IMLebanon

الجنين في رحم أمه.. وتأثيرات العالم فيه

كتب أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:

في لحظة ولادة الطفل، يكون عمره تسعة أشهر. ربما هذه الفكرة غريبة ولم يفكر بها أحد من قبل، حيث كان يعتبر الجنين “غير كامل” قبل الولادة. ومن الأفكار القديمة الرائجة هي أنه بعد الولادة يبدأ الطفل بالتعلّم من خلال الموجودات التي تحيطه. ولكن هذه الفكرة أيضاً أصبحت من مخلفات المعرفة الإنسانية القديمة. حالياً، فترة الحمل هي فترة أساسية لتكوين الطفل الفيزيولوجي والنفسي والإنفعالي على حد سواء. فما هي أهمية هذه الفترة؟ وما هي الإنعكاسات السلبية لهذه المرحلة على الجنين خاصةً إذا كان الأم والأم يمرّان بمشاكل؟

خلال وجوده في رحم أمه، يشعر الجنين بكل ما يمر به والديه. فعندما يكون الأب قلقاً أو عندما تغنّي الأم لطفلها أو عندما يتحدث الوالد مع جنينه أو حتى عندما تكتئب الأم… فإنّ الجنين يشعر بهذه المشاعر، كما انها تنتقل إليه كما ينتقل الطعام من خلال حبل السرة. لذا، علاقة الجنين مع والديه لا تبدأ أبداً يوم الولادة بل هي موجودة خلال كل فترة الحمل.

مرحلة الحمل وتأثيراتها

تؤثر مرحلة الحمل في حياة الأم والجنين. فهي أساسية لنمو الطفل الفيزيولوجي، ولكن أيضاً هي أساسية أيضاً للنمو الإنفعالي ما بين الأم وطفلها الذي ينمو في أحشائها وفي خيالها وبين الأب وطفله الذي ينمو فقط في مخيلته. لذا، تتحكم مرحلة الحمل بحياة الجنين وخاصة بما يتعلق بنشاط الأم الجسدي، ولكن أيضاً حالتها النفسية والعقلية وحالة الأب أيضاً.

وأكدت دراسات من جامعة أوكسفورد أنّ الجنين ليس كائناً أصماً، لا يشعر ولا يدري بما يحدث في العالم الذي يحيطه بل هناك تواصل قريب ما بين عالمه الضيق الصغير والعالم الخارجي، من الناحية الإنفعالية خلال المراحل الأولى من تكوينه الجيني. كما أكدت الدراسة التي نشرت سنة 2019 أن الجنين يشعر بالألم كشخص راشد. ويمكننا أن نضيف أنّ هذا الألم ليس فقط الألم الجسدي لكنه أيضاً ألم نفسي.

لمرحلة الحمل والمرأة

لا يمكن أن يعتبر الحمل تجربة بيولوجية فقط. بل تجتمع في هذه المرحلة عدة عمليات أساسية لإنجاحها: تجارب إجتماعية وأخرى نفسية. فالحمل هو أولاً تجربة بيولوجية محفوفة بالخطورة على صحة المرأة خاصة. في الماضي القريب، إنّ العديد من النساء خسرن حياتهنّ خلال مرحلة الحمل. ولكن بفضل تقدّم العلم، أصبحت هذه الخطورة معدومة. كما تتأرجح هذه المرحلة ما بين السعادة والألم: السعادة في إنجاب الحياة، والألم بسبب مراحلها المؤلمة والخوف.

لذا، يشكل الحمل عند المرأة مشاعر متناقضة تتمحور جميعها حول الألم والسعادة والفرح والخوف والشعور بالمسؤولية والحب والكره… وكل تلك المشاعر تدفع السيدة الحامل للقيام بتصرفات يمكن أن نجدها في بعض الأحيان غريبة، ويمكن ألا نجد لها تفسيرات ولكن المهم في كل ذلك هو أن نتتفهّمها.

الجنين والرحم ووالدته

الرحم هو المكان الأول الذي يعيش فيه الجنين قبل ان ينتقل إلى منزله في العالم الخارجي. وخلال وجوده في رحم أمه، يتلقى الجنين الحنان والعطف من والدته كما ينمو ويكبر. وخلال هذه المرحلة، تتكوّن العلاقة ما بين الأم وطفلها من خلال الوسيط وهو الرحم. لذا خلال تلك المرحلة، يمكن للأم أن تتّبع بعض النصائح التي تقوّي علاقتها بجنينها:

التحدث معه يومياً عن النشاطات التي نقوم بها وعن تحضيراتها. كما يجب أن تدخل الأم في حديثها الأب من خلال محادثته أي تكوين نوع من المحادثة الثلاثية: أم-أب-جنين.

سماع الموسيقى ولمس البطن بهدوء ورفق. خلال هذا النشاط، يمكن للأم أن تحادث الجنين عن أخبار مفرحة وعن انتظارها له.

سرد قصص قبل النوم وكأنها تهيّىء الجنين للعالم الخارجي. كما يمكن للأب أن يخبر طفله الذي لم يخلق عن العائلة الكبيرة التي تنتظره أيضاً.

إذا كان للجنين إخوة وأخوات، يمكن إدخالهم في الحديث معه.

الإبتعاد عن المضايقات والشجارات بين الزوج والزوجة لأن ذلك سيؤثر سلباً في الجنين.

الجنين ووالداه

سابقاً، كنّا نتكلم فقط عن دور الأم الأساسي للراحة النفسية لطفلها عند الولادة. ولكن هذا المفهوم قد سقط، لأن للأب دورا أساسيا أيضاً للشعور بالراحة عند الرضيع حتى لو كان بحاجة ماسة لوالدته من الناحية الغذائية. ولكنه بحاجة أيضاً للعطف الأبوي وللشعور بالإنتماء، وهنا يكمن دوره.

سابقاً، كانت الأم تُعتبر المسؤولة عن أي خلل وظيفي أو نفسي عند الطفل بعد الولادة. ولكن حالياً وبعد تقدم الطب بشكل عام والطب النفسي بشكل خاص، هذا المفهوم قد سقط أيضاً. لأن الأم ليست هي الوحيدة المسؤولة عن التكوين الجسدي والنفسي للطفل، ولكن للأب أيضاً دوراً لا يمكن إغفاله.

في السابق، كانت الأم هي المتهم الأول إذا عانى طفلها أية اضطرابات نفسية أو مشاكل سلوكية… ولكن حالياً، هذا المفهوم أيضاً قد سقط. فالتربية ليست فقط من اختصاص الأم بل هناك دور مهم للأب في «تحديد الحدود» عند الطفل أي يتعلّم هذا الأخير من أبيه ما هي حدوده، ويتعلم الإحترام. كما لا يمكن للطفل أن يشعر بالأمان إلا من خلال صوغنرة ذكورية تحميه وتدافع عنه.

لذا، إنّ دور الأب والأم ما قبل الحمل وما بعده اساسي للنمو النفسي السّوِي عند طفلهما، الذي ينتظر منهما الحب والتقبل والعاطفة والدفاع.