IMLebanon

الحكومة والكرسي الكهربائي

كتب جوزف الهاشم في “الجمهورية:”

بعد سبع عشرة جولـة أو معركة لتأليف الحكومة، صدر القـرار بتحديد موعد جديد لاستئناف المعارك الملحمية، ولم يتمكّن هوميرس من تأليف ملحمة «الإلياذة» التي تـروي مأساة طروادة المدمّـرة بالحروب.

ويظلّ الصعودُ إلى القصر نزولاً إلى القعر.

وتظلّ الكراسي شاغرة والعروش بلا رؤوس.

الكرسي في اللغـة لا يعني المقعد الخشبي بقدر ما يعني أهل العلم… والكرسي الرسولي يعني مركز الحبْـر الأعظم، والكرسي في المُلْك يعني العرش.

وعندما يتحوّل كرسي العرش إلى كرسي كهربائي، يصبح الشعب محكوماً بالإعدام، وإذ ذاك مَـنْ لا يلبُـط الكرسي يلبطُه، ومَـنْ لم يتنازل يصبح معرَّضاً للتنزيل.

لقد تدمَّـر الوطن، ونُـكٍّسَ العلَـم، وسقطَتْ كـلُّ الأسماء الرسمية للدولة وللجمهورية والحكم والحكومة والنواب، وسقطَتْ أحكامُ الكِتاب، والأوسمة والألقاب، وكـلُّ ما في خزائن الملابس من ثياب مرقطّة بالـدم.

الدولةُ أشبه بطيّارةٍ مسيَّـرةٍ بلا طيار، والشعبُ موجوعٌ مقهورٌ، مفجوعٌ بالشرور والخاطر المكسور، يتخـبَّط مستغيثاً في أمواج تيّـارٍ صاخب، ولا أمـل ولا غـوث، ولا جبران خاطر ولا عـون.

الدولة التي يحكمها رأسٌ يتداخل في رأس، تنشطر ..

«قد يستطيع فقيرانِ أنْ يناما على بساطٍ واحد، ولكّن فراش المملكة لا يتّـسع لملِكَيْـن(1) ..»

السلطة الشرعية في القانون هي سلطة الحاكم والقائد والوالد ولا يعتبر الحاكم أبـاً، رئيساً كان أو حكومة، إنْ لم يكن صالحا، وحين ينْهـى المسيح عن الأبّـوة الأرضية «لأن أباكم واحدٌ في السماوات… وليس أحدٌ صالحاً إلاّ الله(2)»، فهذا يعني أنّ الذي لا يستلهم أبـوَّةَ اللّهِ وصلاحَ اللّه على الأرض لا يستطيع أنْ يحقّق الإصلاح.

يكفي… أنْ يخدِّرنا السكارى بإنجازاتهم الوطنية، بمشاريعهم الإصلاحية، بسياستهم الهادفة، وقد أصبح الهدف من السياسة معهم، كمثْل الهدف من الدين: تهيئـةُ النفوس للموت.

يكفي أن يُـتْخِموا المجلس النيابي بالقوانين ومشاريع القوانين، باستعادة الأموال المنهوبة، بالتدقيق الجنائي، بمكافحة الفساد:

وكيف يكافح الفاسدُ نفسَهُ، وكيف يتذرَّع المرتكبون باللّجـوء إلى القضاء، والقضاء لاجـيءٌ إلى أحضانهم، وكيف يطالبون بالمحاسبة، والمحاسبةُ تقْمعُها الحصانات.

إسمعوا ما يقول الجنرال ديغول: «هناك جرائم يجبُ أن يُعاقَبَ عليها قبل أن يُحقَّـق فيها …»

إسمعوا، ما يقول وزير الخارجية الفرنسي: «إنّ الوقت قصير قبل انهيار لبنان …»

إسمعوا، الأمم المتحدة والمجموعة الدولية لدعم لبنان، وصوت باريس ولندن وواشنطن وموسكو وروما، الكلُّ يحذّركم عَبثاً من الوصول إلى المجهول.. والمسؤول مجهول.

ويْلكم، لقد جعلتمونا مسخَرة الأمم.

إسمعوا، أصداء عجلة الحياة وقد أصبحت أشبهَ بعجلة الموت، والشباب والنُخَبُ والأطباء والممرضات والقضاة والضباط ورجال الأعمال وأهـل التفوّق والإختصاص يهاجرون إلى مجاهل الدنيا بحسرةٍ وطنية وأجنحةٍ متكسرّة.

لبنان أصبح جديراً بالرثـاء، فهل يقتضي أن يموت لبنان ليحيا من جديد؟

أحدُ أعضاء الحزب القومي الفرنسي «دريو لاروشال» حين فقد الأمل بعودة أوروبا إلى الحياة الحقيقية بعد الحرب العالمية الثانية فقال : «فلْتَـمُتْ فرنسا لتحيا من جديد»(3).

ولكن لبنان، لا… بحكومة أو بغير حكومة.

لبنان يبقى لبنان، يتصارع مع الموت ويصرع الموت.

لبنان يحيا ولا يموت لأنه أحدُ جبال الجنّة كما يقول النبي…

ولأنّ أرضَهُ شهدت خطى المسيح الذي يطـأُ الموت بالموت.