IMLebanon

زيارة البابا إلى العراق… هل من مشاركة لبنانية؟

رغم الهجوم الصاروخي، الذي استهدف قاعدة عين الأسد في الأنبار، أكد البابا فرنسيس أنه سيقوم بزيارته العراق. ومن المتوقع ان يصل البابا الى العراق يوم الجمعة في زيارة تستمر أربعة أيام يزور خلالها بغداد وسهل أور ومدينتي أربيل والموصل وقرقوش في سهل نينوى، وسط حماية مشددة، أعلن مدير المكتب الصحافي للفاتيكان ماتيو بروني لوكالة نوفا الايطالية ان البابا فرنسيس قد يستخدم سيارة مصفحة خلال تنقلاته.

وقد جرت العادة، خلال زيارة البابا إلى المنطقة أن يواكب البطريرك الماروني وكبار المسؤولين الروحيين ويشاركون بوفود رسمية وشعبية، لكن بسبب جائحة كورونا ستكون المشاركة من لبنان مختصرة جدا. وفي السياق، أكد راعي الكنيسة الكلدانية في لبنان المطران ميشال قصارجي لـ”المركزية” انه لن يشارك شخصياً في الزيارة، كما لم يشكل اي وفد رسمي بسبب جائحة كورونا، فلا أحد يتحمل المسؤولية على عاتقه، إنما جرى التعميم على الكنائس لمن يرغب، وأبدى البعض رغبتهم في المشاركة بمبادرة فردية”.

وخصّ البابا فرنسيس، العراق بأول زيارة خارجية له منذ تفشي جائحة الفيروس التاجي، وتعد في الوقت ذاته أول زيارة لحبر أعظم إلى البلد العربي. وللمناسبة أصدر الفاتيكان ميدالية، تحتوي على نهري دجلة والفرات ونخلة، وترمز إلى النبي إبراهيم وهو يغادر مدينة أور السومرية التي ولد فيها.

وبدأ العراق يستعد بكل أطيافه وطوائفه لاستقبال البابا، وأنيرت مدينة أور الأثرية لأول مرة في التاريخ منذ تأسيسها قبل 4000 عام، وأنجزت التصليحات وعمليات ترميم وتجميل للشوارع التي سيمر بها موكب البابا، لدرجة دفعت بالعراقيين الى تمني زيارة البابا كل سنة. في حين يترقب المسؤولون العراقيون زيارة البابا وسط مساعِ لاستثمار نتائج تلك الزيارة نحو تحسين مكانة العراق دولياً، بحسب ما أكدت أوساط مطلعة “المركزية”، خاصة وان العراق يعيش أزمتين اقتصادية وصحية بسبب فيروس كورونا، لكنه يُعاني في الوقت نفسه من صراع سياسي يحتدم مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المبكرة.

ومنذ تشرين الأول 2019، يشهد البلد احتجاجات كبيرة دفعت بحكومة عادل عبد المهدي “المقربة من إيران” إلى الاستقالة وحلّت محلها حكومة مصطفى الكاظمي “المُقربة من واشنطن”، بعد سقوط أكثر من 560 قتيلاً من المحتجين وفقاً للأرقام الحكومية.

وسط هذه التحديات الكبيرة، يزور البابا العراق. ومن بغداد تبدأ رحلته، حيث سيلقي كلمة في كنيسة “سيدة النجاة” الكاثوليكية التي اقتحمها متشددون إسلاميون في 31 تشرين الأول 2010، وقتلوا 44 من المصلين وكاهنين وسبعة من قوات الأمن في واحدة من أعنف الهجمات على الطائفة المسيحية في العراق. وتحمل الآن النوافذ الزجاجية الملونة في الكنيسة أسماء الضحايا فيما كتبت رسالة تحدٍ فوق المذبح تقول، “أين نصرك يا موت؟”. كما سيُقام له استقبال رسمي وحفل بحضور الفرقة السيمفونية العراقية في قصر السلام بضيافة الرئيس العراقي برهم صالح.

ثم يزور النجف حيث سيلتقي المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، وهو صاحب فتوى “الجهاد الكفائي” عام 2014 للتطوع والقتال ضد تنظيم داعش. وأكدت الاوساط ان الزيارة لم تكن في الجدول الأول لزيارة البابا، وكان فريق الفاتيكان يتوقع أن يحضر السيستاني إلى الصلاة في مدينة أور، لكنهم عرفوا أن المرجع الأعلى لم يخرج من منزله منذ سنوات، فعُدِّل الجدول ووُضعت زيارته في جدول الأعمال.

وسيكون اللقاء بين الرجلين ودياً، ولن يتجاوز النصف ساعة بحسب الأوساط، ولن تنتج عنه أي وثيقة موقعة أو إعلان عن مبادرة، وفقاً لما صدر عن مكتب المرجع الأعلى قبل أيام، في نفي لما صرّح به سفير العراق في الفاتيكان رحمن العامري.

ومن النجف ينتقل البابا إلى أور الواقعة في الصحراء، المكان الذي ولد فيه النبي إبراهيم، حيث سيقيم مراسم تجمع الأديان المختلفة مع بعض الأقليات الأصغر في العراق، بما في ذلك الأيزيديون والصابئة، وهناك يلقي كلمة ويقيم صلاة “أسيزي”، من أجل السلام، وهي أبرز ما سيقوم به من نشاطات في العراق. وتشكل الزيارة الى هذه المنطقة تحدياً، خاصة مع الاحتجاجات المستمرة وأعمال العُنف والصِدامات بين المحتجين والقوات الأمنية.

ومنها ينتقل البابا فرنسيس الى الموصل وقرقوش في محافظة نينوى الشمالية هي مركز الطائفة المسيحية في العراق. وهي المكان الذي اختار تنظيم الدولة الإسلامية فيه الإعلان عن إنشاء دولة “الخلافة” في العام 2014. في الموصل، سيزور البابا كنيسة الطاهرة في غرب المدينة التي دمرها تنظيم الدولة الاسلامية قبل أن تهزمه القوات العراقية بعد حرب طاحنة.

في إحدى آخر محطات زيارته، يقيم البابا قداسًا في الهواء الطلق في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق. عندما اجتاح تنظيم الدولة الإسلامية شمال العراق، لجأ مئات الآلاف من المسيحيين والمسلمين والأيزيديين إلى إقليم كردستان العراق الذي كان يستضيف أساسا الأقليات النازحة اثر العنف الطائفي الذي شهده العراق خلال مراحل سابقة تلت الغزو.

ولفتت الاوساط الى ان لا زيارة للبابا لمرجعية سنّية في جدول أعماله. ومع ذلك، سيحضر بعض رجال الدين السنّة إلى الصلاة في أور، وإلى لقاء رسمي داخل المنطقة الخضراء الحكومية.

وتعد زيارة شخصية بحجم بابا الفاتيكان إلى العراق، رسالة دعم معنوية كبيرة ليس فقط لمن بقي فيه من مسيحيين، ولكن أيضاً للأقليات الأخرى. وبزيارته للعراق، يخطو البابا خطوة جديدة في اتجاه تثبيت نفسه “رسولاً للمتعبين”، لا يهتمّ بملاقاة أقوياء العالم، بل يذهب إلى ضعفائه أيضاً، ويقدم رسالة احتضان إلى الشعوب الجريحة تحت وطأة الحروب والانقسامات، تختم الاوساط.