IMLebanon

إنذار أخير بلسان مصري… هل تلتقطه المنظومة؟

لم يكن صعبا على الكثير من المراقبين الديبلوماسيين والسياسيين في بيروت فهم نوعية وحجم الرسالتين اللتين سلمهما وزير الخارجية المصرية سامح شكري أو تلك التي حملها موفد الجامعة العربية الامين العام المساعد حسام زكي الى المسؤولين اللبنانيين. فكلاهما حملا وباللهجة عينها الرسالة نفسها الى من هم في السلطة والمعارضة في آن. والى كل من اتصلا بهم او التقياهم او تعذر الاتصال بهم كما الذين تجنبا الإتصال او اللقاء بهم.

في “الفباء” العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الدول والمؤسسات الاقليمية والدولية، دعوة ملحة وضرورية الى وجوب التوقف عند شكل ومضمون وتوقيت المواقف والرسائل الموجهة، لوضعها في اطارها الصحيح ولفهم مراميها واهدافها من اجل تشريحها بالتوازي مع رصد الاجوبة عليها وما يمكن ان تقود اليه هذه العملية كاملة.

في اعتقاد مصادر دبلوماسية عربية وغربية رصدتها “المركزية” ان الرسالتين اللتين وجههما شكري وزكي ليستا مصرية فحسب، انما رصد فيهما اكثر من مصدر. كان يكفي الربط بين توقيت الزيارتين والظروف الاقليمية والدولية التي ربطت مصر في ظل توجهات رئيسها عبد الفتاح السيسي بالمجتمع الدولي والجامعة العربية التي تستضيفها القاهرة وتحتكر هوية امينها العام منذ انشائها ولم تخرقه سوى التجرية التونسية لفترة محددة. وكل ذلك يجري في وقت ظهر فيه التنسيق الفرنسي – المصري جليا في القضايا العربية المختلفة بدءآ بالملف اللبناني وصولا الى الازمة الليبية وما بينهما من قضايا تتصل بملفات نفط شرق المتوسط والدور التركي في المنطقة في وقت حضرت فيه الجامعة العربية عل خط الازمتين منذ فترة طويلة وان كان غيابها او ضعف تأثيرها باد للعيان بعدما افقدها التشتت العربي دورها وميزاتها التفاضلية التي كانت تنعم بها.

على هذه الخلفيات، التقت المصادر السياسية والدبلوماسية وفي ظل اهمالها لدور الجامعة العربية في مثل الظروف التي تمر بها، على التوقف عند قراءة الرسالة التي حملها شكري وسجات مجموعة من الملاحظات. ومنها:

طالما انها ليست رسالة مصرية فحسب فهي حملت مقاطع مهمة من مواقف المسؤولين الفرنسيين القاسية واستخدم عبارات ملطفة لوزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الذي سبق له ان استنسخها من مواقف الرئيس ايمانويل ماكرون في توصيفه للمسؤولين عن ادارة الشأن اللبناني وكيفية معالجة مجموعة الازمات التي يعاني منها اللبنانيون.

– وان انتقل الحديث الى هوية رئيسها فهي تلتقي  في إصرارها على الرئيس المكلف سعد الحريري ليكمل المهمة التي كلف بها في الاستشارات النيابية الملزمة مع معظم الاطراف الدوليين من موسكو الى واشنطن وباريس وما بينهما عواصم عربية خليجية مختلفة ومنها القاهرة وابو ظبي والدوحة  في ظل فقدان موقف سعودي معلن وواضح ينتظر الافعال قبل الاقوال ليقول كلمته في كل ما يجري على الساحة اللبنانية.

وان تطرقت القراءة الى شكل الحكومة بتأكيدها على حيادية اعضائها واختصاصهم لتلتقي مع مطالب المجتمع الدولي وما يطالب به صندوق النقد الدولي قبل ان يستانف فريقه المفاوضات المجمدة مع الجانب اللبناني ومعه الدول والمؤسسات المانحة.

وان توسعت القراءة اكثر فهي تلفت الى المواكبة الدولية للتحرك المصري، لتشير الى مضمون مداخلة الوزير لودريان امام الجمعية الوطنية الفرنسية تزامنا مع وجود شكري في بيروت وما حمله من تحذيرات للمسؤولين اللبنانيين قبل ان يصدر لودريان بيانا مع نظيره الاميركي انتوني بلينكن بما حمله من دعوة الى القادة السياسيين في لبنان “لتحقيق إصلاحات حقيقية تخدم مصالح الشعب”.

وايا كانت النقاط التي التقت حولها مجموعة المواقف هذه، فقد ظهر واضحا انحياز شكري ونظرائه الى الموقف الدولي الذي ان طلب اليه توزيع المسؤوليات في ما يجري من فشل في إدارة الشان اللبناني فهو يلقي اللوم على فريق رئيس الجمهورية ومحيطه الاقرب ويقاطع “حزب الله” من دون ان يقطع خيط الاتصال مع الرئيس نبيه بري شريكه في “الثنائية الشيعية” التي تسمح بمثل هذا التمايز بين عين التينة وحارة حريك كما يعترف اكثر من ديبلوماسي في توصيفه لمواقع القوى في لبنان.

وبناء على ما تقدم، فان الغوص في ما جرى في اللقاءات المقفلة بين شكري والمسؤولين اللبنانيين، ومهما اختلفت جداول اعمال المباحثات، فهي حفلت بمجموعة التحذيرات الواضحة التي وجهها الى المسؤولين بضرورة الاسراع بتشكيل الحكومة اللبنانية وفق المواصفات المطلوبة. ذلك ان اي حكومة بغير هذه المواصفات لن تتمكن من القيام بما هو مطلوب منها في الظروف الاستثنائية والمأساوية التي يعيشها لبنان.

وطالما ان هناك من يعاند على خلفية رفض الإملاءات الخارجية في تشكيل الحكومة ويصر على تسمية الاحزاب لوزرائها الى جانب من يسعى الى حكومة تكنو – سياسية فهي تعني رفضا مبطنا للمبادرات الخارجية والفرنسية منها بنوع خاص. فالمبادرة كل متكامل، واول بنودها يدعو الى تشكيل الحكومة من دون ان يلحظ وقفها بانتظار “التدقيق الجنائي” مثلا. فمثل هذا الملف قد يستغرق تنفيذه ما تبقى من سنوات العهد وربما الى سلفه، فيكف يمكن ترك البلد بلا حكومة في ظل استحالة عقد اي صفقة تربط بينها وملف الانتخابات  الرئاسية المقبلة او فك العقوبات المفروضة على بعض الشخصيات كما بالنسبة الى احياء حكومة تصريف الاعمال.

وإزاء هذه المعادلة  لا يمكن لاي عاقل تجاهل ملاحظات شكري واخطرها دعوته الى الاستفادة من فرصة قد تكون الاخيرة من اجل الخروج من المأزق، وإلا فان البلاد تتجه بسرعة الى مزيد من المصاعب والمآسي التي قد لا يحتمل الشعب اللبناني المزيد منها . وكل ذلك مطلوب قبل ان ينضم المجتمع الدولي الى مجموعة الدول التي نسيت لبنان وان كان ما زال موجودا على الخريطة الجغرافية الدولية والعربية خصوصا.