IMLebanon

“مصارعة” سياسية قاسية في لبنان

 

لم يَعُدْ مُفاجئاً، للداخل ولا الخارج، أن يَمْضي الواقعُ اللبناني في الانحدارِ الحاد في قلْب الهاوية، التي اندفع إليها مع «التكاتف القاتل» بين «الحروب الصغيرة» السياسية وبين الانهيار المالي المدمّر، والتي دُفِع إليها بقوة الجذْب الإقليمية التي كرّستْ دورانَ البلادِ في مدار الصراع الكبير في المنطقة والذي يُخشى أن تكون بيروت مجرّد ورقةٍ لـ«مقايضاتٍ» على «طاولته» بعدما صارت بالتأكيد ساحة «مضايقاتٍ» في الطريق إلى أي تسوية ولو بعد حين.

ولم يكن أدلّ على هذه «الثابتة» من تَحَرُّك الأزمة الحكومية «إلى الوراء» رغم مرور أكثر من 6 أشهر على استقالة حكومة الرئيس حسان دياب على وهج «بيروتشيما» (4 أغسطس) ونحو 4 أشهر على تكليف الرئيس سعد الحريري العالِق عند عدم نجاح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حتى الساعة بتوفير «ممر آمن» عربي – دولي لمبادرته من خلْف «خطوط النار» الإقليمية المعروفة و«خطوط التماس» المستحدثة والتي تصبّ غالبيتها أو تتقاطع عند ملف رئيسي اسمه إيران، الملف النووي والأدوار في المنطقة.

 

ولم يتطلّب الأمر إلا دقائق بعد خطاب الحريري في ذكرى اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، الأحد، لتحتدم «المصارعة» الكلامية بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه، على وقع دخولِ رئيس البرلمان نبيه بري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط على خطّها، من بابٍ «اشتباكي» مع عون، بما يشي باتساع رقعة «القتال» السياسي فوق ما بات أشبه بـ«أشلاء» الدولة ومقوّماتها.

وإذ يُنتظر أن تشكّل كلمة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، اليوم، بشقّيْها الخارجي والمحلي مؤشراً إضافياً لمنحى «الأفق المقفل» في الوضع اللبناني الذي صارت معه غالبية الأطراف وجهاً لوجه أمام «الحائط»، لن تقلّ أهمية إطلالة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الأحد المقبل، والتي أعلن عنها حتى قبل أن يجفّ حِبْر مواقف الحريري التي صوّب فيها ضمناً على باسيل، مستخدماً لغة «المستحيل» في ما خص «الثلث المعطّل» في الحكومة العتيدة ومثبّتاً معاييره لتشكيلة من 18 اختصاصياً من غير الحزبيين بوصفْها «كبسة الزر» لفتْح باب المساعدات العربية والدولية للبنان.

وأعطى الهجوم المنسّق الذي شنّه فريق عون على الحريري، على أكثر من «جبهة»، إشارةً مبكرة لِما سيكون عليه سقف مواقف باسيل الذي يَعتبر خصومُه أنه يخوض استحقاق تأليف الحكومة بحساباتٍ، تبدأ بحجْز موقع وازِن (حكومياً) في ملاقاة مرحلةٍ أوّلها وضْع البلاد على سكة الانقاذ وليس آخرها استحقاق الانتخابات الرئاسية (بعد نحو 20 شهراً)، ولا تنتهي بـ«مصيرية» نزْع اسمه عن لائحة العقوبات الأميركية كمدْخل لـ«تأهيله» دولياً ليكون مرشحاً لـ«رئاسية 2022».

واستوقف أوساطاً سياسية أن فريق عون اختار «جبهتين» أطلق منهما «السهام» على الحريري، الأولى تحت عنوان «إلى التدقيق الجنائي»، والثانية ما اعتبره «تمنين» المسيحيين عبر شعار «أوقفنا العدّ»، مع تفادي الردّ على مسألتين مهمتين أثارهما الرئيس المكلف:

* تحديده «خطوط التراجُع» الممكن حكومياً على قاعدة جهوزيته لتلبية أي مطلب من عون بتغيير أي من الأسماء الخمسة في التشكيلة التي قدّمها إليه (قال الحريري إنه انتقى 4 منها من ضمن لائحة سلّمها إليه عون وخامس مقرّب من رئيس الجمهورية)، وانفتاحه على تبديلٍ في حقيبة أو 2 يرى عون أنها لا تناسبه، والاستعداد لاقتراح 3 أو 4 أسماء على رئيس الجمهورية ليختار أحدها لوزارة الداخلية إذا كان لا يريد الاسم الذي ضمّنه التشكيلة.

* ْكشْفه الورقة التي أعلن أن عون سلّمه إياها في ثاني لقاء بينهما بعد تكليفه وفيها أسماء يقترحها للتوزير، وهي اللائحة التي اكتفت تقارير إعلامية بالإشارة، نقلاً عن أجواء قريبين من فريق رئيس الجمهورية، أنها «ليست دقيقة وتضمّنت أخطاء» أو كانت مجرّد أفكار غير نهائية.

وبعدما كان القصر الجمهوري عاجَل الحريري عقب إطلالته الأحد، متهماً إياه بتضمينها «مغالطات كثيرة»، ومكرراً «أن الرئيس المكلف يحاول فرض أعراف جديدة خارجة عن الأصول والدستور والميثاق»، خرج مستشار عون، الوزير السابق سليم جريصاتي، أمس، ببيان عالي النبرة اعتبر فيه أن خطاب الحريري «تميز بخفة لا متناهية»، متوقفاً عند «إشارته التي لا تخلو من الخطورة المشددة في شأن وقف العد».

وذكر جريصاتي أن ضمانة «وقف العدّ» هي من الميثاق والدستور والطائف، متوجهاً إلى الحريري «لا وألف لا، لست أنت أو سواك من أوقف أو يوقف العد، وليس لأحد أن يمنن النصارى بأنه ضمانتهم، وضمانة وجودهم ودورهم في هذا اللبنان (…) كفانا تعالياً واستقواء»، ولافتاً إلى أن «الضمانة الحقيقية لعيشنا معاً هي في المادة 95 من دستورنا، أي إلغاء الطائفية (وليس فقط الطائفية السياسية)».

في موازاة ذلك، استوقفت الأوساط إشارات عدة عكست ارتسام المزيد من التعقيدات الداخلية، بينها ما ورد في إعلام قريب من «حزب الله» غمز من قناة ارتكاز الفرصة الذهبية التي تحدّث عنها الحريري على عدم توزير مَن ‏يمثّل من قريب أو بعيد الحزب والتيار الحر، وتصعيد جنبلاط بوجه عون واصفاً إياه بـ«العبثي ويريد الانتحار، فلينتحر وحده هو والغرف السوداء والصهر».

ولم يقلّ دلالة موقف حركة «أمل»، الذي اعتبر أن «المسار في ملف تشكيل الحكومة كشف عقم النقاش الذي يقدم المصالح الخاصة على المصلحة الوطنية العليا».
https://www.alraimedia.com/article/1521785/خارجيات/مصارعة-سياسية-قاسية-في-لبنان