IMLebanon

الانتخابات الفرعية في مهبّ مناكفات بعبدا-عين التينة!

منذ ان استقال النواب الثمانية بين 5 و 10 آب الماضي، لم يبادر المعنيون الى اجراء الانتخابات الفرعية ضمن المهلة الدستورية المحددة بشهرين. وعندما ارتفع عدد المقاعد الشاغرة ما بين 31 كانون الثاني تاريخ وفاة النائب ميشال المر و8 شباط عند وفاة النائب جان عبيد الى 10، تحركوا للبحث بها في ظل تجاذبات سياسية تزيد المخالفات الدستورية المرتكبة نتيجة وضعها في اطار  المناكفات والمكائد القائمة بين عين التينة من جهة وبعبدا – ميرنا الشالوحي من جهة اخرى. وعليه ما الذي يقود الى هذه القراءة السلبية وكيف يمكن إثباتها؟

يجمع الخبراء الدستوريون والمراقبون السياسيون على عدم القدرة على احصاء المخالفات الدستورية المرتكبة في اكثر من مجال في بلد وضعت فيه السلطة مجموعة القوانين والدستور على الرف بعدما استباحوها ومعها كل المهل الدستورية التي من الواجب احترامها لتبقى السلطات  قائمة بالمواصفات الدستورية التي تحمي النظام العام. وان بادر احدهم الى التركيز على واحدة منها فهم يجمعون على اعتبار ان التردد في الدعوة الى الانتخابات النيابية الفرعية بعد شغور اي من المقاعد النيابية واحدة منها تعبر عن قناعتهم بعدم الحاجة الى التزام ما تعهدوا به من احترام للقانون وصولا الى قسم اليمين على احترام  الدستور والسهر على تطبيقه.

يعترف خبراء قانونيون ودستوريون عبر “المركزية” بانه ليس في ما سبق ما يثير الاستغراب، فسعي اهل السلطة الى استخدام منطق القوة والسعي الى تقديم الاعراف على ما يقول به القانون والدستور بات القاعدة التي لم يشذوا عنها. وهو امرلا يمكن اغفاله او تجاهله فالتجارب تحكي عن نفسها ولا يتسع لها مقال. ومنها تجاهل الدعوة الى الانتخابات الفرعية في مهلة الشهرين التي تلت  شغور اي مقعد نيابي سواء بالإستقالة او بالوفاة. عملا بمضمون المادة 41 من الدستور التي نصت على ما يلي “إذا خلا مقعد نيابي بالوفاة أو الإستقالة أو بسبب عدم قدرته على القيام بمهامه يفترض إجراء إنتخابات فرعية ضمن مهلة 60 يوماً من تاريخ شغور المقعد إلا اذا تبقى أقل من 6 أشهر من عمر المجلس على الإنتخابات العامة”.

وعليه، وبهدف انعاش الذاكرة، اعاد الخبراء التذكير بانه كان يجب اجراء الإنتخابات الفرعية في عدد من الدوائر الإنتخابية ما بين الخامس والعاشر من تشرين الاول العام الماضي في دوائر الشوف نتيجة استقالة النائب مروان حمادة، وبيروت الاولى بعد استقالة النائبين نديم الجميل وبولا يعقوبيان والمتن الشمالي اثر استقالة النائبين سامي الجميل والياس حنكش وزغرتا بعد استقالة ميشال معوض وعالية – بعبدا بعد استقالة هنري حلو وكسروان – الفتوح – جبيل  لملء المقعد الشاغر باستقالة نعمت فرام. ولكن ورغم مجموعة التنبيهات والتصريحات التي لفتت الى ضرورة الاقدام على هذه الخطوة لم يعطيها المسؤولون اي اهمية.

والى الملاحظات التي توقف عندها المراقبون والخبراء الدستوريون، فقد كشف وزير الداخلية العميد محمد فهمي في اكثر من مناسبة انه قام في حينه بتذكير رئيس الجمهورية ميشال عون بعد رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب بضرورة القيام بالخطوة ولم يلق اي تجاوب بل على العكس فقد تبلغ من اكثر من مسؤول بان احدا لم يهتم للامر مستنتجا ان الرئيس ومعه التيار الوطني الحر لا يريدانها في ظل ما تركته انتفاضة 17 تشرين من ندوب وتهشيم في صورته، وان الاستحقاق لا يعنيه فطويت الخطوة على ما فيها من مخالفات وتجاوز للدستور.

بقي الامر على حاله، الى ان توفي دولة الرئيس ميشال المر في 31 كانون الثاني الماضي وما تسبب به من شغور في مقعد ثالث في دائرة المتن الشمالي، وتلاه النائب جان عبيد في 8 شباط ليرتفع عدد المقاعد الشاغرة الى عشرة واضيفت دائرة طرابلس الى الدوائر التي ستشهد الانتخابات الفرعية بعدما تم تجاهل غياب النائب ديما جمالي التي قررت ترك لبنان من دون ان تقدم استقالتها بهدف السكن في قطر لنيلها مقعدا جامعيا فيها براتب خيالي. فتذكر بعض المسؤولين ان عليهم اجراءها ضمن مهلة الشهرين وتحديدا  قبل الثامن من نيسان المقبل  فتلاحقت الخطوات لتوحي – ولفترة محدودة – ان هناك نية باجرائها الى ان تبين ان المناكفات باتت تتحكم بالمواعيد التي اقتربت من استحقاقاتها دون توجيه الدعوة اليها حتى اللحظة.

وبالرغم من اعداد وزير الداخلية بعد مراجعة رئيس مجلس النواب مشروع مرسوم الدعوة الى هذه الانتخابات في مهلة اقصاها حزيران المقبل لمجرد ان اعياد الفصح المجيد، وشهر رمضان المبارك سيستهلكان شهري نيسان وايار ما يحول دون اجرائها، لم يظهر اي من المعنيين اهتمامهم بالخطوة وما تستحقه. وهو ما ظهر جليا عندما خاطب رئيس حكومة تصريف الاعمال – بعد ان ثبت ان بامكان حكومة تصريف الاعمال اجراء مثل هذه الانتخابات لأنها اجراء إداري يمكن ان يمر – وزارات المال والصحة والتربية طالبا تقديرها لامكانية القيام بها. وبعدما شككت وزارة المال بالقدرة على توفير الاعتمادات اللازمة المقدرة بحوالى 8 مليار ليرة لبنانية ولحاجة وزيرها الى مراجعة مرجعيته السياسية المتمثلة برئيس مجلس النواب كونه ممثلا لحركة امل في الحكومة متجاوزا المواقع الدستورية، قالت وزارة التربية ان مدارس بيروت الاولى مدمرة بسبب انفجار المرفأ ونصحت وزارة الصحة بسلسلة الإجراءآت الاحترازية الواجب اتخاذها لحماية الناخبين من جائحة الكورونا طويت الدعوة في حينه واضيفت مخالفة دستورية الى اخرى سابقة ارتكبت من قبل بواحدة عدت اكبر منها.

وفجأة، ومن دون اي مقدمات، اقدمت وزارة المال قبل ايام على اجراء غريب عندما أرسل وزير المال إلى رئاسة الحكومة، مشروع مرسوم يتعلق بنقل اعتماد بحوالى 8 مليار ليرة من احتياطي الموازنة لعام 2021 إلى وزارة الداخلية لإجراء هذه الانتخابات عن المقاعد النيابية العشرة التي شغرت بسبب الاستقالة أو الوفاة. وهو ما دعا الى تقييم الخطوة على انها من باب المناكفات السياسية فعدت خطوة اوحى بها رئيس مجلس النواب لحشر رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر بعدما حملهما الجميع مسؤولية عدم القيام بالخطوة السابقة في الخريف الماضي. والى ذلك فان وزير المال لم يقدم على خطوته بما ينتظم مع الاصول الدستورية والقانونية لتأتي مكملة لما يجب ان يؤخذ من اجراءآت على مستوى مجلس الوزراء ووزارة الداخلية فنضحت بما فيه الكفاية باهدافها السياسية قبل ان تكون قانونية.

وعليه توقف المراقبون امام هذه الخطوات فرأوا فيها امعانا فاضحا بخرق الدستور وتجاهل القوانين المرعية الإجراء لتصب في خانة الصراع السياسي لاهداف عدة قد يكون من بينها ما بلغه الخلاف بين عين التينة من جهة وبعبدا – ميرنا الشالوحي من جهة اخرى، انعكاسا للازمة الحكومة واصطفاف بري الى جانب الرئيس المكلف تشكيل الحكومة في المواجهة المفتوحة معهما.