IMLebanon

الضرائب تصيب المساعدات: “طق شلش الحياء”

هذه المرة، تبدو اللغة عصية على وصف بعض خيارات الدولة، أو على الأقل حكومة تصريف الأعمال، بشكل منمق ومهذب، خصوصا متى تجاوزت أحيانا حدود المنطق والمعقول والمقبول، ولو أننا نعيش في بلد تطبع أبناؤه مع كل أنواع التجاوزات وفتاوى التبرير الفورية.

هذه المرة، سنقولها بكل صراحة. “طق شلش الحيا” عند مسؤولينا وحكومتنا المفترض أن تكون مستقيلة ولا تقوم إلا بتصريف الأعمال، في انتظار فريق وزاري جديد توضع العصي السياسية في دواليبه عمدا. ففي وقت يتلهى الجميع في حرب تناتش الحصص الوزارية، عمد وزير المال في حكومة تصريف الأعمال إلى إعداد موازنة العام 2021، المفترض، لو أننا في بلد تطبق فيه الدساتير بحذافيرها، أن تكون قد أقرت منذ أكثر من عام، وهذه في حد ذاتها مخالفة دستورية كبيرة. لكن “الأنكى” قرار اتخذه الوزير يوم الاثنين الفائت حمل الرقم 47/1 وهو يشرح آليات تطبيق الاعفاءات الضريبية التي يستفيد منها الناجون من كارثة 4 آب. غير أن البند الرابع من القرار نفسه يناقض تماما العنوان العريض, فهو يدعو المواطنين الذين استفادوا من مساعدات بصفتهم ناجين من الانفجار، إلى التصريح عنها واعتبارها مبالغ خاضغة للضريبة.

لا شك في أن دولة مفلسة كالتي نعيش فيها مكرهين وآسفين على أعمارنا وأرزاقنا التي لا تستحقها سلطة عديمة المسؤولية، تبحث عن موارد لتمول منها خزينة أرهقها الفساد والسرقات والنهب، إلى حد الافلاس. لكن هذا القرار، لو كتب له أن يوضع فعلا على سكة التنفيذ، يشكل اعتداء على حقوق الناجين من كارثة تسببت بها الطبقة السياسية عينها التي لا تخجل اليوم من فرض ضرائب على مساعدات خارجية نالها اناس ترأف الله بهم وكتب لهم عمرا جديدا، ولم يستشهدوا في عصر ذاك الثلثاء المشؤوم.

قد يقول قائل إن اللبنانيين اعتادوا أن يكونوا كبش المحرقة والهدف الأسرع لسلطة لا تتقن إلا الحلول السهلة التي تمس كرامة الناس وحياتهم المفترض أن تكون كريمة في بلد يليق بتضحيات أبنائه. لكن لهذا القائل، ومن ورائه السلطة والقيمون عليها، وأصحاب القرارات الرعناء فيها، لا يسعنا إلا أن نوجه الرسالة الآتية، وإن حملت في طياتها بعض القسوة التي لا تقارن بما نعانيه يوميا من جراء خياراتكم غير المدروسة: عندما اتخذتم القرار “الانتخابي المتسرع بإقرار سلسلة الرتب والرواتب التي عدتم وأخطأتم في تقدير أرقامها، كنا نحن الناس، كبش المحرقة الأول، ولم تروا ضيرا في مد أيديكم إلى جيوبنا الفارغة أصلا. لكن هذه المرة، تجاوزتم الخطوط الحمر. فكيف تفكرون مجرد تفكير في المس بالمساعدات الانسانية التي ما كنا لنحتاج إليها لولا إهمالكم وفسادكم الذي فجر المرفأ في لحظات… على أن الأدهى أن المرفأ انفجر قبل أن تتخذوا الاجراءات الكفيلة بوقف التهريب عبره، وهو ما من شأنه أن يدر على الخزينة مداخيل تقدر بالمليارات. انفجر المرفأ أيضا قبل أن تضبطوا الحدود البرية بشكل يمنع التهريب غير الشرعي، مع العلم أن خططا ودراسات كثيرة وضعت… على الورق لا على طريق التنفيذ.

ما يمكن اعتباره مستفزا بل مثيرا للغضب، حتى لا نقول الاشمئزاز، أنكم تعرفون كل هذه الحلول . لكنكم لا تبذلون عناء تنفيذها. لا يهمكم سوى أن تنحرونا بكل الوسائل غير المشروعة. بدلا من الاعتداد بما تجرؤون على تسميتها انجازات، لا نريد منكم أن نصل إلى المريخ بسرعة الصاروخ كغيرنا. أقصى (وربما أقسى) أمنياتنا أن نعيش بكرامة في وطن لا يمنننا فيه المسؤولون بأنهم يقومون بواجباتهم، ولا يمدون فيه أيديهم إلى جيوبنا لتغطية عجزهم غير المبرر. لا نطلب منكم الكثير… القليل من الكرامة فقط…