وانتهاءً بالعهود التي تعاقبت على الحكم بعد اتفاق الطائف. وغالباً ما عبّرت هذه التباينات عن صراع نفوذ حيناً على الزعامة وتثبيت كلّ منهم زعامته في المعادلة الداخلية تارة، وأحياناً على الخيارات السياسية التي حوّلت لبنان ساحة مفتوحة للنزاعات الخارجية.

 

يختلف وصف صراعات المرجعيتين بين عهد وآخر، قلّما سادت لغة الانسجام بينهما وفق تعبير مَن عايشوا تلك العلاقات منذ منتصف القرن الماضي، خصوصاً عندما يكون الافتراق على قضايا مصيرية. إلا أن الأخلاق السياسية قبل الحرب (1975 – 1990) كانت تلعب دوراً في «إدارة» النزاعات وإبقائها «مضبوطة»، لأسباب عديدة أبرزها: أن الكلّ كان يقرأ الدستور ويطبقه، كما كانوا يمارسون الحكم على أساس وجود سلطة تحكم ومعارضة تراقب وتحاسب، مع مراعاة مبدأ استقلالية السلطات وتعاونها، بخلاف الواقع الحالي القائم على قاعدة «دمج السلطات وتطاحنها».

 

على قاعدة «أن من لا يقرأ التاريخ ويأخذ العبرة منه، لا يمكنه أن يبني مستقبلاً، تقف القيادات اللبنانية إزاء أزمة الحكم الراهنة في لبنان خارج هذه المعادلة، لا بل إن بعضها يجد في ممارساته استمراراً للحقبة الماضية»، يقول الوزير السابق رشيد درباس في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

 

ويتابع الوزير السابق أن «الخلاف بين رؤساء الجمهورية ورؤساء الحكومات في مرحلة ما بعد الاستقلال، كان دائماً صراع زعامات، وكانت انطلاقته بين الرئيس بشارة الخوري (أول رئيس للبنان بعد الاستقلال) ورئيس الحكومة رياض الصلح، فكان خلافهما أشبه بـ(منازلات الديوك)، باعتبار أنهما زعيما الاستقلال». ويلفت درباس إلى «استمرار التباين بين القصر الجمهوري والسراي الحكومي، إلى أن تفجّر على الخيارات بين الرئيس الراحل كميل شمعون، الداعي –في حينه– لانضمام لبنان إلى «حلف بغداد»، وبين رئيس الحكومة الراحل رشيد كرامي الذي كان ضمن المعسكر المؤيد للوحدة بين مصر وسوريا، في منتصف الخمسينات من القرن الماضي.

 

 

رفيق الحريري «رافعة عهد» إلياس الهراوي

 

لم يكن المشهد مختلفاً في العهود التي نشأت بعد «اتفاق الطائف»، غالباً ما عصفت الخلافات بين رؤساء الجمهورية والحكومات، وهذا ما استهلّ في علاقة الرئيس الراحل إلياس الهراوي برئيس الحكومة الراحل عمر كرامي، على قضايا كثيرة وأساسية، بدءاً من الاختلاف على مقرّ انعقاد مجلس الوزراء، وانتهاءً بترؤس رئيس الجمهورية جلسات الحكومة، مروراً بتباعد الرؤى على الصلاحيات. ولقد استمرّ هذا التباعد إلى أن سقطت حكومة كرامي تحت ضغط الشارع في عام 1992 بسبب انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي.

 

غير أن «المرحلة الذهبية» من عهد الهراوي كانت بوصول الرئيس رفيق الحريري إلى رئاسة الحكومة، فكانت مرحلة تحوّل حقيقية، أسست لمحو آثار ما خلّفته الحرب، والدخول في عملية بناء مؤسسات الدولة المتصدّعة. وهنا يؤكد الوزير درباس أن الهراوي «وجد في رفيق الحريري رافعة عملاقة لعهده، بدأت بإعادة إعمار لبنان وبناء ما دمرته الحرب الأهلية». ويرى أن «وصول إميل لحود إلى رئاسة الجمهورية تُرجم تغييراً للنهج السوري في لبنان، وتعبيراً واضحاً عن امتعاض نظام آل الأسد من تمادي الحريري في مشروع بناء الدولة، فقرّروا وضع حدّ لهذه الاندفاعة عبر تنصيب إميل لحود رئيساً للجمهورية، وتوكيله بمهمة إحباط مشروع الحريري وتهديم كل ما بناه». ويلفت درباس إلى أن «انتصار رفيق الحريري في انتخابات عام 2000 فرض على لحود مساكنة بشعة، خصوصاً، مع تراجع نفوذ (الرئيس السوري الراحل) حافظ الأسد لصالح نجله بشّار، الذي استكمل مشروع تطويق الحريري سياسياً واقتصادياً… وحتى أمنياً وصولاً إلى اغتياله في شباط فبراير (شباط) 2005».

 

 

«إعلان بعبدا» والانقلاب عليه

 

بعد عهد لحود وما رافقه وتلاه من اغتيالات، وتبعه فراغ رئاسي دام ثمانية أشهر، وأيضاً بعد اجتياح بيروت وجبل لبنان عسكرياً من «حزب الله» وحلفاء النظام السوري، انتُخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. وحسب درباس: «ميشال سليمان كان حكيماً، واستطاع التفاهم مع رؤساء الحكومات (فؤاد السنيورة، وسعد الحريري، ونجيب ميقاتي، وتمام سلام)، وتمكّن من رعاية الحوار الوطني في قصر بعبدا، وتأمين إجماع وطني على (إعلان بعبدا)، الذي اعتمد سياسة النأي بالنفس وتحييد لبنان عن أزمات المنطقة. لكنّ (حزب الله) سرعان ما انقلب على هذا التفاهم، وبات يسمّي سليمان (ساكن قصر بعبدا) بدلاً من تسميته رئيس الجمهورية، ثم ذهب إلى القتال في سوريا بخلاف إرادة باقي المكوّنات اللبنانية».

 

كثيرون يجدون «مبرّراً» للاختلاف الذي طبع عهود ما قبل «اتفاق الطائف» عن العهود الذي خرجت من رحم «وثيقة الوفاق الوطني». ويذكّر النائب السابق صلاح حُنين، بأن «رئيس الجمهورية قبل الطائف كان الحاكم المطلق بفعل صلاحياته الواسعة، فكان يختار رئيس الحكومة القريب من سياسته، ويشكّل معه الحكومة التي تناسبه». وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أعطى حنين أمثلة كثيرة على ذلك، لافتاً إلى أن «الرئيس بشارة الخوري كان في خندق واحد مع رئيس الحكومة رياض الصلح، رغم التباينات التي برزت بينهما لاحقاً. كذلك كان الانسجام كاملاً بين الرئيس (الجمهورية) فؤاد شهاب والرئيس (الحكومة) رشيد كرامي، وأيضاً (رئيس الجمهورية) سليمان فرنجية مع (رئيس الحكومة) صائب سلام، وبين الرئيس إلياس سركيس والرئيس سليم الحص».

 

 

فؤاد شهاب لا يتكرّر

 

صراعات الرئاستين الأولى والثالثة القائمة بأوجه مختلفة وبحدّة متفاوتة، قبل الحرب وبعدها، لا تفسّر على أنها صراعات بين الموارنة والسنة، وفق تعبير وزير العدل السابق الدكتور شارل رزق، الذي عاصر العهود منذ الرئيس فؤاد شهاب في ستينات القرن الماضي. إذ يؤكد رزق لـ«الشرق الأوسط»، أن الأمر «مرتبط بشخصية رئيس الجمهورية ومدى إدراكه لإدارة البلد بالتفاهم من المكونات الأخرى». وهو يرى أن «الرئيس شهاب كان حالة استثنائية لا تتكرّر، ورجلاً حكيماً في استيعاب البلد وتناقضاته. وبالتالي، استطاع بالتفاهم مع الرئيسين رشيد كرامي و(رئيس مجلس النواب) صبري حمادة، أن يحوّل عهده إلى عهد الإنجازات وبناء مؤسسات الدولة». وفي المقابل، لا يجد رزق داعياً للغوص في عهد الرئيس ميشال عون، إذ يرى أن هذا العهد «مسيّر كلّياً من (حزب الله) وإيران، وبذلك حوّل لبنان إلى دولة فاشلة وقاصرة عن إدارة شؤونها بذاتها». وردّ الأمر إلى «قلّة الإدراك والخبرة السياسية في إدارة البلد، وهو ما قد يضع لبنان أمام وصاية دولية يشتم رائحتها في مطابخ القوى الدولية».

 

 

الحريري وخسارة الحلفاء

 

لقد سجّل العهد الحالي رقماً قياسياً في التعطيل والشلل وتسريع عملية الانهيار، ويعزو الوزير السابق رشيد درباس الأمر إلى «استحالة خروج ميشال عون من الماضي» ورفضه «التأقلم مع دستور الطائف». ويمضي شارحاً: «عون لم يتغيّر ولا يزال تتحكّم به عقلية رئيس الحكومة العسكرية… إن كثيرين خُدعوا واعتقدوا أن ميشال عون تغيّر بعد عودته من منفاه في باريس، وأول مَن خُدِع به سعد الحريري و(رئيس حزب القوات اللبنانية) سمير جعجع». ومن ثم، يصف درباس عون بأنه «رجل انقلابي ويريد حكماً رئاسياً بأي ثمن، كما يريد دولة يحكمها بالشكل، لكنها في المضمون محكومة بإرادة (حزب الله)». ويشدد على أن «التنازلات الكبيرة التي قدّمها سعد الحريري لم تُبقِ له حلفاء في الداخل ولا في الخارج… وأنا أعتقد أن أزمتنا طويلة، لأننا دخلنا في صميم الصراع الإقليمي والدولي».

 

من جانب ثانٍ، فإن ما يشهده اللبنانيون من أزمات الآن ليس نتاج الغموض في بنود الدستور كما يرى البعض ولا في التباس نصوصه، بل هو نتاجٌ لصراع على السلطة ومقاربات آليات الحكم بين المؤسسات. ويشير النائب السابق صلاح حنين -وهو محامٍ وخبير دستوري- إلى أن «الاختلافات في مرحلة ما بعد الاستقلال كانت تحترم القِيَم، لأن رؤساء الجمهورية والحكومات كانوا يحترمون الدستور ويطبقونه بشكل سليم. أما مشكلتنا القائمة اليوم فتكمن في تقدّم الأعراف على المواد الدستورية، لأن كلّ الأحزاب رغم تناقضاتها وحروبها تريد أن تكون في الحكومة وجزءاً من السلطة، بل كلّ منها يريد تشكيل الحكومة وفق رؤيته وتسييرها بما يخدم أجندته». ويضيف: «لكي ينجح الحكم فإنه يحتاج إلى مؤسسات تعمل، والمؤسف أننا نفتقر اليوم لهذه المؤسسات، إذ لا حكومة ولا مجلس نيابي فاعل ولا رئاسة جمهورية تمارس دورها المنصوص عليه في الدستور».

 

 

فاتورة السلاح والوصايات

 

وكما دفع لبنان ضريبة هيمنة السلاح الفلسطيني في السبعينات، ثم فاتورة الوجود السوري حتى عام 2005 تاريخ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، ها هو يدفع اليوم فاتورة الوصاية الإيرانية. وعند هذه النقطة يقول الدكتور رزق: «ليت العهد الحالي تواصل مع الإيرانيين مباشرةً، وتحاور معهم حول مصلحة لبنان، لتجنيب البلاد تداعيات الدور الإيراني في المنطقة». ويرى أن عهد عون «اكتفى بأن يكون تحت ظلّ الوصاية الإيرانية المتمثِّلة بـ(حزب الله)، وأن يؤمّن الغطاء السياسي لهذا الحزب، وهو ما وضع البلاد تحت عزلة عربية ودولية غير مسبوقة».

 

صحيحٌ أن المواجهة بين رئاسة الجمهورية وما تمثّل، ورئاسة الحكومة وما تمثّل، بلغت ذروتها في عهد الرئيس إميل لحود، الذي خاض حرب إلغاء سياسية واقتصادية -وحتى أخلاقية- مع رفيق الحريري، عبر ملاحقة أقرب المقرّبين منه وزجّهم في السجون، واستخدام القضاء والأمن أداة لتنفيذ هذه الحرب، إلا أن لحود خسر تلك الحرب مع عودة رفيق الحريري إلى السلطة على حصان أبيض، جرّاء فوزه الكبير في انتخابات عام 2000، لكنّ هذا الفوز أسّس لأخطر مرحلة في حياة اللبنانيين، إذ فتح البلاد على الاغتيالات السياسية، التي بدأت مع محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 2004 بعد أسابيع قليلة على التمديد لإميل لحود. ثم اغتيال الحريري المُزلزِل في 14 فبراير 2005 الذي تلته سلسلة طويلة من الاغتيالات طالت وزراء ونواباً وقيادات أمنية وحزبية وإعلاميين مناوئين للنظام السوري وللسطوة الإيرانية على لبنان.

 

أخيراً، لا يحمّل صلاح حنين مسؤولية الصراع مع رفيق الحريري للرئيس لحود وحده، إذ يذكّر بأن الأخير «كان ينفّذ رغبة السوريين، الذين يضغطون على الحريري بشكل غير معهود، لأنه كان يواجه بشكل غير مباشر هيمنتهم على السلطة في لبنان وتدخلهم بكل شاردة وواردة». ويؤكد حنين أن «ما سهّل على السوريين فرض قراراتهم وخياراتهم، وجود قيادات وأحزاب قوى سياسية في لبنان تؤيدهم بذلك، وهي نفس القوى المتحالفة الآن مع إيران من خلال (حزب الله)».

 

 

عون في الحرب كما في السلم… لم يتغيّر

 

> ممارسات العماد ميشال عون للسلطة إبان الحرب الأهلية اللبنانية، جاءت متطابقة مع سياسته المعتمدة في مرحلة السلم. ويتوقف سياسيون عايشوا حكم «الجنرال» في محطات مهمة خلال رئاسته للحكومة العسكرية ما بين عامي 1988 و1989 ليؤكدوا أنه «عندما أصدر رئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميل مرسوم تشكيل حكومة عسكرية برئاسة عون، كانت مهمة هذه الحكومة تهيئة الأجواء لانتخاب رئيس للبلاد، لكن عندما فشل عون في إقناع السوريين بانتخابه رئيساً، أعلن حرب التحرير ضدّ الجيش السوري إلى حين إخراجه من لبنان، وتوعّد بـ(تكسير رأس حافظ الأسد). لكن النتيجة كانت معاكسة تماماً، إذ جرى تدمير لبنان، وتمكّن السوريون من تدمير القصر الجمهوري الذي فرّ منه عون هارباً إلى السفارة الفرنسية».

 

ويدحض السياسيون المتابعون لسلوك رئيس الجمهورية منذ نهاية التسعينات، مقولة أن «اتفاق الطائف فُرض فرضاً على النواب المسيحيين الذين شاركوا في المفاوضات». ويشدد هؤلاء على أن عون «كان يواكب ساعة بساعة مسار نقاشات النواب المسيحيين في الطائف، ويوافق على كلّ بند من بنوده قبل إقراره، غير أنه سرعان ما انقلب على الاتفاق لمجرّد أنه تمّ التوافق على انتخاب النائب رينه معوّض رئيساً للجمهورية بعد الطائف، وذهب إلى حلّ المجلس النيابي. وعندما فوجئ بقبول (القوات اللبنانية) هذا الاتفاق من أجل إنهاء الحرب الأهلية وإخراج لبنان منها بعدما أنهكت شعبه ودمرّت مؤسساته، ووضعه على سكّة التعافي، لم يتردد عون في إعلان ما يعرف بـ(حرب الإلغاء) على القوات، بذريعة توحيد البندقية في المنطقة الشرقية، ورفض أي سلاح غير سلاح الجيش اللبناني». ويرى هؤلاء أن تلك الحرب «دمّرت المجتمع المسيحي، وأسهمت في تعميق الجراح بين عائلاته، وهجّرت الآلاف من شبابه إلى الخارج».

 

وكما في حقبة الحرب كذلك في زمن السلم. إذ عاد «الجنرال» من منفاه الباريسي إلى لبنان في 7 مايو (أيار) 2005، بعد اغتيال رفيق الحريري محتفياً بـ«إقناعه» الأميركيين بإقرار «قانون محاسبة سوريا» رداً على ارتكابات نظامها في لبنان، ومطالباً بحلّ كل الميليشيات المسلّحة وحصر السلاح بيد الدولة فقط. إلا أنه لم يتأخر في التحالف مع أبرز هذه الميليشيات وأكثرها تقويضاً للدولة، عندما سارع إلى إبرام تفاهم كنيسة «مار مخايل» مع أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، ثم غطى اجتياح «حزب الله» لبيروت وجبل لبنان في 7 مايو 2008، وارتضى أن يكون السبب المباشر في الفراغ الرئاسي عام 2007 إثر انتهاء ولاية إميل لحود الممدّدة، ثم عام 2014 مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان. ويؤكد السياسيون أن الرئيس عون «يضع أمام ناظريه هدفاً واحداً هو الانقلاب على الطائف، والعودة إلى الحكم الرئاسي، وإذا لم ينجح بتعديل الطائف بالنصوص، يسعى إلى تكريس أعراف انقلابية في الممارسة».

 

 

الضريبة الباهظة لهيمنة السلاح والوصايات

 

> لم يكن لبنان في يوم من الأيام جزيرة معزولة عن محيطه العربي، بل كان البلد الأكثر تأثراً بما يجري من أحداث في المنطقة. إلا أنه دائماً ما يبقى الحلقة الأضعف والضحية الأولى لسياسات تُفرض عليه رغم إرادة أبنائه، بدءاً من «اتفاق القاهرة» الذي شرّع السلاح الفلسطيني، ومنحه حقّ تنفيذ عمليات عسكرية ضدّ إسرائيل انطلاقاً من الأراضي اللبنانية، وانتهاءً بالسلاح الإيراني الذي جعل منه ساحة مفتوحة تصفّي عبرها طهران حساباتها مع العالم. وكما عانى البلد الصغير تداعيات الوجود الفلسطيني المسلّح، الذي انتهى باجتياح عسكري إسرائيلي للبنان عام 1982 وصولاً إلى العاصمة بيروت، ثم عانى طويلاً من آثار الهيمنة السورية، والمؤسف أن القبضة الأمنية والعسكرية السورية المباشرة لم تنتهِ إلا باغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري عام 2005.

 

واليوم يرى المراقبون أن «الفراغ الحكومي الناجم عن خلاف رئيس الجمهورية مع الرئيس سعد الحريري على شكل الحكومة العتيدة والحقائب والأسماء، يبقى أبعد من صراع الرجلين على آلية الحكم». ويُعرب هؤلاء عن أسفهم لأن يكون «العهد القوي مجرّد واجهة تغطي أدوار (حزب الله) في الداخل والخارج، ويرهن البلد لصالح الأجندة الإيرانية». ويتخوّف هؤلاء من «الكلفة الباهظة التي قد يدفعها لبنان ثمن التخلّص من النفوذ الإيراني الموجود في السلطة»، ويؤكدون أنه «لم يسبق للبنانيين أن عايشوا مثل هذه السياسات التي أوصلت البلد إلى الانهيار على كلّ الصعد، وحولّت لبنان من بلد ديمقراطي ليبرالي، إلى دولة فاشلة بكل المقاييس».