IMLebanon

“ليّ الأذرع” في لبنان يتمدّد

لا يتوهّم العارفون في لبنان بأن دخول الرئيس جو بايدن البيت الأبيض، سيكون له «مفعول سحري» على أزمة تأليف الحكومة الجديدة التي تمْضي منذ أكثر من خمسة أشهر في حقلٍ من التعقيدات المحلية المتشابكة مع الوقائع الاقليمية التي ازدادت احتداماً في الطريق إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية ولا سيما على جبهة الصراع الكبير مع إيران وأدوارها في المنطقة.

وفيما تحوّلت واشنطن أمس، «عاصمة العالم» مواكَبةً لحفل التنصيب الذي دَخَل التاريخ في مراسمه و«القبضة الأمنية» الحديد التي فُرضت حوله وغياب السَلَف عن طقوس تسليم الخَلَف، بقيت بيروت غارقة في ما يشبه «الحزّورة» التي رافقتْ مجمل مسار التأليف منذ اغسطس الماضي، والتي سرعان ما أصابت البلاد بـ «دُوار» على وقع الاتهامات المتبادلة، خصوصاً في الأسابيع الأخيرة، على محورين: فريق رئيس الجمهورية ميشال عون، و«حزب الله» ضمناً، الذي اتّهم الرئيس المكلف سعد الحريري بالمماطلة في إنجاز التشكيلة وفق موازين القوى الداخلية بانتظار مغادرة دونالد ترامب، وذلك تفادياً لعقوبات مفترضة على قريبين منه بحال تجرّأ على تشكيل حكومة لا يغيب عنها الحزب وحلفاؤه.

وفي المقابل، أخذ خصوم عون على الحزب تحديداً رغبته في استرهان الملف الحكومي والوضع اللبناني عموماً لمقتضيات ملاقاة مرحلة ما بعد ترامب وتسخين أرضيات ساحات النفوذ الإيراني لتأهيلها لتكون خطوط دفاعٍ في لعبة شدّ الحبال حول الملف النووي ومفاوضاته، معتبرين أن شروط الحريري لحكومة الاختصاصيين من غير الحزبيين وخارج المحاصصة السياسية والتي لا يملك فيها فريق عون ولا غيره «الثلث المعطّل» ليست للمناورة بل من الثوابت التي يدرك الرئيس المكلف أنها كفيلة بتسهيل حصول لبنان على «سترة الإنقاذ» المالي من المجتمعين العربي والدولي.

ومع طيّ صفحة التسليم والتسلم بين ترامب وبايدن، يرى العارفون أن من الصعب تَصَوُّر تبدُّد الغيوم الداكنة التي لم تفارق مناخ التأليف، لافتين إلى أن من السذاجة الاعتقاد أن أصْل المشكلة في المأزق الحكومي داخلي – على أهمية التعقيدات المحلية – ومعتبرين أن «الفواصل» ولو الرفيعة بين الواقع اللبناني وملاعب النار في المنطقة انتفت منذ زمن ليتكرّس انكشاف البلاد بالكامل على عواصف الاقليم ولا سيما في ظل إحكام «حزب الله» السيطرة على مفاصل الحُكْم بمستوياتها كافة.

وإذ اعتبر هؤلاء أن المؤشرات الأولى المتصلة بالمفاوضات حول النووي الإيراني لا تشي بأنها ستسير على القواعد التي ارتكزت عليها إدارة باراك أوباما، وهو ما عبّر عنه ارتسام «مثلث» تتمسك به إدارة بايدن ويقوم على التوازي بين النووي والصواريخ البالستية وأنشطة طهران المزعزعة لاستقرار المنطقة وفق ما جاء في كلام أنتوني بلينكن، المرشح لمنصب وزير الخارجية، ناهيك عن مراعاة مصالح دول الخليج في هذا السياق، فإن هذا الأمر يعني أن من المبكر لطهران «ترخية الحبل»، فيما لا يُبدي بايدن أي إشارات إلى أنه سيتخلى عن ضغط العقوبات الذي راكمه ترامب قبل رسْم أطر التفاوض وتحقيق شروطه.

ولا يرى العارفون أنفسهم أن من الواقعية الأخذ بالكلام عن أن «حزب الله» قد يكون من مصلحته الإفراج عن الحكومة قبل تثبيت إدارة بايدن أقدامها وذلك لانتزاع حكومةٍ تعبّر عن نتائج الانتخابات النيابية وتوازناتها وبنكهة سياسية تراعي شروط فريق عون أيضاً، معتبرين أن الوضع اللبناني محكوم في أيّ من الاتجاهات الانفراجية الحقيقية التي يمكن أن يسلكها بوجود ضوء أخضر من واشنطن صاحبة التأثير الدولي الأكبر، وبموافقةٍ من إيران ذات الثقل الأقوى لبنانياً، وبغطاء من دول الخليج التي تُعتبر الرافعة التنفيذية لأي مسار إنقاذي وتشكّل عودتها لاحتضان «بلاد الأرز» إشارة الثقة الأقوى بأنها استردّت تموْضعها بعيداً من المحور الإيراني.

وإذ يخلص العارفون انطلاقاً من ذلك إلى أن الجمود مرشّح ليستمرّ في الملف الحكومي، تحت ستار مَن يتصل أولاً بمَن، عون بالحريري أو العكس ومَن يتنازل أكثر بينهما، وذلك بمعزل عن الحِراك المتجدّد داخلياً لمحاولة كسْر المأزق، حذّروا من أن هذا الأفق المسدود يترافق مع اشتداد الخناق المالي – الاقتصادي – الاجتماعي بتأثيراته الكارثية على محاولات وقف زحف «كورونا» الذي خرج عن السيطرة.