IMLebanon

لبنان في أحضان «التدويل»… فهل «تدوير» مصالح الأضداد ممكن؟

كتب وسام أبوحرفوش وليندا عازار في الراي الكويتية:

عين على المحادثات التي باشَرَها وكيلُ وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل في بيروت، وعين على الزيارة التي بدأها الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري لموسكو. هكذا بدا لبنان أمس مشدوداً إلى محطتيْن تشكلان انعكاساً مزدوجاً للاهتمام الدولي – العربي المتصاعد بواقعه، كما للمستوى البالغ الخطورة الذي بلغتْه أزمته الشاملة والتي تُسابِق الضغوطَ الخارجية لتوفير مَخارج آمنة لها.

وفي ظلّ غياب أي مؤشراتٍ داخلية توحي بإمكان استيلاد الحكومة الجديدة في المدى المنظور، يَجْري تَرَقُّب ثقيلٌ لمَفاعيل «تدويل» الأزمة اللبنانية وهل سيكون مُتاحاً تَلاقي الأضداد الإقليميين والدوليين على جعل «بلاد الأرز» بمثابة «الملعب الخلفي» لعمليةِ «تبريدٍ» على طريقة «حفْظ خط الرجعة» في الصراع الكبير على المنطقة وفيها كما على «قيادة العالَم»، أم أن تَضارُب مصالح اللاعبين الكبار كما الإقليميين سيكرّس ارتباط الوضع اللبناني بـ«حزام النار» في المحيط وتالياً يعمّق صعوبات «حياكة» حلولٍ تتقاسم العواصم الفاعلة «كعكتها» الموصولة أصلاً بـ«توزيع حصص النفوذ» في الساحات المتنازَع عليها.

وقد انشغلت بيروت في ثاني أيام رمضان المبارك بزيارة هيل، الذي التقى رئيس البرلمان نبيه بري والحريري (قبل مغادرته إلى موسكو) ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة وقائد الجيش العماد جوزف عون وشخصيات سياسية بينها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، على أن يستكمل اليوم اجتماعاته التي تشمل رئيس الجمهورية ميشال عون وقادة لبنانيين ومجموعات من المجتمع المدني.

وتتركّز محادثات الديبلوماسي الأميركي في آخَر مَهمة له قبل أن تتسلّم منصبه فيكتوريا نولاند (تنتظر موافقة الكونغرس على تعيينها)، على الملف الحكومي الذي لن يحجب الاهتمام بموضوع ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، المعلَّق منذ نحو خمسة أشهر، والذي يقف أمام منعطفٍ جديد مع قيام بيروت بـ«قفزةٍ» من خارج الاتفاق – الإطار، الذي كانت أقلعتْ على أساسه المفاوضات مع تل أبيب برعاية أممية ووساطة أميركية، وذلك عبر إطلاق مسار توقيع مرسوم تعديل مساحة المنطقة البحرية المتنازَع عليها مع اسرائيل (كانت محددة بـ860 كيلومتراً مربعاً) بما يضيف مساحة 1430 كيلومتراً مربعاً إليها، وهو المرسوم الذي وصلت «كرته» إلى عون الذي بدا أنه اختار أن يسجّل من خلاله أكثر من «هدف» إذ «جمّد» توقيعه على قاعدة «أن المرسوم يحتاج إلى قرار يتخذه مجلس الوزراء ‏مجتمعاً حتى في ظل حكومة تصريف ‏الأعمال نظراً لأهميته والنتائج المترتبة عليه».

وفي حين كانت الرسائل التي يحملها هيل حكومياً «سبقْته» وهي تتمحور حول وجوب وقف المنحى الانحداري في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والتي يفاقمها المأزق السياسي، وتأكيد الحاجة لحكومةٍ قادرة على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والإدارية، وهو ما أكده بعد لقاء بري إذ اعتبر أنه «لا بدّ من التعاون إذا أردْنا أن تُنفّذ الإصلاحات»، بقي الرصدُ لمضمون الرسائل غير المعلنة خصوصاً المتعلقة بالموقف من حضور «حزب الله» في الحكومة ولو عن بُعد، في ظلّ انطباعاتٍ كانت تراكمتْ بأن واشنطن تعتبر قفْل منافذ الفساد و«ثقوبه» لاسيما موضوع التهريب عبر الحدود والمرافئ البحرية والجوية من شأنه أن «يوصل» إلى «تقليم» نفوذ الحزب لبنانياً وبناء «الجدران» التي تفصله عن «المدى الإيراني».

ولم يمرّ تعليق عون توقيع مرسوم تعديل الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية دون ربْطه من خصوم رئيس الجمهورية برغبةٍ في عدم ملاقاة هيل بمادةٍ من شأنها أن تزيد من «متاعب» صهره رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل أميركياً هو الذي يسعى إلى رفْع العقوبات التي فُرضت عليه قبل نحو خمسة أشهر إبان إدارة ترامب، في موازاة اعتبار آخَرين أن رئيس الجمهورية بخطوته هذه «انتزع» ولو موقتاً موقع المُمْسِك بملف الترسيم تجاه واشنطن التي لطالما شكّل رئيس البرلمان نبيه بري «مفاوِضها الأول» قي الطريق إلى الاتفاق – الإطار قبل أن يبرز دور طاغٍ، ولو غير معلن، للعماد جوزف عون مع انطلاق المفاوضات.

ولم يتوانَ معارضو عون أيضاً عن اعتبار عدم إكماله نصاب توقيع المرسوم من باب الضغط على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب للدعوة إلى جلسة، مازال يرفض التئامها، لمجلس الوزراء في سياق تعزيز «أوراق» فريق رئيس الجمهورية بوجه الرئيس الحريري على خلفية لعبة «لي الأذرع» المتمادية والتي دخل في إطارها أخيراً ملف التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان.

واستوقف دوائر سياسية أنه بعدما بدا عون في إعلانه إلى «معركة التدقيق» دُر أخيراً وكأنه ربط ولادة الحكومة بانطلاق هذا المسار، فإنه قاربه أمس من زاوية بدت أكثر مرونة بتأكيده خلال استقباله كبير مستشاري وزارة الدفاع البريطانية لشؤون الشرق الأوسط الجنرال مارتن سامبسون «أن من أولى مهمات الحكومة الجديدة ستكون تحقيق الإصلاحات ومتابعة مسألة التدقيق المالي الجنائي»، معتبراً «أن هذه الخطوات أساسية لأنها تعيد الثقة الدولية بلبنان».

ويأتي ذلك عشية بدء الحريري زيارته لموسكو حيث سيتوّج لقاءاته باجتماع مع الرئيس فلاديمير بوتين، وسط اعتبار أوساط مطلعة أن روسيا تتعمّد إعطاء طابع «رسمي» لهذه الزيارة وكأنها لرئيس حكومة أصيل وليس مكلّفاً، وفي ذلك إشارة حاسمة لتمسكها بشخصه لرئاسة الوزراء في غمرة ما يجري التعاطي معه في بيروت على أنها محاولات لإحراجه فإخراجه من فريق الرئيس عون.

وتكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة إذ أن ما سيسمعه الحريري في موسكو حيال رؤية الأخيرة لمرتكزات حلّ الأزمة الحكومية سيكون بالغ الدلالات خصوصاً في ضوء الحركة التي قام بها وزير الخارجية سيرغي لافروف تجاه عواصم عدة وبينها طهران، وسط اتجاه الأنظار لما إذا كانت روسيا ستعاود الاصطفاف خلف مواصفات المبادرة الفرنسية لحكومة الاختصاصيين من غير الحزبيين وبلا ثلث معطل لأي فريق.

وفي حين كشفت تقارير في بيروت أن موسكو وجهت دعوات لزيارتها إلى كل من جنبلاط وباسيل، وممثلي 3 أحزاب أخرى، في إطار المشاورات المتصلة بالأزمة الحكومية، عُلم أن الحريري سيطلب من موسكو مساعدة اقتصادية للبنان وسط إعلان وكالة الإعلام الروسية أن «الطلب سيكون بخصوص ترميم مرفأ بيروت الذي دمره انفجار كيماوي هائل في أغسطس الماضي، وبناء محطات لتوليد الكهرباء»، وهو ما ترافق مع تقارير لبنانية عن أن وفداً من الشركة الروسية العملاقة «Hydro Engineering and Construction»، سيصل إلى بيروت الاثنين المقبل، لبحث مشاريع تتعلق بإعمار المرفأ ومحطات كهرباء.

وقد تساءلت الدوائر السياسية عن تداعيات أي توغُّل روسي في الواقع اللبناني من بوابة «السباق» على إعمار المرفأ مع دول أخرى بينها فرنسا وألمانيا، في ضوء تحذيراتٍ أطلقها ديبلوماسيون اميركيون أخيراً من السماح للصين بتوسيع شبكة موانئها العالمية المعروفة باستراتيجية «خيط اللؤلؤ» عبر الدخول على خط إعمار مرفأ بيروت باعتبار لبنان «خياراً جذاباً لإيقاعه في فخ الديون» (كما كتب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى السابق ديفيد شينكر)، بعدما سبق لجيفري فيلتمان أن حذّر قبل أشهر من أن على واشنطن ألّا تسمح لإيران أو سورية أو الصين أو روسيا باستغلال غياب بلاده عن لبنان الذي «بات مساحة للتنافس الاستراتيجي العالمي».

وفي موازاة ذلك، وعلى وقع تفاقم الواقع المعيشي في لبنان وتزايُد الفوضى الأمنية التي كانت تجلّت في أول أيام رمضان بسقوط قتيل وجرْح آخريْن في طرابلس خلال توزيع حصص غذائية على العائلات، برز إعلان مصرف لبنان في كتاب وجّهه إلى وزير المال غازي وزني أنّه «أصبح من الملحّ قيام الحكومة بشكل سريع بوضع تصوّر واضح لسياسة الدعم التي تريد اعتمادها» نظراً لعدم قابلية استمراره بإستراتيجية الدعم التي يعتمدها منذ أشهر للمستوردات الأساسية «لعدم جدواها والهدر الكبير الناتج من عدم إمكان ملاحقة المتلاعبين والمهربين للمواد المدعومة»، و«للانخفاض المستمرّ في موجودات مصرف لبنان من العملات الأجنبية».

ولفت إلى «كتاب نقابة المحامين الممثلة بالأستاذ ملحم خلف بتاريخ 30/3/2021 المتعلق بتوظيفات المصارف الإلزامية». وقال: «يرى مصرف لبنان أنه أصبح من الملح قيام الحكومة وبشكل سريع بوضع تصور واضح لسياسة الدعم التي تريد اعتمادها تضع حداً للهدر الحاصل وضمن حدود وضوابط تسمح بالحفاظ على موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية والعمل على المساهمة في تأمين واردات بالعملات الصعبة لتغطية كلفة الدعم والتفاوض مع نقابة المحامين في بيروت فيما يتعلق بالدعاوى التي صرّح النقيب أنه سيتقدم بها درءاً لأي مخاطر قانونية وواقعية قد تنتج عنها».