IMLebanon

هل يتدارك لبنان “الطوفان”… قبل فوات الأوان؟

 

لم يكن أكثر تعبيراً عن المنحدر الخطير الذي سلكه الواقع اللبناني بعد «التفجير الأعنف» الذي طال مسار تأليف الحكومة من صرخات التحذير العربية والدولية مما ينتظر «بلاد الأرز» على المستويات الأمنية والمالية والاقتصادية والمعيشية في ضوء انزلاق الأفق السياسي إلى مزيدٍ من الانسداد على وقع الجولة الجديدة من «شدّ البراغي» في المنطقة على طول الجبهة «الموصولة» بالملف النووي الإيراني.

ورغم أن الإحاطةَ العربية – الدولية، التي ارتسمت ملامحها سريعاً بعيد اللقاء العاصف بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، أول من أمس، بدت في نظر أوساط سياسية بمثابة عنصرٍ يمكن أقله أن يُحْدِثَ «توازُناً سلبياً» مع ما اعتُبر محاولاتٍ للانقلاب على كل المسار الحكومي من الائتلاف الحاكم (تحالف عون – حزب الله)، فإن مصادر مطلعة لم تُبْدِ اطمئناناً إلى أن هذا «الاستنفار» الخارجي يتقاطع حول آلية ضغطٍ محدَّدة أو مُبَرْمجة من شأنها أن تُفْضي للإفراج عن الحكومة قبل «فوات الأوان» وحصول «الطوفان» الذي يخشاه الجميع.

 

وفي رأي المصادر، أنه إلى جانب المعطى الاقليمي المحوري في المأزق الحكومي والذي يضبط مقتضياته «حزب الله»، فإن هذا الملف بات بالمقدار نفسه أسير معركة «يا قاتل يا مقتول» بين عون والحريري و«الحسابات الرئاسية» التي تتحكّم بتعاطي فريق رئيس الجمهورية (النائب جبران باسيل) مع عملية التشكيل وتوازناتها.

ولفتت إلى أن هذا الأمر عبّر عنه ما رافق «الحريق الكبير» السياسي – الدستوري الذي اشتعل في أعقاب لقاء «التوتر العالي» بين عون والحريري خصوصاً لجهة انكشاف ما تمت قراءته على أنه توجُّه «عن سابق تصور وتصميم» من رئيس الجمهورية والمحيطين به للمضي في «الإساءة» للرئيس المكلف وفق ما ظهّرته الرسالة بخط اليد التي أُرفقت بها اللائحة – النموذج التي أرسلت الى «رئيس الوزراء السابق» مع ملاحظة «من المستحسن تعبئتها»، وفق توزيعات تضمن «الثلث المعطّل» لعون ومن ضمن محاصصة حزبية لا لبْس فيها، بما يشكّل ارتداداً على جوهر المبادرة الفرنسية والمظلة الدولية التي ارتسمت لحكومة الاختصاصيين من غير الحزبيين التي تقع على عاتقها مهمة إنجاز إصلاحاتٍ تمهّد لوضع البلاد على سكة الإنقاذ.

ولاحظت الأوساط أن ما بعد «الاثنين الساخن» وتشظياته التي اتخذت شكل «حرب بيانات»، وتقاذُف اتهامات حول «أفخاخ متبادلة» سواء على قاعدة محاولة فريق رئيس الجمهورية زرْع «عبوة» في طريق الرئيس المكلف عشية صعوده الى القصر علّه يفجّرها بيديه ويعتذر، أو ثبات الحريري على تقديم تشكيلة لعون تحمل في ذاتها بذور «موتها» لعلمه المسبق أن الرفض حليفها، فإن الساحة الداخلية شهدت سلسلة اجتماعاتٍ بارزة: الاول، القصر الجمهوري حيث استقبل عون مجموعة سفراء أبرزهم السفير السعودي وليد بخاري بناء على دعوة وُجهت إليه من الرئيس اللبناني، بالإضافة إلى السفيرة الفرنسية.

وقال السفير السعودي إن «الرؤية السعودية للبنان تنطلق من مرتكزات السياسة الخارجية للمملكة التي تؤكد على إحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وسيادة لبنان إنجاز تاريخي تحقّق عبر نضالات الشعب اللبناني ونحن نحترم هذه السيادة».

وشدّد السفير على ضرورة تطبيق القرارات الدولية في لبنان و»التمسك بإتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الاهلي».

وأكد أن «الموقف السعودي يشدد على التزام المملكة سيادة لبنان واستقلاله ووحدة اراضيه وضرورة الاسراع بتأليف حكومة قادرة على تلبية ما يتطلع اليه الشعب».

وأعلن البخاري، ان عون رحب بالمبادرة السعودية للسلام في اليمن.

والثاني «بيت الوسط»، حيث مضى الحريري في تقويم المرحلة الجديدة واستقبل سفير الكويت عبدالعال القناعي، وسط معلوماتٍ تحدثت عن أن الرئيس المكلف كان وضع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عبر موفدٍ زار بكركي ظهر الاثنين، في أجواء البيان العنيف الذي أصدره من القصر بعد لقاء عون، وذلك قبل أن يشارك أمس في اجتماع رؤساء الحكومة السابقين الذين يقفون كلمة واحدة ضدّ ما يعتبرونه مساساً بصلاحيات الرئيس المكلف وتشويهاً و«اعتداء على الدستور».

وإذ لم يكن عادياً ما كُشف عن أن الاتصال بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والبابا فرانسيس (الأحد) تناول الوضع اللبناني والمخاوف من «عدم الاستقرار الذي تسبّبه الدول التي تستخدم الديبلوماسية الدينية لغايات سياسية»، فإن الإطلالة الفرنسية – الاوروبية على واقع «بلاد الأرز» والتي تترافق مع تلميحات متصاعدة الى عقوبات محتملة ذات صلة بالأزمة اللبنانية يُراد أن تكون بالتنسيق مع واشنطن، تزامنتْ مع دعوة الخارجية بعيد تصاعُد الدخان الاسود من قصر بعبدا الاثنين «القادة اللبنانيين لوضع خلافاتهم جانباً والإسراع بتشكيل الحكومة»، مشيرة إلى أن «المسؤولين الأميركيين قلقون حيال تطورات الوضع في لبنان وعجز القيادة فيه».

وعلى الموجة نفسها وغداة الاتصال الذي أجراه الراعي بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الذي أعرب عن ضرورة تأليف حكومة والحفاظ على لبنان بعيداً عن الصراعات، في موازاة تأكيد رأس الكنيسة المارونية «ان البلد شارف على الانهيار التام واللبنانيين ينتظرون دوراً رائداً للمنظمة الدولية»، اعتبرت نائبة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان نجاة رشدي أمس «ان تشكيل حكومة تتمتع بالصلاحيات لمعالجة أزمات البلاد المتعددة والخطيرة خطوةٌ لم تعد قابلة للتأجيل بعد الآن»، لافتة إلى أنه «مع تفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية وتدهور الوضع المالي وتفشي حال الفقر وانعدام الأمن الغذائي بين الناس، على القادة اللبنانيين ترك خلافاتهم جانباً وإنهاء الشلل القائم».

وفي ملاقاة «قرْع ناقوس الخطر» دولياً، وعلى وقع إعلان «الفاو» وبرنامج الأغذية العالمية «أن اليمن وسورية ولبنان والصومال من الدول المهددة بانعدام الأمن الغذائي لجزء من سكانها» محذرة من أن تؤدي الأزمة الاقتصاديّة في لبنان إلى ارتفاع مستوى الاضطرابات وأعمال العنف، دعت الجامعة العربية، جميع الفرقاء السياسيين إلى «إعلاء المصلحة الوطنية والعمل بشكل سريع على إنهاء حال الانسداد السياسي التي تفاقم معاناة الشعب اللبناني».

وقال الأمين العام المساعد السفير حسام زكي، إنّ الأمين العام أحمد أبو الغيط «يستشعر قلقاً كبيراً جراء ما تشهده الساحة السياسية من سجالات توحي بانزلاق البلاد نحو وضع شديد التأزم ملامحه باتت واضحة للعيان».

وأضاف: «أجدد استعداد الجامعة العربية للقيام بأي شيء يطلب منها لرأب الصدع الحالي وصولاً إلى معادلة متوافق عليها تمكن الرئيس المكلف من تشكيل حكومته من دون تعطيل وفق المبادرة الفرنسية، التي أيّدها مجلس الجامعة في اجتماعه الأخير… حكومة تستطيع أن تعمل بمهارة الاختصاصيين على إنقاذ لبنان من وضعه المأزوم».