IMLebanon

“الهوة” الداخلية تهدّد بابتلاع الضغوط الخارجية لتشكيل الحكومة

تُبْدي أوساطٌ واسعة الاطلاع، خشيةً كبيرةً من «الحروبِ الصغيرة» التي تتوالد في بيروت على أكثر من جبهة مُنْذرة بسباقٍ مخيف بين بلوغ الانهيار الكبير «أعلى درجاتٍ» على سلّم «الفتْك» بما بقي من واقعٍ مالي – اقتصادي – معيشي، وبين «دومينو» سقوط المؤسساتِ بـ «ضرباتِ» إما الفراغ المتمادي بالسلطة التنفيذية في غياب حكومةٍ مكتملة المواصفات، وإما بـ«عرض عضلات» قضائي يشي باستنزاف آخِر بذور النهوض الممكن للسلطة القضائية «الجريحة» عبر إدخالها النافر في لعبة «التطاحُن السياسي».

ولم يكن ممكناً قراءة «المعركة» القضائية – السياسية التي انفجرتْ في اليومين الماضييْن مع تَمَرُّد القاضية غادة عون على قرار النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات بكفّ يدها عن الملفات المالية التي تنظر فيها سوى على أنها «الحديقة الخلفية» للصراع الأم حول تأليف الحكومة ضمن «الدائرة المحلية» التي تشكّل حلقةً في سلسلة التعقيدات الاقليمية التي تتحكّم بمفاصل أساسية من الأزمة اللبنانية ومآلاتها.

وكاد «دويّ» هذه «المكاسرة» التي ظَهَرَ على طرفيْها فريقا رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري أن يحجب هديرَ «كرة النار» المتدحرجة مالياً واجتماعياً والتي بات وقف زحْفها يحتاج لـ «صدمةٍ تبريديةٍ» سريعةٍ لا تؤمنها إلا ولادةُ حكومةٍ وفق دفتر الشروط الخارجي، مازالت عالقةً عند عدم توافر ما يكفي من تقاطُعات إقليمية – دولية تتيح إخراجها من عنق الزجاجة.

وفي وقت تَمْضي الأزمة الحكومية بالتنقّل فوق خطوط توتر المنطقة، تبرز مخاوف من أن يُفْضي الإمعان بـ «الحفْر» في العلاقة بين عون والحريري إلى دفْع تَعايُشهما نحو مرحلة «الاستحالة» مع ما سيترتّب على ذلك من تحوُّل الجدران الداخلية عائقاً كابِحاً للحلول الخارجية حين تدقّ ساعتها بحيث يتطلّب إعطاء مفاعيلها المزيد من الوقت الذي لم يعُد لبنان يملكه في الطريق إلى النجاة من الاصطدام المدمّر.

ولا تستبعد الأوساطُ المطلعة أن تزيدَ زيارةُ الحريري المرتقبة للفاتيكان ولقاؤه مع البابا فرنسيس في 22 الجاري من «تَحَسُّس» فريق عون من جولات الرئيس المكلف الخارجية، ولا سيما أن محطة الفاتيكان ستكون محمَّلة برمزياتٍ كبيرة في ظل حرص هذا الفريق على رسْم خط دفاع «مسيحي» عن شروطه في ملف التأليف يرتكز على عنوان «الميثاق والتوازن الوطني والدستور»، وهو ما كانت أشّرت إليه المذكرة التي رفعها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل للبابا في فبراير الماضي وذُكر حينها انها تضمّنت مناشدة لوضع يده على الملف اللبناني ورعاية حل لأزمته انطلاقاً من كونها «أزمة وجودية مسيحية».

وفي موازاة هذا البُعد من الاشتباك بين فريقيْ عون والحريري، جاء ما يوصف بأنه «فضيحة» ضرْب القاضية عون عرْضَ الحائط بقرار النائب العام التمييزي وتحدّي مجلس القضاء الأعلى الذي يسود ترقُّب للموقف الذي سيصدر عنه بعد اجتماعه الاستثنائي اليوم، ليصبّ الزيتَ على نار الواقع السياسي والملف الحكومي بعدما انبرى «التيار الحر» لتشكيل «خط حماية» للقاضية المحسوبة عليه، سياسياً كما ميدانياً عبر تَحوُّل مناصريه «ذراعاً» لها في الاقتحام الذي تكرّر عصر السبت، لأحد مكاتب شركة صيرفة واستيراد أموال، بعيد اجتماعٍ لوزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم مع «القضاء الأعلى» والتفتيش المركزي ومدعي عام التمييز اشتُمّ من خلاصاته مساواة نجم بين تمرُّد القاضية وقرار عويدات اللذين أفيد أنه أريد لهما أن يكونا على طاولة التفتيش القضائي.

وفيما كان سلوكُ القاضية عون يوصف من مصادر قضائية بأنه على طريقة “لا قبله ولا بعده” مع اعتبار عضو المجلس الدستوري اللبناني سابقاً ورئيس كرسي الأونيسكو في جامعة القديس يوسف الدكتور أنطوان مسرة ان “ذهاب قاض وبصحبته أنصاره بطريقة ميليشيوية للتحقيق بأمر معين أبعد ما يكون عن سلوك القاضي”، مبدياً أسفه “لوجود فئة من اللبنانيين تغطي هكذا أمور لم نشهد مثيلا لها في ايام النازية”، دافعت هيئة المحامين في “التيار الحر” علناً عن عون لافتة إلى انه “لا يجوز لأي مرجع قضائي أو إداري، مهما علا شأنه التعسف باتخاذ قراراته”، مستنكرة “الحملة المغرضة التي تطاول القاضية غادة عون، وتؤكد وقوفها بجانبها وبجانب كل قاض شريف أقدم على مكافحة الفساد”.

وترافق هذا الموقف مع تغريدة لباسيل ندّد فيها بـ “انقلاب المنظومة الفاسدة على الناس بحيث استولت على أموالهم وهي تتحضّر للانقلاب على أصول الدولة ووجودها. فإلى من يلجأ الناس ليستعيدوا مدخراتهم؟ الى القضاء الدولي؟ سنتكلم قريباً”.

في المقابل شنّت “كتلة المستقبل” النيابية هجوماً عنيفاً على فريق عون، معتبرة “ان المشهد الهزلي الذي تدور أحداثه على خشبة مسرح قضائي، هو من علامات محاولات استكمال الانقلاب على الدستور والنظام الديموقراطي عبر تعطيل المؤسسات ومحاولة نسخ نظام الجماهيرية (القذافي) الذي نتذكره كيف كان يحكم بذاك الاتزان العقلي المشهور”.

وإذ استغربت ما صدر من كلام عن وزيرة العدل “ساوتْ فيه بين المرجعية القضائية الرصينة وقاضٍ بات ينطبق عليه وصف “الفار من وجه العدالة”، أكدت “لن تقوم جمهوريةٌ باختزال المؤسسات بغرفة أوضاع (في القصر الجمهوري) تمادت باستباحتها للدستور، ولا يتصور أحد أن رئيس الجمهورية يمكن أن يكون حكما للبلاد بإلغاء السلطات الأخرى وانتهاج أسلوب التعطيل المزمن لعرقلة تشكيل الحكومة وحشر لبنان في محور ادى به الى الفقر والحصار”.

وإذ كان رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب يغادر إلى قطر “حيث سيلتقي كبار المسؤولين للبحث في العلاقات الثنائية”، استمرّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي برفْع سقف مواقفه من الأزمة الحكومية.

فالراعي الذي اعتبر أن “شعب لبنان يتعرّض لحربٍ اقتصاديّةٍ ونقديّة ومعيشيّة مفتوحةٍ”، قال “ما لم تتألفْ حكومةُ اختصاصيّين غيرِ حزبّيين لا هيمنةَ فيها لأيِّ طرفٍ، عبثًا تَتحدثون أيهّا المسؤولون، عن إصلاحٍ وتدقيقٍ جنائي، واستراتيجيّةٍ دفاعية”.

وأضاف: “كي تكون الحكومة الجديدة فاعلة، استُبعدت حكومة من كتل نيابيّة، لئلّا تكون مجلساً نيابيّاً مصغّراً تتعطّل فيها المحاسبة. واستُبعدت حكومة حزبيّة، منعاً لخلافات داخليّة تعطّل عملها. وكان الإتّفاق أن تكون حكومة إختصاصّيين ذوي خبرة، فإذ بنا نسمع اليوم بحكومة من وزراء طائفيّين ومذهبيّين يعيّنهم السياسيّون. ميثاقنا الوطنيّ يقتصر على الشراكة الوطنيّة في إطار المناصفة والمساواة. ونريد حكومة واحدة لكلّ اللبنانيّين وللبنان واحد، لا مجموعة حكومات في حكومة، لكلّ طائفة حكومتها داخل الحكومة (…)”.