IMLebanon

“إثنين غضب” اجتاح لبنان والسلطة “إلى الحلّ الأمني دُر”

 

… كأنه «انقلاب».

هكذا بدا أن السلطة في لبنان اختارتْ التعاطي مع «الهبّة» الاعتراضية الواسعة في الشارع، ممهّدةً لـ «الخيار الأمني – القضائي» في مقاربة الغضبة الشعبية والأزمة المالية – النقدية بمعزل عن «جوهرها» السياسي الذي يعبّر عنه العجز المتمادي منذ نحو 7 أشهر عن تشكيل حكومةٍ ما زالت عالقةً في دهاليز المناكفات الداخلية والصراع الاقليمي.

وساد حبْسُ الأنفاس بيروت أمس، مع نجاح «اثنين الغضب» في تقطيع أوصال البلاد عبر قطْع كل الطرق الرئيسية لا سيما التي توصل إلى العاصمة بالاطارات المشتعلة أو السيارات وغيرها من العوائق، فيما أطلقتْ السلطةُ ما يشبه «النفير» عبر اجتماع أمني – مالي – اقتصادي عُقد برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون وخلص إلى ما يشبه «البلاغ الرقم واحد» الذي أعطى الضوء الأخضر للقوى الأمنية والأجهزة القضائية بالتصدي «لخطط ضرب النقد الوطني» على وقع تجاوُز سعر صرف الدولار 10 آلاف و500 ليرة في السوق السوداء، ولـ «العمل التخريبي المنظم الرامي لضرب الاستقرار» الذي يشكّله قطْع الطرق.

وما إن انتهت تلاوة مقررات اجتماع بعبدا «بالصوت والصورة» من المستشار الاعلامي والسياسي لرئيس الجمهورية انطوان قسطنطين، حتى تدافعت الأسئلة حول تداعيات ما اعتُبر أنه «هجوم مضاد» من فريق عون ضدّ ما جرى تسريب أنه «حِراك منظّم» تقف وراءه أحزاب مُعارِضة للعهد (القوات اللبنانية والكتائب والتقدمي الاشتراكي) وأخرى على خصومة حالية معه في ملف تأليف الحكومة (حركة أمل وتيار الرئيس المكلف سعد الحريري)، إما بهدف الضغط على الرئيس اللبناني في إطار لعبة «مَن يصرخ أولاً» في «المطاحنة الحكومية» مع الحريري، أو حرْف غليان الشارع وتوجيهه نحو عون من ضمن محاولة ليّ ذراعه وفرْملة إصراره على التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان.

وبرزتْ أولى التداعيات المحمّلة بأبعاد طائفية ودستورية، على خلفية ما اعتُبر من معارضين لعون إمعاناً في محاولة تظهير وجود «نظام رئاسي» يستفيد من الفراغ الحكومي، وهو ما عبّر عنه موقع «المستقبل ويب» بكلامه عن ان «الجديد من بعبدا ان الناطق باسم الرئاسة، تولى اذاعة البيان على الشاشات، وهو بيان أعلن الحرب على المنصات الالكترونية واتهمهما بالتآمر على العملة الوطنية».

علماً ان الاجتماع، الذي انتهى إلى مقررات «شبه وزارية» دعت إلى ضرورة إقرار قانون الـ «كابيتال كونترول» وتكليف وزارة الخارجية تكثيف التواصل مع الدول المانحة لحضها على مساعدة النازحين السوريين في وطنهم، التأم بمشاركة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، الذي يرفض عقد أي اجتماعات للحكومة المستقيلة لاعتبارات دستورية والذي كان لمح قبل أيام إلى الاعتكاف عن تصريف الأعمال إذا كان ذلك يسرّع بتأليف الحكومة.

وفيما كان عنوان تشكيل الحكومة الغائب الأكبر عن «الإحاطة الأمنية» بالأزمة اللبنانية وعما وصفه رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل بأنه «اجتماع انقلابي قمعي»، وسط اعتبار أوساط سياسية أن السلطة بدت في «حال إنكار» لحقيقة الأزمات ومكامنها، اتجهت الأنظار سريعاً إلى كيفية ترجمة مقررات اجتماع بعبدا على الأرض وتحديداً لجهة فتْح الطرق وتبعات هذا السلوك المستجدّ على الأزمة الحكومية خصوصاً بعدما أعطى كلام عون اشارة واضحة إلى أن ما يجري في الشارع يستهدفه مباشرة بقوله «أتيتُ لأُحْدِث التغيير الذي ينشده اللبنانيون ولن أتراجع، وماضٍ في برنامجي الاصلاحي مهما بلغت الضغوط»، منبهاً «لخطورة الشعارات التي تمس بوحدة الوطن واثارة الفتن والنيل من الدولة ورمزها».

وإذ كان قرار «الاجهزة الأمنية ضبط الصرافين المرخصين أو غير المرخصين الذين يمارسون المضاربة» و«استكمال قفل المنصات الالكترونية غير الشرعية المحلية التي تحدد أسعار الدولار تجاه الليرة» يُقابل بتأكيد المعنيين انه جرى حجب مواقع وتطبيقات إلكترونية معنية في موازاة تقارير عن ان شركة «غوغل» لم تتجاوب مع طلب حجب المنصات التي يجري التحكم بها من الخارج، فإن العيون والعدسات شخصت إلى الجانب الأمني من المقررات وتحديداً «الطلب الى الاجهزة الامنية والعسكرية عدم السماح بإقفال الطرق مع الأخذ في الاعتبار المحافظة على سلامة المواطنين والمتظاهرين وعلى الممتلكات العامة والخاصة».

ولم يكن عابراً بعيد انتهاء اجتماع بعبدا توزيع كلام عالي السقف لقائد الجيش العماد جوزف عون قاله صباح امس خلال لقاء مع أركان القيادة وقادة الوحدات الكبرى والأفواج المستقلة، حيث أكد ان «العسكريين يعانون ويجوعون مثل الشعب»، سائلاً المسؤولين «إلى أين نحن ذاهبون، ماذا تنوون أن تفعلوا، لقد حذرنا أكثر من مرة من خطورة الوضع وإمكان انفجاره»؟

وأكد «أن الجيش مع حرية التعبير السلمي التي يرعاها الدستور والمواثيق الدولية لكن من دون التعدي على الأملاك العامة والخاصة»، ومشدداً على «أن الجيش لن يسمح بالمس بالاستقرار والسلم الأهلي».

واعتبر «أن الجيش يتعرض لحملات إعلامية وسياسية تهدف إلى جعله مطواعاً، وهذا لن يحدث أبداً، وإذا كان هدف الحملات ضرب الجيش وتشويه صورته، فإننا لن نسمح أن يكون الجيش مكسر عصا لأحد، وفرط الجيش يعني نهاية الكيان»، متوجهاً للضباط والعسكريين «بحكمتكم وضبط أعصابكم جنبتم لبنان، وما زلتم، صدامات كبيرة. لقد وضعتكم الظروف في مواجهة شعبكم وأهلكم، لكن بحكمتكم اجتزتم المرحلة الصعبة… والشعب يثق بجيشه».

وعلى وقع هذا الكلام غير المسبوق، بدأ رصْد أداء الجيش على صعيد فتْح الطرق، في ظل إصرار المحتجين في مناطق عدة على عدم مغادرة الشارع حيث نصبوا خيماً، واتساع رقعة قطْع الطرق في أكثر من بقعة، وسط اعتبار مجموعات أن «ما جرى في بعبدا يعد انقلاباً أمنياً على مطالب الناس ودفع مؤسسات الدولة وأجهزتها إلى قمع المواطنين»، من دون أن يُعرف إذا كان هذا المنعطف الجديد في الأزمة اللبنانية سيفتح البلاد على فصل أعتى من العاصفة الشاملة، خصوصاً في ظل صعوبة تصوُّر أن يكون على طريقة التمهيد لـ«حلّ على الساخن»، أقله ليس في المدى القريب.