IMLebanon

وادي الكفور بؤرة تلوّث بـ”رعاية” الدولة والبلديات

كتب حسين رمال في الأخبار:

كارثة بيئية موصوفة. هذا أقلّ ما يمكن أن توصف به حال وادي الكفور (قضاء النبطية). عشرات المكبّات العشوائية والمنشآت الملوّثة للبيئة تنفث سمومها في الهواء أو تصبّها في خزان ضخم للمياه الجوفية، بـ«رعاية» وزارة البيئة ومجلس الإنماء والإعمار وبلديات المنطقة!

مطلع عام 2000، قرّر اتحاد بلديات الشقيف (27 قرية) توحيد مكبات نفاياته الصلبة في منطقة مصنّفة «صناعية»، واختير وادي الكفور (قضاء النبطية) الذي يُعدّ جغرافياً نقطة وسط بين قرى الاتحاد، لاستقبال نحو 100 طن يومياً من النفايات الصلبة التي تنتجها هذه البلدات.

المنطقة المصنّفة «صناعية» لا تزيد مساحتها على أربعة كيلومترات مربّعة، أُقيمت فوقها سابقاً منشآت صناعية وحرفية ملوّثة للبيئة، واختارها مجلس الإنماء والإعمار ووزارة البيئة واتحاد بلديات الشقيف لإقامة معمل لفرز النفايات الصلبة ومعمل لمعالجة مياه الصرف الصحي.

ومنذ نحو نصف قرن، يعبر في هذا الوادي «مجرور» مياه الصرف الصحي الرئيس العائد لمدينة النبطية، قبل أن يصبّ في البحر قرب آبار بلدة تفاحتا المخصّصة لمياه الشرب. وأخيراً، وجّهت بلدات زبدين وحاروف (الحي الشمالي) وتول والكفور والدوير (الحي الشمالي والشرقي) والشرقية مياه الصرف الصحي العائدة لها نحو الوادي لمعالجتها في المعمل الذي وُضع قيد التنفيذ أخيراً.

عليه، فإن الوادي الذي يُعدّ مجرى مائياً تتغذّى من مياهه الجوفية آبار تفاحتا التي يشرب منها نصف سكان الاتحاد، وآبار جوفية أخرى تقع في حوضه، يضمّ حالياً: معملاً لفرز النفايات (متوقف عن الفرز منذ ستة أشهر)، معملاً لمعالجة مياه الصرف الصحي (يعمل حالياً بنسبة 20 في المئة من طاقته)، معملاً لـ«تدوير» الدواليب المطاطية المستعملة تُحرق لاستخراج زيوت ديزل وغيرها منها، وقد صدر قرار أخيراً عن وزير الصناعة عماد حب الله بإقفاله وختمه بالشمع الأحمر، إلا أنه لم يُنفّذ)، مسلخاً لذبح المواشي (يعمل بربع طاقته)، كسارتين مع جبّالة زفت ومجبل باطون (لا يعملان حالياً، ويُنقل إليهما البحص والبودرة من كسارات في مزرعة بصفور والعيشية والبقاع)، معملاً لكبس حجارة الباطون، معملاً لصنع الألومينيوم، زريبة أبقار صغيرة، ومكبات نفايات لـ 85 بالمئة من قرى اتحاد بلديات الشقيف تنتشر عشوائياً في الوادي وفي أودية مجاورة تابعة لبلدة الكفور. أضف الى ذلك أن نحو 20 من بلدات الاتحاد تجمع المياه المبتذلة من الجور الصحية (fossesseptiques) وتفرّغها غالباً في هذه الأودية، أو في مجاري السيول الشتوية.

كلّ من هذه المنشآت تمارس كل أنواع العمليات المخالفة للقوانين والقواعد التي تحافظ على سلامة البيئة والمحيط الجغرافي. وبعدما تقدّم عدد من المحامين بدعوى أمام قاضي الأمور المستعجلة، طالبين تكليف خبير بيئي للكشف على الوادي الملوّث، تبيّن لنا أن المنشآت القائمة في الوادي تشكل بؤرة تلوّث شديد الخطورة. إذ تنبعث منها مواد وغازات سامة (من بينها ثاني أوكسيد الكربون co2، بيوكسيد، غاز الميتان والكربون العضوي)، يتنشّقها السكان، وناجمة عن حرق النفايات الصلبة وما تحتويه من بلاستيك وعلب محفوظات ومعادن ثقيلة ومواد عضوية وبيولوجية وكيماوية أخرى، في الهواء الطلق. كما يتسبّب الكربون العضوي الناتج عن حرق المعادن الثقيلة في زيادة حموضة المياه الشتوية التي تتسبب بيباس أوراق الأشجار والخُضر.

وتتسرب إلى المياه (السطحية والجوفية) موادّ ملوثة كيماوية وعضوية وبيولوجية، تحملها إلى المجرى المائي السيول السطحية التي تخترق أكوام النفايات ومجابل الباطون والزفت. وتنضم إليها مخلّفات حرق الدواليب في المعمل القائم على السفح الشرقي للوادي، ناهيك بمواد عضوية وكيماوية أخرى تنتجها بقية المنشآت (المسلخ ومعمل الألومينيوم ومكبس الحجارة) ومياه الصرف الصحي غير المعالَجة.

يؤدي ذلك كله إلى تلوث مياه الخزان الجوفي المتجمّع في أعماق الوادي، والذي يغذي منظومة آبار تفاحتا (تؤمن مياه الشفة لنصف سكان قرى الاتحاد).

أول المتضررين من بؤرة التلوّث هذه 16 قرية وبلدة ومدينة، من بينها النبطية وست بلدات تقع على مسافة تُراوح بين كيلومترين وخمسة كيلومترات، و10 قرى تقع على مسافة تُراوح بين خمسة كيلومترات و10 كيلومترات، إضافة إلى أربعة مجمّعات تربوية مطلة على الوادي، وأربعة مستشفيات، وتسع صيدليات.

ثاني المتضررين مياه المجرى (السطحية والجوفية) التي تروي محاصيل زراعية تدخل في غذاء السكان، ويشربها معظم القاطنين في المنطقة المحيطة.

وثالث المتضررين التربة الزراعية التي تُزرع فيها الحبوب والخضر وبعض الأشجار المثمرة ومراعي الماشية التي تُربى في المحيط.

وعلى رأس المتضررين جميعاً سكان المناطق المحيطة الذين يتنفّسون الهواء المشبَع بالغازات السامة المتصاعدة من الحرائق المشتعلة بشكل دائم في مكبات النفايات، ويأكلون بعض ما ينتجه الوادي من محاصيل نباتية أو حيوانية (لحم وحليب) تنتجها الأراضي التي تروى من مياهه الملوثة ومن التربة الملوثة بمواد كيماوية وعضوية مختلفة، ويشربون من مياه الآبار المحفورة في الحوض.

وإلى الكمية الهائلة من الغازات السامة التي تطلقها هذه المنشآت، في هواء المحيط وفي المجال الجغرافي القريب، تسلك أكثر من 5 آلاف سيارة يومياً طريقين رئيسيين (مرجعيون – النبطية – صيدا والنبطية – أبو الأسود – صور) يخترقان قرى الاتحاد من الجنوب إلى الشمال، ومن الشرق إلى الغرب.

وللدلالة على خطورة تلوث الهواء وحده، تشير الإحصاءات إلى أن الهواء الملوث بالغازات السامة المنبعثة من المصانع وآليات السير يقتل 4,2 ملايين شخص حول العالم سنوياً. لذا، ليس غريباً أن تسجّل الوفيات الناتجة من الأمراض الصدرية (الربو) والمعدية (الإسهال الشديد)، والسرطان، معدلات عالية في قضاء النبطية.

من المسؤول عن هذه الكارثة البيئية؟

الدولة ومؤسساتها هي المسؤول الأول. إذ أن لوحة الإعلانات المثبتة عند مدخل «المجمّع الصناعي» تشير إلى أن مؤسسات حكومية ومحلية نفّذت بعض هذه المنشآت، من بينها مجلس الإنماء والإعمار ووزارة البيئة واتحاد بلديات الشقيف. كما أنها هي من أعطت رخصاً للكسارات ومعامل جبل الزفت والباطون، لكنها عجزت عن مراقبة نشاطاتها المخالفة، وعن ردع مخالفات رمي النفايات في مكبات عشوائية تعتمل فيها النيران طوال الوقت ويتصاعد منها الدخان على مدار الساعة.