IMLebanon

لبنان: “بالونات اختبار” فوق لهيب الشارع

 

لليوم الثاني على التوالي، بقيت «الكلمة الأقوى» للشارع في لبنان الذي يشهد «انفجار غضب» يرتفع منسوبه تباعاً ويتمدّد كـ«بقعة الزيت» على رقعة شاسعة من جغرافيا الوطن.

وسواء كان صوتُ الاحتجاجات التي تواصلت على شكل قطع الطرق الرئيسية في غالبية المناطق ولا سيما تلك التي توصل الى بيروت، هو نتاج «نارِ» الارتفاع «الحارق» لسعر صرف الدولار في السوق السوداء (بقي أمس عند حدود 10500 ليرة)، أو أنه يعكس تحوّل الشارع مسرح عمليات لـ «تَدافُع خشن» بين قوى سياسية على تخوم أزمة تأليف الحكومة وربما ما هو أبعد، فإنّ الاهتزاز الكبير لـ «الأرض» بدأ يثير قلقاً خارجياً متزايداً من خروج الأمور عن السيطرة بما يعطّل مفاعيل أي تسويةٍ يصعب حياكتها من دون تقاطعاتٍ معقّدة يتعيّن أن تعبر «ممرّ الفيلة» في المنطقة بعناوينه التي تتمحور حول نفوذ طهران الإقليمي.

وراوح المشهد الميداني أمس بين حدّين: الأول فتْحٌ موقت لبعض الطرق الرئيسية وإخلاء مَنافذ بالكامل وثباتٌ على الإقفال في مناطق أخرى، وسط أداء لافت للجيش بدا أنه استظلّ صرخة قائده العماد جوزف عون بوجه السياسيين، متفادياً جعل المؤسسة العسكرية ذراعاً للسلطة لضرب ما اعتبره اجتماع القصر الجمهوري (الاثنين) «عملاً تخريبياً منظماً لضرب الاستقرار» ليختار عوض ذلك «تنظيم التدخل» بإقناع المحتجين حيث أمكن بإزالة العوائق أو توفير ممرات جانبية للعبور.

والثاني انضمام مناطق جديدة إلى حركة الاحتجاجات على خلفية تحميلِ الصيارفة الشرعيين وغير الشرعيين وتطبيقات التداول بسعر الدولار مسؤولية الانهيار المريع لليرة، وقد شهدتْ منطقة شتورة البقاعية خصوصاً تحركاً للصرافين الذين توقفوا عن العمل في ساحتها وعمدوا الى قطع كل الطرق التي تصل اليها بالإطارات المشتعلة رفْضاً لتوقيف عدد منهم وختْم بعض المحال بالشمع الأحمر.

ولاحظتْ أوساطٌ سياسيةٌ أن هديرَ الشارعِ المتألّم والذي يعزز غضبه يومياً الانفلاتُ الجنوني في أسعار السلع ومشاهد التسابُق على سلع مدعومة يتم توفيرها «بالقطارة»، لم يَخْفُتْ أمام محاولات إغراقه، واقعياً أو بالاتهامات، في الصراع السياسي المستعر على تخوم مأزق تشكيل الحكومة، وهو ما كان عبّر عنه جوٌّ أشاعه فريق الرئيس ميشال عون بأن هبّة الشارع والضغط بالدولار يرمي بالحدّ الأدنى لحشْره في الزاوية ودفْعه لتنازلات في التأليف وبالحدّ الأقصى لإيجاد مناخ ضاغط لإسقاطه ولو بالاستقالة، في مقابل ارتسام معادلة مضادة على شكل دعوةٍ للرئيس المكلف سعد الحريري لعدم الاعتذار على قاعدة «الاعتذار مقابل استقالة رئيس الجمهورية»، وفق ما أعلن النائب نهاد المشنوق.

وفي حين كانت أزمة التأليف تشهد محاولةً متجددة للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم لتدوير زواياها، استوقف الأوساط السياسية اللقاء الذي جمع الحريري أمس في أبوظبي مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وسط أسئلةٍ عن تأثير الدعم الروسي للمبادرة الفرنسية على مقاربة طهران للواقع اللبناني وإمكان فصْل الملف الحكومي عن مقتضيات إحياء الاتفاق النووي.

وفي رأي الأوساط أن الجواب يفترض ألا يكون بعيداً، إذ ان المعلومات حول حركة اللواء ابراهيم الذي زار امس البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، تشير إلى أنها تتمحور حول قيام حكومة مهمة من 18 وزيراً من الاختصاصيين غير الحزبيين، ينال فيها عون وفريقه 5 وزراء زائد وزير «الطاشناق»، اي بلا ثلث معطل، على أن تؤول وزارتا العدل والداخلية للحريري، بحيث يختار الأخير الاسمَين من بين 3 أسماء يقترحها عون.

وفيما نقلت «وكالة الأنباء المركزية»أن عون وافق على الاقتراح إلا ان الحريري طلب موافقة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أيضاً عليه من دون أن يشترط إعطاء نواب التيار الثقة للحكومة، فإن مصادر أخرى بدت حذرة في مقاربة هذه الأجواء مستدلّة على ذلك مما نُقل عن أن باسيل، وبعد تبلغه اقتراح ابراهيم، تخوّف من خطورة تسليم القرار كاملاً للحريري من دون ضوابط في المرحلة الانتقالية، وحاول الحصول على ضمانات أقله من خلال اتصال يجريه به الرئيس المكلف.

يأتي ذلك وسط توقف الأوساط عيْنها عند إعلان الخارجية الأميركية «نراقب الوضع عن كثب في لبنان وطالبنا مراراً قادته الالتزام بوعودهم بتشكيل حكومة ذات صدقية بأسرع وقت»، بعد دعوة واشنطن رعاياها لإعادة النظر بالسفر إلى لبنان بسبب جائحة «كورونا» والجريمة والإرهاب والنزاع المسلح والاضطرابات المدنية والاختطاف وقدرة السفارة المحدودة في بيروت على تقديم الدعم للمواطنين الأميركيين.