IMLebanon

لبنان يشدّه حصانان متعاكسان… أَقْلمة أو تدويل

 

تستقطب بكركي غداً أنظار الداخل والخارج، مع التحرّك الذي يشهده مقر البطريركية المارونية دعماً لدعوة رأس الكنيسة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لمؤتمرٍ دولي حول الأزمة اللبنانية برعاية الأمم المتحدة تحت سقف شعار «حياد لبنان» الذي رفعه قبل أشهر.

ويأتي الالتفاف حول طرْح الراعي تحت عنوان «بكركي ما بتمزح» على قاعدة مزدوجة: الأولى نعم لطرْحه الذي لاقى دعماً من قوى حزبية وسياسية مسيحية مناهِضة، إما لـ «حزب الله» وإما لعهد الرئيس ميشال عون، أو كلاهما معاً، مثل «القوات اللبنانية» و«الكتائب»، ومن تجمعاتٍ أبرزها «لقاء سيدة الجبل» الذي اكتسب رمزيةً في ضوء الأدوار التي لعبها بعيد «نداء المطارنة الموارنة» التاريخي في سبتمبر 2000 الذي شكّل «المنصة» لإطلاق عنوان خروج الجيش السوري من لبنان، وصولاً إلى ملاقاةٍ في منتصف الطريق من الزعيم الدرزي وليد جنبلاط من زاوية مجاهرته باستشعاره بمخاطر على الكيان في ضوء تحويل لبنان «منصة صواريخ لإيران».

والثانية «لا» في ردّ على مواقف الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله التي كان توجّه فيها لمَن يدعو إلى التدويل، مستفيداً من تحذير أحد النواب (من كتلة الرئيس نبيه بري) من الفصل السابع، ليعلن في تصويب غير مباشر على الراعي «ما حدا يمزح بهيدا الموضوع»، معتبراً أنه بمثابة دعوة «لحرب أهلية وخراب البلد».

ورغم اقتناع كثيرين في بيروت بأن دعوة الراعي للمؤتمر الدولي تحت مظلة الأمم المتحدة لا يتوافر نصابها الداخلي ولا الخارجي وأن «المُمسكين» بخيوط اللعبة محلياً بامتدادهم الاقليمي لن يسلّموا بإفلات الواقع اللبناني من «نسخة الأقْلمة» لحالية للأزمة التي تجعل البلاد ورقةً على طاولة المقايضات وجزءاً من عملية إعداد مسرح التفاوض و«ضبْط» شروطه على جبهة الملف النووي الإيراني، فإن أوساطاً ترى أن اندفاعة الكنيسة المارونية تشكل محاولةً لإحداث تَوازُنٍ في سياق المخاوف من مرحلةٍ شبيهة بما بعد انتهاء الحرب الأهلية ووقوع لبنان أسير موازين اقليمية – دولية ومقايضات أفضتْ لما عُرف بـ «تلزيم» البلاد للنظام السوري وإطلاق «النسخة السورية» من اتفاق الطائف، مُلاحِظة أن الفاتيكان بدوره أعطى إشاراتٍ عدة الى خشيته المتعاظمة من عدم إبقاء لبنان «خارج الصراعات والتوترات الاقليمية».

وفيما تُبْدي بعض الدوائر قلقاً من أن يؤدي طرح الراعي وبدء تظهير الدعم الشعبي – السياسي له إلى استقطابات داخلية حادة، فإن الأوساط نفسها رأت أن بكركي لم ترفع الصوت إلا حين لمست «المخاطر الوجودية» على الكيان اللبناني ولا سيما في ظل تمادي الأزمة الحكومية وإدارة الظهر للمبادرة التي سبق أن أطلقها للتوفيق بين رئيسيْ الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري فيما الانهيار الشامل الكبير بات قاب قوسين.

ولاحظت الأوساط أنه في موازاة ما اعتبره خصوم فريق عون «قفزاً فوق الراعي» قام به «التيار الوطني الحر» بتوجيهه مذكرة إلى الفاتيكان قبل أيام بالتوازي مع شبه «نأي» عن طرح بكركي حول المؤتمر الدولي عبر رهْنه بتوافق داخلي، فإن «التيار» الذي زار وفد منه أمس بكركي وكان لقاء سبقه بدقائق اتصال بين الراعي والنائب جبران باسيل، تخلله تأكيد الأخير «الحرص على استمرار التواصل بين الطرفين والاتفاق مع غبطته حول أفكار عدة»، لم يتوانَ في الأيام الأخيرة عن تظهير «التصاقٍ» غير مسبوق بـ «محور الممانعة»، اعتُبر إما تعبيراً عن واقعٍ مأزوم اقتضى وضْع «كل بيضه» علناً في سلة واحدة عشية اتضاح اتجاهات الريح في الصراع الاقليمي، وإما عن «فائض» شعور بـ «انتصار» وشيك لهذا المحور يريد استثماره في المكاسرة الداخلية.

 

وعشية التحرك في اتجاه بكركي، برز إعلان الراعي أنه «عندما كنا نعيش زمن الحياد كان لبنان يعيش الازدهار والتقدم وخسرنا كل شيء عندما فُرض علينا ألا نكون حياديين»، لافتاً إلى «أنّنا وصلنا إلى مكان لا نستطيع التفاهم مع بعضنا لذلك كان طرحنا لمؤتمر دولي»، مضيفاً: «علينا تشخيص مرضنا وطرح معاناتنا انطلاقاً من 3 ثوابت هي وثيقة الوفاق الوطني والدستور والميثاق، وكل ما يجري الخلاف عليه اليوم في الداخل هو بسبب التدخلات الخارجية»، داعياً كل فريق إلى «وضع ورقة حول مشكلتنا في لبنان لتقديمها كورقة واحدة إلى الأمم المتحدة من دون الرجوع إلى أي دولة».

وفي موازاة ذلك، وعلى وقع مؤشراتٍ متزايدة لاقتراب الشارع من «الانفجار» تحت وطأة زيادة التقنين في ساعات التغذية بالتيار الكهربائي والتي استدعت ليل أول من أمس، تحركات اعتراضية وقطع طرق في العديد من مناطق بيروت، ناهيك عن الارتفاع المطرد في أسعار المحروقات والسلع مع بقاء سعر صرف الدولار في السوق السوداء في حدود 9500 ليرة، فإن الملف الحكومي ما زال يراوح في دائرة التعقيدات المستحكمة وسط تقارير عن استعداد الحريري لاستئناف جولته الخارجية على أن تشمل بريطانيا وألمانيا، وعن خطوات في جعبة عون لكسْر جمود التشكيل على قاعدة العودة الى الكتل النيابية التي سمّت الحريري و«فشل في المهمة» والبحث في كيفية سد الثغرة الدستورية التي تتيح «وضع التكليف في الجيب الى ما شاء الله»، سائلة هل بينها «استشاراتٌ جديدة» (للتكليف)؟ وقد نقلت «وكالة الأنباء المركزية» عن زوار عون، انه يسعى جاهداً لإخراج «البلاد من حال المراوحة القاتلة التي تستنزف العهد ورئيسه» مع التمسك بالمواد الدستورية «التي لا يمكن في ضوئها لأي من الشريكين بالتشكيل (رئيسا الجمهورية والحكومة المكلف) الاستئثار والتصلب بمواقفه»، مشيرين إلى أنه في ضوء الثغر في الدستور «إذ كان على المشرع ان يحدد مهلاً للتسمية والتكليف والتشكيل ومنح الثقة، فلا يبقى التكليف في جيب من كُلف الى ما شاء الله»، فإن «الرئيس عون لن يبقى متفرجاً على الانهيار الدراماتيكي للبلاد بل يعتزم الاقدام، على الأرجح، من نافذة التشاور مع الكتل النيابية، باعتبارها جهة شرعية دستورية، لا سيما التي سمت الحريري في الاستشارات النيابية الملزمة، واستمزاج آرائها في ما يمكن اتخاذه من خطوات لكسر الجمود الحكومي ووضعها أمام مسؤولياتها الوطنية في سد الثغرة الدستورية التي أدت الى هذا المأزق وما قد يترتب جراءه، ما دام مَن أولوه ثقتهم فشل في المهمة».

وذكّر الزوار بأن التيار الحر «كان سعى لتحديد مهل للخطوة الدستورية (التكليف)، إلا أن محاولاته سرعان ما أجهضت في مهدها، بعدما صورتها جهات سياسية ودينية على أنها اعتداء على صلاحيات رئيس الحكومة، مصرّة على إبقاء المهل«مفتوحة».