IMLebanon

لقمان سلیم ومن قبله ومن بعده.. ضحایا في ذمّة السیادیین

كتب د. هشام حمدان في “اللواء”:

استمعت الیوم إلى كلمة غبطة البطریرك، یدین فیها اغتیال رجل الكلمة والموقف الحر، الأستاذ لقمان سلیم. وقد أتبع غبطته هذه الإدانة، برفع شعار كنا نثق أنه سیدفع به لا محالة، وهو “تدویل القضیّة اللبنانیّة”، بغیة إخراجه من حالة السلاح المتفلت، والسلطة الفاسدة المتواطئة، الحامیة له، على حساب كرامات الناس، وإسم لبنان وصورته في العالم. لقد سعى غبطته طویلا، وبطول إناة وصبر، أن یقنع أركان السلطة باستدراك ما فعلوه للبنان وشعبه، وإعادة السیر بحكومة، تستجیب للحد الأدنى من مطالب الناس، لكنهم لم یفعلوا، بل كان الرد سلسلة من الإغتیالات كان آخرها إغتیال المفكر الحر الأستاذ لقمان سلیم.

لقمان سلیم ومن قبله، وكذلك من سیأتي بعده، هم ضحایا متكررة في ذمّة السیادیین. فالقتلة لم یجدوا من یواجههم في الداخل اللبناني. فمن جهة فالثورة غلبتها شخصنة المتحدثین عن عذابات الناس ومعاناتهم. توحدت عباراتهم اللاذعة ضد السلطة، وتشتت مطالبهم الإنقاذیة. فلم یعرها الرأي العام والمجتمع الدولي أهمیّة. ومن جهة أخرى، تضیع مطالب العدالة للضحایا تحت مطرقة الفساد المستتر بحمایة حملة السلاح المتفلت ودویلة المیلیشیات، وسندان تقصیر حملة الرایة السیادیة، والاكتفاء بالخطابات الغاضبة التي لا تثلج قلوب القتلة فحسب بل تعلمهم الاستزادة.

لم یجرؤ أحد من رافعي الخطابات الغاضبة، بدفع الحدث إلى المواقع الدولیّة للمطالبة بالعدالة. عندما حملوا قضیة الشهید رفیق الحریري وأنهكوا خزینة لبنان هلل العالم لهم فخاف القتلة، ولكن بدلا أن یذهب الإبن الساطع بنجومیّة والده، لیطالب مجلس الأمن باستكمال تحصیل العدالة من قتلة الشهید، قال اكتفینا بمعرفة الحقیقة، كأنه یتحدث عن دم والده، ولیس دم رئیس حكومة لبنان الذي قتل من أجل قضیّة لا تخصه هو كإبن الشهید، بل تخص لبنان والعالم، لأنها قضیة حریّة وسیادة لشعب بكامله. لبنان دفع الثمن من أجل العدالة، وإبن الشهید رآها مسألة عائلیة. ضحك القتلة لأنهم أدركوا أن رائحة دماء الشهید، ضاعت في عبق الأریج المنبعث من السجاد الأحمر على درج قصر رئاسة الحكومة.

لا حكومة تطالب العالم بالعدالة، ولا مؤسسات مدنیّة تطالب العالم بالعدالة، ولا شعب یفقه معنى المطالبة بالعدالة. تطایرت أشلاء الضحایا في مرفأ بیروت، وقتل العشرات وجرح الألوف وشرد مئات الألوف، ودمرت بیروت بتراثها وإنسانها وكرامتها وتاریخها، فاختبأ القتلة خلف متسلقي سلم السلطة، الذین تلذذوا بلمعان صورهم على شاشات التلفزة، فصاروا یتسابقون في حمایة القضاء الوطني بحجة الكرامة الوطنیة، الكرامة التي داستها الإغتیالات، والتفجیرات، وظل القضاء الذي اعتبروه عنوان الكرامة الوطنیة، ساكتا وعاجزا عن كشفها، أو حتى النطق بكلمة حولها.

عار على إنساننا الذي یعتبر نفسه مفكرا وثائرا ومحررا ومقداما أن یظل أسیر قرارات الخارج. لم یجرؤ القتلة لولا الجبن الذي یسیطر على الآخر. أنتم المسؤولون عن اغتیال لقمان. بل لقمان نفسه، مسؤول عن موته. لم یجرؤ هو أو غیره، أن یخرج إلى العالم لیكشف بالوثائق، جرائم السلاح المتفلت. جرائم الحكم وأهل السلطة، فتقوم قوانین قیصر جدیدة ضد هؤلاء. خافوا أن یقدموا الوثائق والشهادات حول جریمة المرفأ وغیرها إلى الرأي العام الدولي، والدول الأعضاء في المحكمة الجنائیّة الدولیّة، واعضاء مجلس الأمن لماذا؟ لماذا هذا الصمت المریب من رافعي شعارات السیادة، والإصلاح ونظام القانون.

ربما أن دماء لقمان قد أنتجت أخیرا كلمة جریئة من منقذ ترنو له العیون، فرفع غبطة البطریرك أخیرا، مطلب المؤتمر الدولي برعایة الأمم المتحدة، لإنقاذ لبنان من هذه السلطة ومن السلاح المتفلت فیها. فتفضلوا، أیها السیادیون، أحملوا أمامه سلاح الصور والوثائق. وقوموا بجولة في العالم الحر. أنقلوا مآسینا إلى العالم. أقیموا معارض مفتوحة في قاعات الأمم المتّحدة وأمام قاعة مجلس الأمن. شاركوا الدنیا بأوجاعنا. إصرخوا من خارج قصوركم وقلاعكم. كفى استهتارا بالناس.