IMLebanon

تدويل لبنان: بكركي والفاتيكان والإنتشار

كتب أسعد الخوري في “الجمهورية”:

لبنان يسير إلى الهاوية. يتراجع دوره وإداؤه وقدراته الإقتصاديّة والسياسيّة. يفتقد الموقع الذي كانت تحسده عليه الدول العربيّة والعديد من دول العالم. تحوّل دولة مكشوفة وبلداً مفلساً على أكثر من صعيد. لا رؤى سياسيّة وإقتصاديّة وإجتماعيّة… بلدٌ بلا حكومة، تحكمه شريعة الغاب.

بعد سقوط كلّ المبادرات الداخليّة والخارجيّة (خصوصاً الفرنسيّة)، اختار البطريرك الماروني بشارة الراعي، الإتّجاه نحو الأمم المتّحدة، في اعتبارها منظّمة دوليّة صاحبة قدرة على حسم النزاعات. وربّما يكون للوبي اللّبناني في الولايات المتّحدة الأميركيّة وفي دول الإنتشار اللّبناني المؤثِّرة، موقف داعم لقضيّة لبنان.

أسباب مطالبة الراعي بطرح قضيّة لبنان في مؤتمر دولي خاص برعاية الأمم المتّحدة، تنبع من جملة عوامل، لعلّ أبرزها، الحالة المأسويّة التي وصل إليها الوطن الصغير، بعد حال الإفلاس المالي والسياسي الناتج من حجم الفساد المستشري في البلاد منذ عقود، وعدم إعداد حكومات لبنان المتعاقبة، بما في ذلك الحكومة الحاليّة، لخطط إقتصاديّة وسياسيّة للإنقاذ، وحال الإنهيار الشامل، خصوصاً بعد انفجار مرفأ بيروت المدمِّر في الرابع من آب الماضي.

لبنان في الهاوية، صحيح. والنزاع كبيرٌ في المنطقة مع وصول إدارة جديدة إلى البيت الأبيض برئاسة جو بايدن. يبدو ان المسار طويلٌ وشاق. واللّبنانيّون أمام حائطٍ مسدود يمنع- حتّى- تشكيل حكومة، هي الشرط الأوّل لدى المجتمع الدولي لدعم لبنان المنهار.

لا تنكر مصادر الصرح البطريركي، أنّ الدولة اللّبنانيّة عاجزة. لا تبادر ولا تعمل لإنقاذ لبنان الذي يعاني من أمراضٍ وأزمات تعصف بكيانه، وصولاً إلى سلاحٍ متفلّت، حيث تسود شريعة الأقوى في جمهوريّة فقدت «الحسّ» الحقيقي بالمسؤوليّة. حتّى انفجار مرفأ بيروت وتدمير نصف العاصمة لم يدفعا الدولة إلى حزم أمرها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

دور الفاتيكان

لا يمكن الكرسيّ الرسولي أن يترك لبنان مجرّد ورقة في مهبّ الرياح الدوليّة، بل يعمل جاهداً على تجسيد وتفعيل «وصيّة» البابا يوحنّا بولس الثاني، بأنّ «لبنان أكثر من وطن… هو رسالة». وينسّق بابا الفاتيكان اليوم مع فرنسا والرئيس ماكرون وأيضاً مع بكركي، يساعده في كلّ ذلك السفير البابوي في لبنان ودوائر الفاتيكان الخارجيّة لتسريع عمليّة إنقاذ لبنان، حيث تتداعى المبادرات الداخليّة والخارجيّة وتسقط، كأنّ لبنان صار متروكاً لقدره!

ممثّل الأمم المتّحدة في لبنان يان كوبيتش لم يصمت يوماً. كان دوماً فاعلاً ومؤنِّباً للطبقة السياسيّة الحاكمة (قبل انتقاله قبل أيّام من بيروت) هو شكّل صلة وصل أساسيّة بين بكركي والمنظّمة الدوليّة، وكان أحد داعمي بكركي لصوغ مبادرتها الدوليّة بهدف إنقاذ لبنان.

لقد أعلن الراعي صراحةً، أنّ «شعبنا يحتضر والدولة ضميرٌ ميت»، مؤكّداً أنّ «جميع دول العالم تعاطفت مع شعب لبنان إلّا دولته… فهل من جريمةٍ أعظم من هذه؟»

يحاول الفاتيكان أن يعطي بعداً عملانيّاً داعماً لخطوات البطريرك الراعي في دعوتيه البارزتين: الحياد الفاعل والإيجابي من جهة، والمؤتمر الدولي من جهة أخرى. والبابا فرنسيس دعا خلال استقباله أعضاء السلك الديبلوماسي الأجنبي المُعتَمَدين في الفاتيكان، لتجديد الإلتزام السياسي الوطني والدولي من أجل تعزيز استقرار لبنان، الذي «يمرّ في أزمة داخليّة والمعرّض لفقدان هويّته ولمزيدٍ من التورّط في التوتّرات الإقليميّة». والظاهر أنّ البابا فرنسيس لا يكتفي بذلك، بل يؤكّد ضرورة الحفاظ على لبنان وعلى هويّته الفريدة، من أجل ضمان شرق أوسطٍ متعدّد ومتسامح ومتنوّع.

سالم والإنتشار اللّبناني

البطريرك الراعي يدرك أنّ قوىً لبنانيّة عدة وفاعلة في دول الإنتشار اللّبناني تتحرّك هي الأخرى مع الفاعليّات السياسيّة البارزة في الدول التي تحتضنها، للعمل على مساعدة لبنان وإنقاذه من الإنهيار والتفكّك. هذه القوى تلتقي مع دعوة البطريرك الراعي لعقد مؤتمرٍ دولي لإنقاذ لبنان.

البروفسور فيليب سالم الطبيب والكاتب السياسي اللّبناني، الذي يعيش منذ عقود في الولايات المتّحدة الأميركيّة، ويعرف أصحاب القرار ويؤثّر في قراراتهم، وجّه في أوائل تشرين الثاني 2020 رسالةً إلى الكونغرس الأميركي، دعا فيها واشنطن وعواصم الغرب لعقد مؤتمرٍ دولي حول لبنان في باريس (الرسالة نشرتها جريدة «الجمهوريّة» في 11-11-2020)، من أجل تحقيق جملة أهداف:

– صوغ «خطّة مارشال» لإعادة بناء المباني والبنية التحتيّة المُدَمَّرة إثر انفجار مرفأ بيروت، وإنعاش الإقتصاد، ومنع لبنان من الإنهيار والتفكّك.

– وضِع إطار سياسي وأمني دولي لفرض الإستقرار والسلام، وقيادة لبنان في جهود إعادة البناء برؤيةٍ متجدّدة، لإنهاضه من تحت الأنقاض، حيث يمكن أن تشرف الأمم المتّحدة على هذا الجهد.

– السعي إلى ضمان «حياد لبنان الفاعل» من خلال مجلس الأمن الدولي… حيث أنّ الشعب اللّبناني، في معظم الأحيان، هو ضحيّة نزاعات الآخرين والأنظمة السياسيّة المعادية التي سعت للسيطرة على مصيره.

هكذا دعا فيليب سالم في رسالته إلى الكونغرس الأميركي وعواصم الغرب والأمم المتّحدة، لكي لا يديروا ظهورهم للبنان، أو أن يتركوه «يذبل وينهار ويموت».

هذا في أساس ما تدعو إليه بكركي التي تريد عودة لبنان منارةً للتسامح والحريّة والبناء.