IMLebanon

الحكومة الى ما بعد بعد بايدن؟

كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:

تتزامَن الوساطات على الخط الحكومي لجمع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري مجدداً لاستئناف عملية التأليف، مع وصول الرئيس الأميركي جو بايدن الى البيت الأبيض وبدء ولاية الإدارة الأميركية الجديدة رسمياً، في وقتٍ كان يُربط التأليف طوال الأشهر الثلاثة الأخيرة منذ تكليف الحريري بانتهاء ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، نظراً للترقّب الذي كان سائداً طوال تلك الفترة لأيّ «أمر تنفيذي» قد يُصدره ترامب يُشعل المنطقة والعالم، ويُطاول إيران مباشرة أو عبر «حزب الله»، فضلاً عمّا كان يُقال عن فرض عقوبات على الحكومة الجديدة أو مسؤولين في حال ضَمّت هذه الحكومة وزراء لـ«حزب الله».

تسلُّم بايدن مقاليد رئاسة الإدارة الأميركية قد يُحرّر المعنيين بتأليف الحكومة من «مخاوفهم»، بحسب أوساط سياسية مُطلعة، فيما تؤكد مصادر معنية أن لا علاقة لهذا الشأن الأميركي بتأخير التأليف، إذ إنّ عون والحريري، لو اتفقا، لكان في إمكانهما فرض التشكيلة الوزارية، ولم يكن في إمكان أحد لا الأميركي ولا غيره من إيقافها. وترى هذه المصادر أنّ العقدة الحكومية داخلية مع قليل من التأثير الخارجي.

في الموازاة، وعلى رغم مساعي التهدئة بين عون والحريري، إلّا أنّ الطرفين متمسكان بمواقفهما وبمعاييرهما ونظرتيهما الحكومية. وفي حين يؤكد فريق رئيس الجمهورية أنّ المطلوب واضح ومُنبثق من الدستور، وهو الشراكة في التأليف بين المولجين إجراء هذه العملية الدستورية، وحدة المعايير، ومنع الغبن في حقوق أي طائفة أو فريق، يستمرّ فريق تيار «المستقبل» في توجيه الاتهام بالتعطيل الى العهد وفريقه ومن ورائه رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، كذلك من ورائه «حزب الله»، بحسب بعض المسؤولين في «المستقبل».

ويرى هؤلاء أنّ التأخير مَردّه سببين: الأوّل، باسيل الذي يعتبرون أنّه «الرئيس الظل» الذي عوقِب أميركياً بسبب الفساد وأصبح مُدركاً حكماً أنّه لن يكون في أي تشكيلة حكومية في المدى المنظور، ويريد أن يعاقب الجميع إذا لم يتبدّل هذا الوضع. والثاني «حزب الله»، الذي يترك الأوضاع على ما هي عليه منتظراً «ما بعد بعد بايدن»، الى ان تتظَهّر السياسة الأميركية الجديدة تجاه طهران، فضلاً عن أنّ انحلال الدولة لمصلحة هذا الفريق المرتبط عضوياً بإيران وملتزم التوجيهات الإيرانية».

ويردّ هؤلاء سبب اعتقادهم هذا الى أنّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله «لا يُترجم قوله إنّه مع تأليف حكومة سريعاً عملياً، إذ كان عليه أن يتحرّك، فهو كما الجميع يعلم من يعرقل التأليف لأنّه يريد «ثلثاً معطّلاً» وأن يسمي وزراء في الحكومة خارج المعيار المحدد لها، أي وزراء اختصاصيين من غير الحزبيين». ويذهب البعض في تيار «المستقبل» الى أبعد من ذلك، معتبراً أنّ «فريق عون وباسيل يستخدم «ألفاظاً طائفية مقيتة» في هذا الظرف لتحقيق مصالحه، وصولاً الى طرح المؤتمر التأسيسي لإفساح المجال مجدداً أمام باسيل ليصل الى رئاسة الجمهورية، وهذا الأمر مرعب ومخيف».

إلّا أنّ «حزب الله» يؤكد أنّه يريد تأليف الحكومة، وأنّه لا يقف متفرجاً، بل سعى وما زال مع كلّ من عون والحريري الى تقريب وجهات النظر وتأمين التأليف، لكنّ مسعاه هذا لم يلقَ تجاوباً بعد من أي طرف، ففريق عون يعتبر أنّ الحريري يريد أن يأخذ حصته والحريري يعتبر أنّه رئيس الحكومة وهو من يقرّر. وترى مصادر مُطلّعة على الوساطات الأخيرة على الخط الحكومي أن «لا جديد حكومياً، بل حركة بلا بركة، وأننا لا نزال مكاننا في المربّع نفسه». وتؤكد مصادر مطلعة على موقف «الحزب» أن لا علاقة لتسلُّم بايدن بالتأليف، وتسأل: «هل انّ بايدن سيهتم بلبنان ويفكر فيه في اليوم الثاني لتسلُّمه سدة الرئاسة؟».

واللافت أنّه في حين يؤكد الحريري أنّه قدّم لعون تشكيلة كاملة تضمّ أسماء الوزراء جميعاً، تؤكد المصادر المطلعة على موقف «الحزب» أنّ «الثنائي الشيعي» لم يُسلّم الحريري أسماءً وأنّه لن يقبل تلقائياً بأي أسماء سبق أن ضُمّت الى أي تشكيلة، بل إنّه متمسك بالاتفاق القائم مع الحريري على أنّه حين يتفق مع عون يُسلّمه أسماء الوزراء الشيعة. وهذا يشير الى أنّ التأليف ما زال في المربّع الأول، على رغم الكلام عن أنّ هناك بعض العقد فقط. ويشير مطلعون على الوساطات الجارية الى أنّه لم يتم حتى الآن الاتفاق على الأسماء، وكذلك لم يحسم عدد الوزراء، فضلاً عن الحصة المسيحية. هذا فضلاً عن أنّ الحريري مصرّ على أنّه يتعاون مع عون، فيما يقول الأخير إنّ الحريري لا يتعاون معه ويريد فرض أسماء الوزراء، ومنهم المسيحيون، وأنّه يستمرّ في العملية الحسابية بأنّ «هذا مع ذاك» يُشكّل «ثلثاً معطّلاً»، الأمر الذي يرفضه نهائياً.

وتؤكد المصادر المطلعة على موقف «الحزب» أنّ اتهامه بالوقوف وراء تعطيل التأليف غير صحيح، فـ»هل المطلوب أن يستخدم صواريخ لفرض التأليف؟»، وتضيف: «الحزب يسعى بـ»المَونة»، ويرى أنّ كلّاً من عون والحريري محقّ في وجهة نظره في مكانٍ ما، لذلك يعمل على التقريب بين وجهات النظر». وانطلاقاً من ذلك، يقول المطلعون على الوساطات إنّ عون والحريري «مْكَعْيّين الكِلّ»، فحتى «رجل الوساطات» اللواء عباس ابراهيم، والذي يتحرّك برضى رئيس مجلس النواب نبيه بري و»الحزب»، لم يتمكّن حكومياً من الوصول الى نتيجة بعد

وعلى عكس اعتقاد البعض، لم يضع «حزب الله» يديه في مياه باردة مع وصول بايدن، فـ«تصريحات فريق الرئيس الأميركي الجديد ليست أفضل من تصريحات ترامب»، وإذ يرى «الحزب» أنّه قد يكون هناك بعض الحَلحلة الأميركية مع إيران، إلّا أنّه غير متفائل بل حَذِر.

وسط كلّ هذه المعطيات، يرغب «الحزب» في تأليف الحكومة ويؤكد عدم صحة نظريات البعض عن أنّه يستفيد من انهيار الوضع في لبنان، أو أنّه يسعى الى ضرب مؤسسات الدولة، ومنها المؤسسة العسكرية، مشدداً على أنّ علاقته بالجيش اللبناني قوية وأنّ الجيش يحمي البلد، وأنّه متمسك بثلاثيته: «شعب وجيش ومقاومة»، إذ إنّ ضرب أحد أطراف هذه الثلاثية وخروجه من المعادلة سيؤدي الى سقوط البلد.