IMLebanon

لبنان يخشى الفوضى الأمنية والدولار… “يتوحّش”

 

بات الواقعُ اللبناني مضبوطاً «على عقارب» الدولار المتحرّكِ على مدار الساعة والذي يحطّم يومياً رقماً قياسياً جديداً «طار» معه فوق الـ 13250 ليرة.

لم تَعُد يومياتُ اللبنانيين تشبه شيئاً مما اعتادوه… رنّةُ إشعارٍ على الهواتف من تطبيقات التداول بسعر الدولار أو من حسابات على مواقع التواصل موصولةٍ بآخِر أخبار العملة الخضراء أصبحتْ «الناظمَ» لحياةٍ لم يَنْجحوا في الوفاء بعهودهم بأن يحبّوها في السراء والضراء… ومع كل قفزةٍ للدولار تَزدادُ المَخاوف من الآتي الأعظم في أسعارٍ ارتفعتْ أمس بأكثر من 20 في المئة في السوبرماركت للسلع الغذائية التي تَناقصتْ بفعل التدهور الأسرع لليرة في 72 ساعة وضياع الأسواق كما المستوردين في كيفية التسعير، وسط استعادة نغمة الارتداد لِما شهدتْه البلاد أواخر أيام الحرب من تحديد الأسعار على الرفوف بالعملة الأميركية، فيما تَواصل إقفالُ العديد من المتاجر لأبوابها خشية تَآكُل رأسمالها التشغيلي في ظلّ بيعها بضائعها وفق سعرِ صرفٍ صار من الماضي (تحت 10 آلاف ليرة) وتوَقُّع أن يتجاوز الدولار خلال أيام قليلة عتبة 15 ألف ليرة.

وإذ تشي كل المعطيات بأن «الغضب الساطع» لا بدّ آتٍ في ضوء بقاء الشارع على تَحَفُّزه واحتجاجاته، ولو المتذبذبة، التي تجدّدت أمس وسط تزاحُم التحذيراتِ من قطاعات حيوية (بينها الاستشفائي) مما سيترتّب على مرحلة «الدولار المتوحّش» فيما «كورونا» يَمْضي بالفتْك باللبنانيين، تزداد الخشية من تبعاتِ فقدان لبنان كل أحزمة الأمان الداخلية والخارجية وصولاً إلى ما يشبه «غَسْل الأيدي» من وزراء معنيين من اضطراباتٍ قد تتخذ أشكالاً عدة وبدأت مقدّماتُها مع إشكالات متنقّلة بين مواطنين في سوبرماركت وارتفاع نسبة جرائم السرقة وتنوُّع طرقها. وما يعزز التوجس من هذا السيناريو الفوضوي تلاشي كل مقومات «الأمن السياسي»، وما نقلتْه تقارير إعلامية عن مصادر أمنيّة حذّرت من مخاطر الاقتراب من الفوضى الشاملة وظهور «ملامح الأمن الذاتيّ».

ورغم سوداوية المشهد المفتوح على آفاق كارثية تهدد اللبنانيين في لقمتهم وأدنى مقومات العيش التي صارت أصلاً تتقلّب تحت خط الفقر لأكثر من نصفهم، فإن أي إشارةٍ لم تبرز إلى أن الأزمة الحكومية تقترب من «خط النهاية» في ظلّ استمرار العجْز عن اجتراحِ مخرج يوفّق، في رأي أوساط واسعة الاطلاع بين نقيضيْن: حساباتٍ سُلْطوية تتخذ لبوس التوازنات تتحكّم بمقاربة فريق رئيس الجمهورية ميشال عون لمسار التشكيل، ويستفيد منها «حزب الله» لإبقاء عملية التأليف رهينة مقتضيات الصراع الإقليمي، وبين الشروط التي يتمسّك بها الرئيس المكلف سعد الحريري حيال شكل الحكومة وعدم حصول أي فريق لوحده عبر الوزراء الاختصاصيين غير الحزبيين «الذين ليسوا لا معه ولا ضدّه» على الثلث المعطل.

وفي رأي الأوساط «أن محاولة فريق عون تصوير الحريري على أنه العائق أمام التأليف وأن اعتذاره يحلّ المشكلة إنما هي تعمية على أن الرئيس المكلف الذي يخوض أساساً مهمةً (حارقة) بحال فشلها، على المستوى الشخصي كما الوطني، لا يمكنه تأليف حكومةٍ لا (يضمن) نيْلها الغطاء الدولي»، لافتة إلى «أن أي شخصية أخرى لن تتمكّن من تجاوُز المواصفات الدولية لحكومة المَهمة الإنقاذية وإلا لكانت حكومة الرئيس حسان دياب أدت هذه المهمة»، ومشيرة إلى «أن على المعنيين الآخرين بملف التأليف أن يقرروا: فإذا كان إنقاذ لبنان ممكناً من دون مظلّة الخارج، لماذا لم ينجح ذلك مع تشكيلة دياب أو لماذا إذاً لا يعلنون صراحةً رفْض المبادرة الفرنسية وليباشروا تالياً بالخطوات المانعة السقوط في جهنّم؟ أما إذا كان الخلاص، وهذا هو الواقع، لن يكون بلا رافعة عربية – دولية فهذا يعني أن الشروط لذلك أبعد من شخص الرئيس المكلف».

ورأت الأوساط نفسها أن كلام رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ليل الأحد حمل كل مؤشرات التمترس خلف التعقيدات نفسها بل مع إشاراتٍ هجومية أكبر، وخصوصاً لجهة طلبه من الرئيس المكلف «إما تشكيل الحكومة أو ترك التأليف لأن البلد لا يحتمل»، معتبراً أنهم «يريدون أن ينهوا عهد عون بالقول إن هذه التجربة فشلت»، معتبراً أن على عون أن «يقوم بشيء» في مواجهة هذا المخطط سواء بالدعوة ‏إلى «استشارات أو مشاورات جديدة»، أو بتوجيه «رسالة» إلى مجلس النواب ‏لبحث سبل إيجاد مخرج لأزمة «التكليف والتأليف».

وفي موازاة ذلك، شخصتْ الأنظارُ إلى محطتين: الأولى زيارة قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال كينيث ماكينزي الذي التقى رئيس الجمهورية وقائد الجيش العماد جوزف عون وسط معلومات (وكالة الأنباء المركزية) عن أنه أبلغ مَن التقاهم «أن الولايات المتحدة ما زالت مصممة على الحفاظ على الشراكة القوية مع الجيش اللبناني»، وأن الإصرار الأميركي «نابع من قناعة الإدارة بضرورة تثبيت أقدام الجيش وتقويته بمواجهة الخطر الأمني والعسكري».

والثاني محادثات كتلة نواب «حزب الله» في موسكو التي بدأت بلقاء وزير الخارجية سيرغي لافروف أعقبه تأكيد النائب محمد رعد «أن اللقاء كان ودياً وصريحاً وتم البحث في أوضاع لبنان والمنطقة، وجرى عرض الوضع الحكومي، وحزب الله حريص على ضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة»، لافتاً إلى أن الزيارة «تمثل نقلة نوعية في العلاقات خصوصاً بعد التعاون في التصدي للإرهاب الذي أسفر عن تضحيات».