IMLebanon

الحكومة اللبنانية والثمن الإيراني (بقلم رولا حداد)

حاول البعض إشاعة أجواء تفاؤلية في ملف تشكيل الحكومة الجديدة في ظل حديث عن مبادرات جديدة، وفي طليعتها ما اصطُلح على تسميته مبادرة الرئيس نبيه بري، وهي في الحقيقة خلاصة كلام الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في إحدى إطلالاته الأخيرة حين أكد أن الحل يكون بقبول الرئيس المكلف سعد الحريري بحكومة من أكثر من 18 وزيراً، وبأن يقبل رئيس الجمهورية بألا ينال اي طرف منفرداً الثلث المعطل.

الإشارة التي أطلقها نصرالله تزامنت مع عودة المفاوضات الجدية بين إيران والغرب حول الملف النووي. هكذا يتضّح بما لا يقبل أي شك أن مصدر التعطيل إيراني بامتياز وأن موعد تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان، وكما درجت العادة منذ اتفاق الدوحة وحتى اليوم يرتبط بالتوقيت الإيراني بامتياز.

هكذا يتأكد الجميع أنه إذا أردت أن تعرف ماذا سيجري على الصعيد الحكومي في لبنان عليك أن تعرف ماذا سيجري في ملف المفاوضات النووية في فيينا التي ستنطلق بشكل غير مباشر بين طهران وواشنطن الثلثاء، ليتبيّن أن الحكومة اللبنانية ليست أكثر من ورقة تحتفظ بها إيران عبر التعطيل الذي يمارسه “حزب الله” بواسطة رئيس الجمهورية وفريقه، وتبيعها للغرب من ضمن صفقة قد تشمل الإفراج ربما عن مليارات إيرانية عالقة بفعل العقوبات الأميركية في دولة ما في الشرق الأقصى أو غيرها.

وهكذا يمسك “حزب الله” بمفاتيح اللعبة عبر حليفيه: من جهة الرئيس نبيه بري حامل المبادرة المزعومة لتبقى الأجواء تفاؤلية باحتمال إحداث خرق إذا تقدّمت المفاوضات في فيينا وحان وقت تقديم إيران لبعض الأوراق كحسن نية إلى الغربيين، ومن جهة ثانية الرئيس ميشال عون الذي حدّثنا من بكركي عن عقد جديدة تظهر كلما تم حلّ عقدة وذلك للتأكيد على استمرار سيناريو التعطيل إذا تعقدت المفاوضات النووية، في حين أن الحزب يغسل يديه ظاهراً من كل التعقيدات في انتظار كلمة السر الإيرانية ليخرج بعدها علينا “المرشد الأعلى” معطياً إشارة التأليف!

ولكن، وفي خضم رهن لبنان للمصالح الإيرانية رغم التحلّل الكبير لكل أسس الدولة والمؤسسات بفعل الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي، يتناسى المعنيون بملف التأليف داخلياً، وفي طليعتهم رئيس الجمهورية والرئيس المكلف المعنيان دستوريا بالتأليف وإصدار المراسيم، كما “حزب الله” المعرقل بشكل واضح، أنه ولو تشكلت حكومة بالطريقة التي يتناتشونها بها لن تتمكن من إحداث أي تغيير أو إصلاحات بفعل التوازنات الداخلية القائمة، لا بل إن أي حكومة تتشكل ستواجه المصير الأسوأ بفعل الاضطرار إلى تنفيذ قرارات قاسية مثل رفع الدعم نهائياً المقرّر تنفيذه اعتباراً من الأول من حزيران المقبل، ما سيُدخل لبنان إلى جهنم من البوابة العريضة عبر تفجير كل الأوضاع الاجتماعية في ظل العجز الرسمي عن إعادة لبنان إلى الحضن العربي الوحيد القادر على انتشال لبنان من مآسيه، كما العجز عن تلبية المتطلبات الإصلاحية لنيل ثقة الغرب والمستثمرين، وذلك كله بفعل هيمنة “حزب الله” ومن خلفه إيران على كل القرارات اللبنانية.

في الخلاصة، وأمام التحديات المقبلة، لا تبدو الصورة وردية على الإطلاق. المعركة ليست معركة تشكيل حكومة، بل معركة “استقلال ثالث” وتحرير السيادة اللبنانية من السلاح غير الشرعية والهيمنة الإيرانية، لأن الفوز بمثل هذه المعركة يؤمن وحده إعادة بناء الدولة والاقتصاد وإنقاذ لبنان من المصير المحتوم. أما الصراعات التافهة حول الحصص الحكومية برعاية “حزب الله” فلن تؤدي سوى إلى مزيد من السيطرة الإيرانية وانضمام لبنان إلى محور التخلف والبؤس والفقر والمجاعة!