IMLebanon

تبادل أدوار أميركي – فرنسي؟

كتب شارل جبور في “الجمهورية”:

أكثر ما لفتَ في موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخير قوله: “يجب تجنّب خطأ عام 2015 عندما استبعدت القوى الإقليمية عن الاتفاق مع إيران”، وأضاف: “يجب ضَم السعودية إلى أي مفاوضات في شأن اتفاق مع إيران، كما أنّ التفاوض معها سيكون صارماً جداً”.

يندرج موقف ماكرون في الإطار الاستراتيجي المتعلق بالتوازنات على مستوى المنطقة وتحديداً بين السعودية وإيران، وهو لم يكتفِ بإقرار خطأ استِبعاد الرياض عن المفاوضات النووية مع طهران، بل تعهّد بمشاركتها في أي مفاوضات مقبلة. وأهمية هذا الموقف تكمن في الآتي:

ـ أولاً، فهم دقيق للتوازنات على مستوى المنطقة التي تتقاسمها اليوم 4 دول أساسية: إيران والسعودية وتركيا وإسرائيل، فيما لم تنجح مصر بعد في استعادة دورها الإقليمي السابق. وعلى رغم التنافس الرباعي، إلّا انّ جوهر التوازن وعمقه يبقى بين الرياض وطهران، لأنّ الأولى تمثِّل في هذا الظرف وحتى إشعار آخر البُعدين السني والعربي، وأي تقدُّم لطهران سيكون على حساب السنة والعرب.

ـثانياً، أيّ اتفاق دولي مع طهران ستوظِّفه الأخيرة بمزيد من النفوذ والدور الإقليميين، فالنووي مسألة معنوية كونه لن يستخدم على أرض الواقع، فيما الدور هو مسألة عملية ويشكل أولوية إيرانية بهدف نشر الثورة الإسلامية. وفي الحالتين (النووي والدور) فإنّ المتضرر الأكبر سيكون الرياض وما تمثِّله، ولذلك فإنّ مشاركتها في أي مفاوضات من هذا القبيل ضرورية جداً.

ـ ثالثاً، الخطأ الكبير الذي ارتكبه المجتمع الدولي تمثّل في الفصل بين الملف النووي وبين الدور الإيراني، وقد استفادت طهران من هذا الفصل من أجل تزخيم دورها في المنطقة.

ـ رابعاً، كلام ماكرون يعني انه من الآن فصاعداً لن تُمنح إيران شرف الجلوس مع المجتمع الدولي على طاولة حوار من دون السعودية، ما يعني ان لا اتفاقات فوق الطاولة ولا تحتها على حساب المملكة وما تمثِّله.

ـ خامساً، كلام الرئيس الفرنسي يعني انّ الأولوية هي للحليف السعودي الذي سيكون شريكاً في أي مفاوضات مقبلة، لأنّ نتائجها ستنعكس على وضع المنطقة التي يشكّل الدور السعودي فيها رأس حربة.

وهناك من يعزو هذا التطور في العلاقة الفرنسية-السعودية إلى 3 أسباب أساسية:

ـ السبب الأوّل، الكلام عن توقيع عقود تجارية ضخمة بين باريس والرياض، والاستعداد لتوقيع أخرى، بما يعزِّز وضعية ماكرون الشعبية والسياسية داخل فرنسا.

ـ السبب الثاني، تطور العلاقة الشخصية بين ماكرون والأمير محمد بن سلمان، ووصول الرئيس الفرنسي إلى اقتناع في انّ الليونة الفرنسية مع إيران لم تُقابَل سياسياً من الأخيرة لا على مستوى المنطقة ولا على مستوى لبنان، حيث تستفيد من انفتاح فرنسا عليها بغية تخفيف القيود والضغوط الأميركية، وفي اللحظة التي تشعر فيها ان ثمة فرصة لاتفاق ـ صفقة مع واشنطن تتجاهَل باريس وتتعامل معها كأنها غير موجودة. وحيال ذلك، وجد ماكرون انّ السياسة التي يتّبعها تصبّ في مصلحة إيران، وترتد سلباً على فرنسا ودورها وحلفائها.

ـ السبب الثالث، حاجة العالم والمنطقة إلى وجود قوة دولية تشدّ وأخرى تُرخي، وفي وجود الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لم يكن أمام ماكرون سوى ان يؤدي دور المحاور لا المتشدد في سياق توزيع الأدوار، ولكونه سيكون ملحقاً بالدور الأميركي. ولكن مع انتخاب بايدن انقلبت الأدوار، فسيتحوّل ماكرون إلى ترامب، وبايدن إلى ماكرون.

وهذا التبدُّل في الأدوار يعني على أرض الواقع انّ طهران لن تستفيد من التبدُّل في الإدارة الأميركية، ويعني أيضاً انّ ما بَدأته تل أبيب في تطبيعها المتدحرج مع العرب سيتواصل فصولاً، ولا بل أكثر من ذلك ستسعى إلى توسيع دورها ووضع الإدارة الجديدة التي ستكون متساهلة وبطيئة أمام الأمر الواقع، ما يعني انّ التبدُّل في الدور الفرنسي سيترافق مع التوسُّع في الدور الإسرائيلي.

وفي موازاة كل هذا المشهد، وإذا ما تم استثناء الموفد الأميركي الخاص إلى طهران والمعروف باتجاهاته المؤيدة لإيران، فإنّ كل التعيينات الأخرى لا تصبّ في المصلحة الإيرانية، وهذه التعيينات هي تقريرية وتنفيذية، فيما مهمة الموفد تقتصر على نقل الرسائل فقط لا غير، ومن الخطأ تحميل دوره أكثر مما يحتمل، لا بل إنّ التعيينات الأخرى تؤشّر في وضوح إلى ان لا تبدُّل في السياسة الخارجية الأميركية، وانّ الحصار على طهران سيتواصل، وستكون في أقصى حد أمام عرض أميركي بالتفاوض وفق الشروط الدولية نفسها التي تختصرها ثلاثية اللاءات الآتية: لا للنووي، ولا للباليستي، ولا للدور المزعزع لاستقرار دول المنطقة.

ولعلّ السؤال الذي سيطرح نفسه: هل التشدد الفرنسي مع إيران نووياً وعلى مستوى دورها في المنطقة سينسحب تشدداً على “حزب الله” ودوره في لبنان، أم ستلجأ فرنسا إلى الفصل بين ان تتشّدد مع إيران وتتراخى مع الحزب، وبالتالي أن تُواصِل الدور الحالي نفسه؟

لا يفترض منطقياً ولا موضوعياً ان تميِّز باريس بين إيران و”حزب الله”، فما ينطبق على طهران يجب ان ينسحب على الحزب لأنه جزء من المشروع الإيراني في المنطقة، ومن يفصل بينهما كَمَن يفصل بين الملف النووي والدور والإيراني، وما اعتبره ماكرون خطأ في موقفه لناحية استبعاد السعودية عن المفاوضات التي حصلت سابقاً مع إيران وتأكيده ان هذا الأمر لن يتكرر مستقبلاً، يعني انّ الرياض ستكون معنية بكل ما يتعلق بالملف الإيراني، ولبنان يشكل حلقة أساسية على هذا المستوى، فلا يُعقل ان تجلس السعودية على طاولة مفاوضات النووي وتغيب عن طاولة إعادة النظر في الدور الايراني في المنطقة، حيث انّ المسألة كل متكامل وغير قابلة للتجزئة.

وفي حال صحّ ما تقدّم، فهذا يعني انّ باريس تتجه إلى تبديل سياستها في لبنان والانتقال من مسايرة “حزب الله” إلى التشدد معه، وهذا ما يفسِّر توصيفه لواقع الحال في أنّ “النظام اللبناني في مأزق بسبب الحلف بين الفساد والترهيب”، وذلك في رسالة موجهة إلى الفريق الحاكم بشِقّيه المسلّح والفاسد. لكنّ هذا الموقف ليس جديداً بشكل أو بآخر، ولا يمكن البناء والتأسيس عليه ما لم يُلمس على أرض الواقع، خصوصاً في ضوء ما كان قد سُرِّب عن مسؤول في الرئاسة الفرنسية من انّ باريس “تنتظر مزيداً من الواقعية من جانب واشنطن حيال ما هو ممكن او غير ممكن القيام به في لبنان نظراً للظروف الحالية في هذا البلد”.

فهل ستعتمد فرنسا التشدد مع إيران والتراخي مع “حزب الله”؟ وماذا عن موفق السعودية إزاء هذا الفصل الفرنسي في حال اعتماده، خصوصاً انّ أحد أسباب التشدد في موقف باريس عائد إلى التفاهم مع الرياض؟ وهل التشدد سيكون عنوان السياسة الفرنسية مع المحور الإيراني في المرحلة المقبلة؟ وما تأثير هذه السياسة في حال اعتمادها في تشكيل الحكومة وكل الواقع السياسي اللبناني؟

فلننتظر لنرى..