IMLebanon

لبنان “المكبّل” على محك الإمساك بمعابره الحدودية

رغم وضْع لبنان الرسمي يده على الأزمة المستجدّة مع الرياض والتي انفجرتْ مع «شحنةِ الرمان» المخدّر الآتية عبر «بلاد الأرز» والقرار الذي تلا ضبْطها وقضى بمنْع دخول الفواكه والخضار اللبنانية الى الأراضي السعودية أو العبور من خلالها، فإنّ الأجواءَ التي تحوط بـ «استفاقةِ» السلطات في بيروت على ملف الحدود والمرافق البرية والبحرية والجوية مع سورية الذي يكتسب أبعاداً بالغة الخطورة لم تعكس أن التعاطي مع الخطوة السعودية كان بحجم ما عبّرتْ عنه من اتجاهاتٍ متشدّدة حيال أي مسألة تمسّ «أمن المملكة» ولابد من مقاربتها بعناية كبيرة درءاً لمزيد من التفاعلات التي لا قدرة للوطن المزنّر بـ«الشحنات الناسفة» في المال والاقتصاد على تحمُّل تبعاتها.

فغداة الاجتماع الذي ترأسه رئيس الجمهورية ميشال عون وأطلق مساراً أريد له أن يكون احتوائياً لـ «العاصفة» التي لفحتْ العلاقات مع السعودية في غفلةٍ من السلطات اللبنانية الغافلة عن كل الملفات ذات الطابع الاستراتيجي والتي لا تملك «أزرار التحكّم» بها، بدتْ أوساطٌ مطلعة غير مقتنعة بأن المقررات التي خرج بها المجتمعون كافية لطمأنة المملكة – ولا دول الخليج الأخرى التي باتت «على موجة الاستياء» نفسها وإن من دون قراراتٍ «عقابية» حتى الساعة – إلى أن شيئاً ما سيتغيّر على صعيد سلوك الدولة الفاقدة لثقة المجتمعين العربي والدولي في تموْضعها الإقليمي كما في أداء مسؤوليها على مستوى إدارة البلاد وصولاً إلى الانهيار المالي، وما بعده في ظلّ استحكام أزمة تأليف الحكومة.

ولاحظتْ الأوساط أن خلاصات اجتماع بعبدا طغى عليها البُعد «التقني» في حين أن الملف الذي دَهَم العلاقات اللبنانية – السعودية يحمل أبعاداً سياسية تؤشر إلى فقدان بيروت «ميزتها» لدى دول الخليج، متوقّفة عند أن أي اتصالٍ رسمي لم يُسجّل بين مسؤول لبناني ونظيرٍ سعودي لتبديد هواجس المملكة التي جرت مخاطبتها بالبيانات، ناهيك عن أن التدقيق في الشق التقني من المقررات من شأنه تعزيز مخاوف المملكة كما سائر دول الخليج العربي بإزاء حجم التفلت على الحدود ومختلف المرافق، خصوصاً في ضوء البند الذي أوصى بـ «الطلب إلى وزير المال متابعة تنفيذ مرسوم 6748 تاريخ 30/ 7/ 2020 المتعلق بالنظام الإلزامي لمعاينة ومراقبة الحاويات والبضائع والمركبات في المرافق الحدودية اللبنانية، لا سيما إطلاق مناقصة لإنشاء هذا النظام»، بعدما كان الرئيس عون سأل عن «أسباب التأخير في شراء آلات السكانر لوضعها على المعابر رغم القرار المتخذ منذ تموز 2020».

كما استوقف الأوساط نفسها أن اجتماع القصر، الذي تَفادى البيان الصادر عنه ذكر سورية كمَصدر دخلت منه شحنةَ الرمان الملغومة قبل نقْلها الى السعودية، بدا وكأنه يعتبر كشْف «الصندوق الأسود» لهذه الشحنة ومالكيها وطريقة إدخالها لبنان سيكون كافياً لسحب فتيل هذا الملف الذي يطلّ على «أصل» المشكلة المتمثلة في تحوّل الحدود اللبنانية – السورية «سوقاً مشتركة» لصناعة الكبتاغون وتصديره، وفق تقارير إعلامية عدة، وهو ما لم تُشِر إليه المقررات ولا تالياً إلى أي نية أو اتجاهٍ لمعالجة هذه المسألة الشائكة بتقاطُعاتها الأمنية التي تلامس مسائل تفوق قدرة أو رغبة السلطات اللبنانية بمقاربتها نظراً لأبعادها المتصلة بقضية الحدود ككلّ والتي يوليها «حزب الله» أهمية استراتيجية في إطار مشروعه الإقليمي.

ورغم كلام وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي بعد تكليفه «التنسيق مع السلطات المعنية في المملكة لمتابعة البحث بالإجراءات الكفيلة بكشف الفاعلين» عن «اننا حريصون على احترام الأمن ‏القومي والمجتمع السعودي ونتمنى حل الأزمة مع المملكة وعودة ‏التصدير»، مؤكداً «كل الشحنات التي ستخرج من لبنان ‏ستخضع لتفتيش دقيق، ومكتب مكافحة المخدرات يحقق ‏مع 4 متورطين في شحنة الكبتاغون»، فإن شكوكاً تسود حيال إمكان تفكيك كامل شيفرة هذه الشحنة في ضوء ما عبّر عنه التراشق بين وزارتيْ الزراعة والاقتصاد حيال المسؤولية عن إعطاء الشركة الوهمية رخصة استيراد وتصدير ‏وتسجيلها باسم شخص توفي قبل أعوام وتزوير شهادة المنشأ التي أُعطيتْ لشحنة الرمان على أساس أنها لبنانية ثم إرسالها إلى مرفأ الدمام.

ويجري رصْد دقيق تبعاً لذلك لمسار التحقيق في هذا الملف بعدما كشفت تقارير أن الشحنة وبعدما أدُخلت من سورية تم وضعها لأيام في أحد المستودعات في بلدة تعنايل في البقاع قبل إعادة تحميلها بشاحنات لبنانية مبرّدة وشحنها إلى السعودية عبر مرفأ بيروت.

وقد تم دهْم المستودع المذكور وختمه بالشمع الأحمر بأمر من مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، وجرى توقيف مستأجره من التابعية السورية ويدعى علي سليمان وشقيقه تيمور، وسط معلومات أفادت أن لهما شقيق ثالث موجود في سورية يقف وراء إدخال شحنة الرمان عبر نقطة المصنع الحدودية الرسمية.

وذكرت التقارير أن مكتب مكافحة المخدرات يحقق مع 4 متورطين في القضية وأن التحقيقات تتركز على كيفية الحصول على الشهادات المزورة للشركة المصدّرة (شركة الأرز) التي عادت قناة «الجديد» وأفادت أنه «وفق وزارة الزراعة فإنّ الشركة ليس لها أي مستند أو ملف في الوزارة وتبيّن أنه جرى تزوير شهادة المنشأ وتم استخدام مستندات مزورة لتمريرها على إدارة الجمارك، وان الشركة التي استوردت الرمان من سورية هي شركة عبد اللطيف صالح وهي واحدة من أكبر الشركات المستوردة من سورية، وان الشركة المصدّرة للرمان من سورية هي لخالد القضماني».

وفيما كان رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع ابراهيم ترشيشي يكشف «انّ الشركة المصدّرة لشحنة الرمان هي المرة ‏الأولى التي تتعاطى بتجارة الفواكه والخضار، وأنّ أوراقها وشهادات ‏منشأها كلها اتضح انها مزورة، وهي ليست من الشركات التي ‏اعتادت الاستيراد والتصدير الى الخليج العربي عبر الخسمين سنة ‏الماضية»، أضاءت تقارير عدة على مَن «امبراطور الكبتاغون» وتصنيعه وتهريبه المدعو ح. دقو (لبناني – سوري ابن بلدة الطفيل اللبنانية الحدودية الخاضعة لسيطرة النظام السوري و«حزب الله») الذي ذُكر انه كان نجح في التقرب من شخصيات سياسية لبنانية رفيعة لم تعرف غالبيتها طبيعة نشاطاته، وأنه كان وراء شحنة ضخمة جرت محاولة تهريبها عبر ماليزيا الى السعودية قبل أشهر (من 94 مليون و800 ألف حبة كبتاغون) بعدما انطلقت من مرفأ اللاذقية، وأنه عُثِرَ في هاتفه على صورة لبوليصة الشحنة المضبوطة في ماليزيا بعد توقيفه في لبنان من شعبة المعلومات قبل نحو 3 أسابيع.

ووفق تقرير لـ «سكاي نيوز عربية»، فإن دقو «لم يكتف بمصانع الكبتاغون بل قام بوضع اليد على أراضي بلدة الطفيل بشراء 600 سهم، أي ما يعادل 13 ألف دونم من مالكها من آل خنافر من بلدة جنوبية (…) وأنه يملك شركة على أنها شركة بناء وإنشاءات تحت اسم سيزر، وأنه لإحكام سيطرته على أراضي البلدة قام دقو بتجريف الأراضي فيها واقتلاع الأشجار المثمرة من شجر لوز وكرز وزرعها بنصوب حديثة حتى يسهل عليه استملاكها بمساعدة قوى الأمر الواقع».

وإذ ذكر التقرير «أن دقو كانت له ممارسات ميليشيوية ضد أهالي الطفيل إذ كان يستقدم عناصر مسلحة من بلدة عسال الورد السورية القريبة من الطفيل ويسطو على المساعدات ويصادرها ويقوم بتوزيعها داخل الأراضي السورية»، أشار الى أن امبراطور الكبتاغون «يملك أيضاً عدة عقارات في لبنان وسورية بينها شقق في مدينة زحلة البقاعية وفي منطقة الرملة البيضاء الراقية وقصور في الطفيل وسورية تقدر بملايين الدولارات، وأن غالبية الاراضي التي اشتراها قام بتسجيلها بأسماء مقربين منه وأن أحدهم من آل الأغا كان يتولى عملية تهريب الكبتاغون إلى دول الخليج».

وفي موازاة ذلك، لم يخرج لبنان من «الحلقة الجهنمية» التي يدور فيها وسط غياب أي معطيات تشي بإمكان اقتراب إنهاء مأزق تأليف الحكومة رغم كل الضغوط الخارجية التي لا تعكس بأي حال نجاحاً في توفير التقاطعات المطلوبة بين قوى التأثير الاقليمية والدولية في الواقع اللبناني والتي تتداخل فيها الحسابات الموصولة بالصراع الكبير في المنطقة مع الاعتبارات ذات الصلة بمستقبل الوضع في لبنان توازنات وربما… نظاماً سياسياً.

وإذ تتجه الأنظار الى زيارة لا يُعوَّل عليها كثيراً لتبديد التشاؤم الكبير في الملف الحكومي سيقوم بها الخميس رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل لموسكو على وهج ما بات يوصف من خصوم فريق رئيس الجمهورية بـ «سياسة الأرض المحروقة» التي تُنتهَج (من باسيل) في إطار سعيه لتحقيق شروطه في التأليف الذي صار كثيرون يتعاطون معه على أنه ممرّ للاستحقاق الرئاسي، برز أمس تطوران:

* الأول الرسالة التي بعث بها البابا فرنسيس الى رئيس الجمهورية وأكد فيها «أن لبنان لا يمكنه أن يفقد هويته ولا تجربة العيش الاخوي معاً التي جعلت منه رسالة الى العالم بأسره».

وجدد البابا، الذي التقى الأسبوع الماضي الرئيس المكلف سعد الحريري الذي تدور بينه وبين عون معركة «يا قاتل يا مقتول» حكومياً، رغبته في «أن تتحقق زيارتي الى لبنان وشعبه الحبيب»، مؤكداً على صَلاته الحارة على نية اللبنانيين «كي يحافظوا على الشجاعة والرجاء في المحنة التي يجتازونها».

وفي الرسالة التي شكر فيها عون على كتاب تهنئته لمناسبة السنة الثامنة لحبريّته وعلى الرسالة التي كان بعث بها اليه بعد زيارته العراق وتضمنت دعوة رسمية لزيارة لبنان، رَفَعَ البابا الدعاء «الى الله كي يساعد الرئيس عون والمسؤولين السياسيين ليعملوا من دون هوادة من أجل الخير العام في بلاد الأرز».

* والثاني ارتفاع منسوب الغضب الفرنسي من تمادي الأزمة الحكومية، وهو ما عبّرت عنه تقارير من باريس (صحيفة نداء الوطن) نقلت عن مسؤول فرنسي رفيع تحذيره من أنّ «خطر النهاية في لبنان يقترب كل يوم، والشعب اللبناني سيزداد فقراً واللاجئون السوريون سيستقرون فيه وستحدث(بلقنة)لبنان ومَن سيكون بمقدوره مغادرة البلد سيهاجر»، متسائلاً عما يمكن لفرنسا «أن تفعله أكثر مما تقوم به بينما المسؤولون السياسيون غير مدركين لخطورة الوضع والانهيار الحاصل».