IMLebanon

لبنان بعد “النداء التاريخي” للراعي… العيْن على “حزب الله”

هل تكون «انتفاضة لا تَسْكتوا» التي أطْلقها البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، صرخة مدوّية في وادٍ يراهن البعض على أن يتلاشى صداها تحت وطأة تعقيدات الواقع اللبناني وتَشابُك «مشاكله الأصلية» مع الصراع الكبير في المنطقة، أم أن خريطة الطريق الواضحة التي رَسَمها رأس الكنيسة المارونية في «السبت المشهود» لحفْظ «الكيان» عبر مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة وعلى قاعدة حياد لبنان، صارت بمثابة «الناظم» الجديد للمشهد الداخلي وأبعاده الخارجية لن يكون ممكناً القفز فوقها؟

سؤالٌ طَبَعَ الساحة السياسية في بيروت، غداة ما بدا أنه نداءٌ شامل وتاريخي وجّهه الراعي أمام حشودٍ شعبيةٍ غصّ بها مقرّ البطريركية في بكركي واعتُبر امتداداً لنداء سبتمبر 2000 للمطارنة الموارنة الذي أرسى دعائم معركة «سيادة، حرية، استقلال» بوجه الوجود السوري (في لبنان) وأفْرز دينامية لبنانية «حفرت بإبرةٍ» حينها ممراً عابراً للطوائف وفّر الأرضية لمشهدية «ثورة الأرز» في 14 مارس 2005 بعد شهر من اغتيال الرئيس رفيق الحريري والتي خَرَجَ على وهْجها الجيش السوري في أبريل من العام نفسه.

 

ولم يكن ممكناً وفق أوساط مطلعة، مقاربة «الوثيقة المتكاملة» التي شكّلتْها كلمة الراعي والتي بدا فيها مأزق تأليف الحكومة أحد وجوه الأزمة اللبنانية الكبرى، من خارج زاويتيْن متداخلتين:

* الأولى أنها «تملأ الفراغات» البنيوية في هيكل «الأهداف الصغرى» التي بدا أن انتفاضة 17 أكتوبر 2019 ركنتْ إليها، إما تفادياً لإثارة الإشكاليات الجوهرية في الوضع التي قد تكون عاملاً انقسامياً للشارع أو تستدرج توتراتٍ، وإما نتيجة محاولاتٍ خفية لـ «توجيه» زخم هذه الانتفاضة عن بُعد بما يخدم المسار «الكاسر للتوازنات» الداخلية و«القاضم» لدور لبنان وهويته، في السياسة والمال الاقتصاد.

* والثانية «المتممة» للأولى أن البطريرك «وضع الاصبع» على ما تراه الكنيسة مكمن الأزمة الرئيسي والذي كان النصيب الأكبر فيه لـ «حزب الله» وسلاحه غير الشرعي وأدواره خارج الحدود، في ما عَكَسَ استشعار بكركي بالخطر الوجودي الذي بات يتربّص بلبنان في ظل ما وصفه بـ «الحالة الانقلابية بكل معنى الكلمة على مختلف ميادين الحياة العامة وعلى المجتمع اللبناني وما يمثل وطننا من خصوصية حضارية في هذا الشرق».

وإذ كان من الصعب، وفق هذه الأوساط، تَلَمُّس إذا كان 27 فبراير 2021 سيُلاقى داخلياً بحياكة أُطر تنسج وعاءً يوفّر نصاباً تعدُّدياً (طائفياً) لهذه الدينامية المتجددة التي من شأنها إحداث توازُن مع مساعي ترتيب طاولات تفاوض في المنطقة صار لبنان «ورقة» عليها بفعل التفوّق الإيراني في ساحته، فإنّ الأوساطَ نفسها ترى أن الرسالةَ الأقوى من إمساك الكنيسة بيدها زمامَ رفْع الصوت بوجه المنزلق الأخطر الذي يمرّ به لبنان منذ نشأته تبقى برسْم القوى المسيحية ولا سيما «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) الذي سيكون على محك الثوابت التي أعلنتها بكركي التي «تقدّمت الصفوف» في زمنٍ يحكمه سياسياً شعار «المسيحي القوي»، وشهد الانهيارَ الكبير.

وفيما اختار «حزب الله»، الذي هتف المحتشدون في بكركي ضدّه «ارهابي ارهابي حزب الله ارهابي» و«ايه يلّا، إيران طلعي برا» عدم الردّ المباشر على مواقف الراعي تفادياً على الأرجح للمزيد من إحراج «التيار الحر» في البيئة المسيحية، فإن التيار نفسه بدا مربكاً في كيفية ملاقاة المرحلة الجديدة وهو ما ظهّرته مواقف نواب فيه راوحت بين اعتبار ما قاله البطريرك يعبّر عن خطاب التيار منذ أعوام وبين أن الحشود الشعبية لم تكن بحجم توقعات مَن دعوا إليها، وذلك بعدما كانت هيئته السياسية استبقت التحرك في اتجاه بكركي بتأكيد «رفض إقحام لبنان في سياسة المحاور، والتزام محور لبنان».