IMLebanon

هل عاد مرسوم تعديل الحدود إلى نقطة الصفر؟

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

مخالفاً التوقعات، لم يوقّع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على تعديل مرسوم الحدود. ما شكّل صدمة لوفد الجيش المفاوض الذي لم يترك وسيلة الا واتبعها لإقناع المسؤولين بأهمية التوقيع ومردوده الايجابي على لبنان. في كل مرة كان جواب عون ان اتفقوا ووقعوا وسأكون من ضمن الموقعين، غير ان رئيس الجمهورية ارتأى ان توقيعه لم يعد ممكناً مع “اللغم” الذي تضمنه كتاب توقيع الوزراء المعنيين والذي يشترط موافقة مجلس الوزراء. فالمرسوم الذي تم توقيعه قبل موافقة مجلس الوزراء المشار اليه في البناءات شابه عيب في الشكل بحيث لا يجوز توقيعه قبل الموافقة التي بني عليها، ما اعتبر سابقة توقيع مرسوم قبل الموافقة عليه في مجلس الوزراء، خاصة وان هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل قد أشارت ايضاً الى وجوب عقد جلسة لمجلس الوزراء.

واذا كانت وزيرة الدفاع وقعت بصمت فان المخاوف التي اثارها وزير الاشغال ومرجعيته السياسية من مكيدة منصوبة لهما جعلته يحيل المرسوم مشترطاً موافقة مجلس الوزراء، واعتبر ان توقيعه يعد لاغياً اذا لم يقترن بموافقة مجلس الوزراء. بهذا المعنى يكون “تيار المردة” قد رد الطابة الى ملعب رئيس الجمهورية، وقناعته بالاسباب التقنية بعد الشرح المستفيض من الوفد المفاوض لم تبدد مخاوفه من وجود قطبة مخفية خلف تبني هذا التعديل اليوم. واذا كان الوزير اشترط موافقة مجلس الوزراء فكيف يوقع رئيس الجمهورية؟

كلغم يخاف كل طرف من ان ينفجر في وجهه، تمّ التعاطي مع تعديل مرسوم الحدود الجنوبية. كل طرف يتخوف ضمناً من محاولة توريطه. على مدى اشهر انشغل الوفد المعني بالملف بتقديم اثباتات تطمينية للمعنيين، يومياً كان يجول بمستنداته التي صارت اكواماً على مكاتب المسؤولين. صار ثابتاً ان للموضوع خلفيات سياسية وتسجيل نقاط. وقد تكون دخلت فيه ضمناً حسابات الرئاسة وحسابات خارجية. صار واضحاً ان تسليف الجيش هذا الاستحقاق غير مرغوب فيه، بدليل الالتباس الذي شاب مرسوم التعديل، ولذا من الناحية الدستورية فرئيس الجمهورية المؤتمن على الدستور حمى نفسه.

كان رئيس الجمهورية واضحاً في بيان بعبدا بدعوته رئيس حكومة تصريف الاعمال الى عقد جلسة للحكومة لإقرار المرسوم، وجاء في نص البيان أنه “وبناء لتوجيهات الرئيس، أرسلت المديرية العامة كتاباً للأمانة العامة لمجلس الوزراء تضمن مشروع مرسوم تعديل المرسوم 6433، الذي يحتاج الى قرار الحكومة مجتمعة وفقاً لرأي هيئة التشريع والاستشارات حتى مع حكومة تصريف اعمال، نظراً لأهميته وللنتائج المترتبة عليه”. مطلب الجلسة الحكومية بات ضرورياً للحؤول دون الطعن بالمرسوم اذاً، ما يطرح علامات استفهام حول هذا اللغط الذي حصل وتقاذف المسؤوليات، لتجنب اي طرف تحمّل تبعات الموضوع مستقبلاً. الخلل في الاساس في تلك المساحة التي تركت فارغة في نص المرسوم والتي تقول انه بناء على اقتراح رئيس مجلس الوزراء ووزير الاشغال العامة والنقل، وبعد موافقة مجلس الوزراء بتاريخ……2021 يرسم ما يأتي…!

لا يمكن لرئيس الجمهورية ان يحذو حذو الوزراء بأن يوقع، بينما هناك خانة موافقة مجلس الوزراء خالية، وهل يمكن ان يوقع على مرسوم بعد موافقة مجلس الوزراء؟ يسأل المطلعون على اجوائه، او ان يملأ الفراغ بتاريخ غير صحيح؟ وهل يجوز عقد مجلس وزراء لأجل تعديل المرسوم بعد أن يكون وافق رئيس الجمهورية؟

من وجهة نظر رئيس الجمهورية فان قراراً كهذا يتعلق بترسيم حدود وصراع مع العدو لا يمكن ان يقر بمرسوم حوله اشكالية وقابل للطعن. بالمعنى السياسي احترم عون الاطار التفاوضي الذي سبق واعلنه رئيس مجلس النواب نبيه بري، لأن التوقيع يعني عملياً انتهاء اتفاق الاطار وحسم الحدود مسبقاً وانتهاء المفاوضات. اصحاب وجهة النظر هذه يعتبرون ان عون التزم اتفاق الاطار للضغط على اسرائيل لكنه لا ينهي المفاوضات، ويطلب من دياب استكمال الشروط الدستورية، فضلاً عن ان اسرائيل لم تقدم جواباً بعد على مقترح وفد التفاوض الذي طرحه على طاولة المفاوضات. يعتبر المقربون ان الموضوع لا يجب بته بسرعة قبل مراجعة الهيئات الدولية المعنية، ولذا كان من الحكمة عدم التوقيع خصوصاً وان رئيس الجمهورية هو المعني بتوقيع الاتفاقيات واي قرار يتخذه فستكون له تداعياته.

الحدود الشمالية

على المقلب الآخر تحرك رسمياً ملف ترسيم الحدود الشمالية مع سوريا، فزار السفير السوري لدى لبنان علي عبد الكريم علي وزير الخارجية شربل وهبي، وسلمه مذكرة تتضمن تأكيد الموقف اللبناني من ترسيم مياهه الإقليمية ودعوة السلطات السورية للتفاوض حول الترسيم، من منطلق العلاقات الاخوية على اساس قانون البحار الدولي. في الشكل كان يمكن تسليم المذكرة الى سفير لبنان في سوريا بدلاً من استدعاء السفير السوري. وفي المضمون والاساس ليس ثمة خلاف على ترسيم الحدود الشمالية مع سوريا. سبق وان راسلت السلطات السورية الحكومة اللبنانية مرات عدة ولم يكن الموضوع قيد المتابعة لبنانياً. وسبق ان تمّ تشكيل لجنة مشتركة لبنانية سورية للحدود بين البلدين.

تتولى ملف الحدود في سوريا لجنة يرأسها معاون وزير الخارجية السوري ما يستوجب تشكيل لجنة لبنانية من المستوى ذاته، وفي حال تعذر ذلك لحاجته الى مجلس وزراء يمكن ان يعاد تعديل اللجنة القديمة القائمة والتي كانت تضم في عدادها عبد الحفيظ القيسي. والمرجح عدم اعتماد وفد الجيش المفاوض جنوباً ذاته وتشكيل لجنة ممثلة من الجيش والخارجية معاً.

ومن المتوقع ان يثير قائد الجيش العماد جوزف عون الامر مع رئيس الجمهورية للوقوف على رأيه والاتفاق على شكل اللجنة واطار عملها، قبل انطلاق الاجتماعات المشتركة مع سوريا، وعلم ان من بين الطروحات ان يزور وزير الخارجية سوريا، للتباحث مع المسؤولين السوريين قبل تسليم المهمة الى لجنة مشتركة. وأكدت مصادر معنية بالملف ان سوريا التي تصر على تعاطٍ لبناني رسمي معها، لن تقبل حكماً ببحث لمسألة الحدود من خلال لجان غير رسمية ومن خارج وزارة الخارجية والجهات الرسمية اللبنانية.