IMLebanon

لبنان إلى معاودة مفاوضات الترسيم البحري مع إسرائيل

كتب من وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي الكويتية”:

من الحدود البرية الموصولة بمَرافق بحرية وجوية والتي فجّر «فلتانُها» أزمةً يُخشى أن تصبح «بلا حدود» مع المملكة العربية السعودية التي تحوّل لبنان منطلقاً لتصدير المخدرات إليها فردّت بإجراء «تحذيري» منعتْ بموجبه دخول الخضار والفواكه الآتية من «بلاد الأرز» أراضيها… مروراً بالحدود البحرية مع اسرائيل التي يُتوقَّع استئناف المفاوضات حول ترسيمها بين بيروت وتل أبيب برعاية أممية وبوساطة أميركية مطلع الأسبوع المقبل… وصولاً إلى مأزق تشكيل الحكومة الجديدة العالق عند «تحديد مناطق نفوذ» الأطراف الوازنة الداخلية كانعكاسٍ تلقائي لموازين إقليمية ما زالتْ في طور التبلْور خلف خطوط المفاوضات حول النووي الإيراني ومحاولات شبْكها مع ملفات أخرى ذات صلة بمختلف الساحات اللاهبة و«أدوات» تسخينها.

وتوزَّع المسرح الجغرافي لهذه العناوين الثلاث بين الرياض التي يحاول لبنان طمأنتها إلى أنه «تلقى الرسالة» وسيقوم بما يلزم، ضمن إمكاناته و«المسموح» به، لإنهاء ما تعتبره المملكة «استهدافاً ممنهَجاً لأمنها لن تسكت عنه بعد اليوم»، وبين بيروت التي صدرت منها إشاراتُ استتئناف مفاوضات الترسيم البحري مع اسرائيل بعد نحو أسبوعين من زيارة الديبلوماسي الأميركي ديفيد هيل التي حضر فيها بقوة هذا العنوان، وبين موسكو التي انتقل إليها الملف الحكومي مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ومسؤولين آخرين.

وسجّلت «قضية المخدرات» تطوراً اعتُبر بمثابة إشارةِ من الرياض إلى أن التزامَ بيروت بخطوات ملموسة تعالج التهريب الى المملكة من جذورها سيفتح الباب أمام العودة عن قرار الحظر، وتمثّل في السماح للبضائع اللبنانية التي كانت عالقة عند الحدود السعودية وفي ميناء جدة بدخول السعودية.

وقد توجّه وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي، الذي كُلف التنسيق مع الرياض في ما خص شحنة الرمان المخدرة وتداعياتها والخطوات التي يقوم بها لبنان «بالشكر والامتنان الى الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان ونظيره وزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف، على هذه البادرة الانسانية الطيبة»، مؤكداً أنه لم يتفاجأ «بالايجابية السعودية» وأنه «على يقين من أن مملكة الخير لن تألو جهداً لاعادة النظر بموقفها الأخير خصوصاً في المرحلة الدقيقة التي يمر بها لبنان وشعبه».

وترافق هذا التطور مع قيام فهمي بـ «غارة تفتيش» على منطقة الشحن في مطار رفيق الحريري الدولي حيث اطلع على تفاصيل اجراءات التفتيش المعتمدة لكل أنواع الشحنات التي تدخل أو تخرج عبر المطار، وعن قدرة أجهزة السكانر المعتمدة على كشف أي مواد موجودة داخلها وبينها حبوب الكبتاغون، فيما كانت نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر تتفقّد مع وزيري الطاقة ريمون غجر والاقتصاد راوول نعمة عدداً من أفواج الجيش في البقاع، لا سيما مراكز المراقبة والمعابر الحدودية في السلسلة الشرقية.

وتخلل هذه الزيارة اطلاع ميداني على أبراج مراقبة الحدود التابعة لفوج الحدود البري الثاني وفوج الحدود البري الرابع «والتقنيات المتطورة في عمليات المراقبة والرصد والمهمات الموكلة إليهم في غرف العمليات العسكرية لمنع ومكافحة التهريب والتسلل».

وشدّدت عكر على «دور الجيش في التصدي لأي اعتداءات على الحدود، إضافة إلى ضبط المعابر الشرعية وغير الشرعية، ومنع التهريب وتسلل الأشخاص».

وفي ملف الترسيم البحري، لم يكن عابراً ما أوردتْه وكالة «رويترز» نقلاً عن مصدريْن لبنانييْن رسمييْن توقعا استئناف المحادثات بين لبنان وإسرائيل في شأن الخلاف حول حدودهما في البحر المتوسط الأسبوع المقبل.

وقال مسؤول لبناني، طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية الأمر «إن الجانب الأميركي أخطر لبنان أن المحادثات ستُستأنف يوم الاثنين»، فيما ذكر المسؤول اللبناني الثاني أن استئناف المحادثات سيتزامن مع زيارة الوسيط الأميركي جون دروشر المقرر أن يصل لبنان في يوم لم يتحدّد من الأسبوع المقبل.

ولم يكن ممكناً تحديد «سرّ» إحياء هذا الملف الذي كان عُلِّق قبل نحو ستة أشهر بعد طلب الجانب اللبناني التفاوض على منطقة أوسع متنازَع عليها (كانت محددة بـ 860 كيلومتراً مربعاً) أضيفت إليها مساحة 1430 كيلومتراً مربعاً، وهي «القفزة» التي جاءت من خارج الاتفاق – الإطار الذي أقلع على أساسه التفاوض مع تل أبيب والتي تحوّلت قبل نحو أسبوعين «حقل تجاذب» سياسياً في لبنان على خلفية مرسوم تعديل مساحة المنطقة البحرية المتنازَع عليها (اعتماد الخط 29 الحدودي عوض 23) والذي وصلت «كرته» إلى الرئيس ميشال عون الذي «جمّد» توقيعه على قاعدة «انه يحتاج إلى قرار يتخذه مجلس الوزراء ‏مجتمعاً».

وبعدما واكبتْ تل أبيب مسار المرسوم – الذي يكرّس توقيعُه جعْل حقل «كاريش» ضمن منطقة متنازَع عليها – بـ «خط متطرف مضاد» (أطلق عليه اسم الخط 310) وظهرت مفاعيله التمدُّدية شمالاً في خريطةٍ نشرتها الاربعاء صحيفة جيروزاليم ‏بوست ووسائل إعلام اسرائيلية أخرى، لم يُعرف أمس إذا كان الوفد اللبناني العسكري الى المفاوضات سيستأنف النقاش من حيث انتهى (أي على قاعدة الخط 29) أم أن تريث عون في توقيع المرسوم وكلام هيل من بيروت عن ضرورة التفاوض «على الأسس التي بدأناها، مع إمكان، عند الاقتضاء، استقدام خبراء دوليين للمساعدة في اطلاعنا جميعاً» سيفرض نفسه على الجولة المنتظرة من المحادثات، علماً أن عون كان دعا أمام الديبلوماسي الأميركي «لاعتماد خبراء دوليين لترسيم الخط وفق القانون الدولي، والالتزام بعدم القيام بأعمال نفطيّة أو غازيّة وعدم البدء بأي أعمال تنقيب في حقل كاريش وفي المياه المحاذية».

ولم يحجب هذا العنوان الاهتمام بالزيارة التي قام بها باسيل لموسكو التي لم تتوانَ عشية استقباله عن تظهير موقفها الثابت من وجوب تشكيل حكومة اختصاصيين برئاسة الرئيس المكلف سعد الحريري الذي تحتدم معركة «لي الأذرع» بينه وبين عون وفريقه، وهو ما عبّر عنه استقبال الحريري (الاربعاء) السفير الروسي الكسندر روداكوف وإبلاغه «شكره للقيادة الروسية على الاستقبال الذي لقيه خلال زيارته الأخيرة لموسكو والتفهم الذي أبدته لمواقفه حيال الأزمتين السياسية والاقتصادية التي يرزح تحتهما لبنان، مثمناً موقف روسيا الداعم لتأليف حكومة اختصاصيين في أسرع وقت بما يتماشى مع المبادرة الفرنسية».

وفيما كان خصوم باسيل يركّزون في ما خص شكل زيارته على أنها لم تقابَل بالحفاوة نفسها التي لقيها الحريري، بدا من الصعب تقدير «أَثَر» محطة رئيس «التيار الحر» في موسكو على الأزمة الحكومية في ظلّ استحكام التعقيدات السياسية و«الشخصية» ناهيك عن عدم وضوح الرؤية في ما خص الأفق الإقليمي الذي يشكّل «المسرح الحقيقي» الذي يتحرّك عليه مجمل الواقع اللبناني.

وسادت بيروت أمس مناخاتٌ أوحتْ بمحاولة متجددة لتحريك الملف الحكومي أطلقها اتصال جرى بين الحريري والبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي (كان زار عون الاثنين)، وستشكّل اختباراً جديداً لِما إذا كان فريق رئيس الجمهورية تخلى فعلياً عن الثلث المعطّل وإذا كان الرئيس المكلف في وارد الذهاب الى حكومة من 24 وزيراً (عوض 18 كان قدّم تشكيلة على أساسها)، علماً أن ما بين هاتين العقدتين تكمن «شياطين تفاصيل» كثيرة بينها حقيبة الداخلية ولمَن ستؤول وآلية تسمية الوزير الذي سيتولاها، وليس انتهاءً بـ هل سلّم «حزب الله» بأن يقترح الحريري الوزيريْن اللذين سيمثلانه كاختصاصيين في الحكومة.